29-مايو-2021

تعبيرية (History)

كشفت الجثث المدفونة في مقبرة في إحدى أقدم المواقع في العالم، أن شعوب ما قبل التاريخ التي سكنت الضفة الشرقية لنهر النيل في شمال السودان، قد عرفت الحرب بحسب ما تظهر الإصابات المتعددة على الهياكل العظمية، والتي تدلل على أنهم عايشوا حروبًا متكررة في تلك المنطقة منذ حوالي (13,400) عام.

وبحسب وكالة "رويترز" للأنباء، قال باحثون الخميس الماضي، إن إعادة فحص بقايا مقبرة "جبل الصحابة" التي تم التنقيب عنها في الستينات، توفر نظرة ثاقبة جديدة للحرب البشرية في عصور ما قبل التاريخ، بما في ذلك أدلة على حدوث سلسلة من المواجهات العنيفة بدلًا من مواجهة قاتلة واحدة كما كان يعتقد سابقًا.

أظهرت الأبحاث أن الحروب كانت حدثًا مكررًا في حياة مجتمعات إنسان ما قبل التاريخ في السودان

ومن بين بقايا (61) من الرجال والنساء والأطفال، ظهرت على (41) من البقايا إصابة واحدة على الأقل، معظمها من أسلحة المقذوفات مثل الرماح والسهام. وقد التأمت بعض الجروح، مما يشير إلى أن الشخص نجا من قتال سابق مما يدلل على أن الحرب حدثت عدة مرات في فترات مختلفة في ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب شغفه بالسياحة.. شاب سوداني يحظى بضيافة عمدة مدينة تركية

وأظهرت الأبحاث أن (16) منهم أصيبوا بجروح ملتئمة وغير ملتئمة، مما يشير إلى أنهم نجوا من قتال ليموتوا في آخر. وكشف الفحص المجهري أن الجروح تحتوي على بقايا أسلحة حجرية مغروسة في العظام.

وكان التحليل الأصلي في الستينات قد حدد (20) شخصًا فقط مصابين بجروح لم تلتئم، ما يعني أنهم قتلوا نتيجة للإصابة بهذه الجروح.

موقع المقبرة غمرته مياه السد العالي في بحيرة ناصر (رويترز)
موقع المقبرة غمرته مياه السد العالي في بحيرة ناصر

وقالت عالمة الأنثروبولوجيا القديمة إيزابيل كريفيكور من المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية بجامعة بوردو، المؤلفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة "Scientific Reports"، إن العنف الواسع والعشوائي وقع على الرجال والنساء على حد سواء، كما أصيب أيضًا أطفال لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات.

وقالت كريفيكور: "يبدو أن طريقة القتل الرئيسية كانت عن طريق الجروح المسببة لأكبر قدر من النزيف".

وبينما يمكن إلقاء الرماح والسهام من مسافة بعيدة، كان هناك أيضًا دليل على وجود قتال متقارب كما تظهر حالات الكسور على اليد التي تدلل على الضربات على الساعد التي يصاب بها الإنسان عند رفع الذراع لحماية الرأس.

الفترة التي حدثت فيها هذه الحروب هي فترة ما قبل اكتشاف الزراعة، حيث عاشت في تلك المنطقة من سودان ما قبل التاريخ؛ مجتمعات صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها المئة، واعتمدت على صيد الثدييات والأسماك، وجمع النباتات والجذور.

ظهرت إصابات متعددةبعضها ملتئم في البقايا ما يعني أنهم نجوا من حرب سابقة (رويترز)
ظهرت إصابات متعددةبعضها ملتئم في البقايا ما يعني أنهم نجوا من حرب سابقة

وفي حين أنه من الصعب معرفة سبب هذه الحروب، فقد حدث ذلك خلال فترة تغير المناخ في المنطقة من فترة جفاف، إلى جانب فترات فيضانات النيل الشديدة، مما قد يؤدي إلى احتكاكات بين العشائر المتنافسة على الموارد والأراضي.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة دانيال أنطوان، القائم بأعمال رئيس قسم مصر والسودان وأمين علم الآثار البيولوجية في المتحف البريطاني في لندن: "على عكس معركة معينة أو حرب قصيرة، يبدو أن العنف كان للأسف حدثًا منتظمًا وجزءًا من النسيج اليومي لحياتهم".

اقرأ/ي أيضًا: شاب سوداني يجني مئات الدولارات من بث ألعاب الفيديو

وقالت كريفيكور إن الأدلة الأثرية تشير إلى "اشتباكات متكررة على نطاق صغير على الأرجح في شكل غارات ومناوشات وهجمات كمائن بين مجموعات الصيادين وجامعي الثمار، وليس صراعًا واحدًا". وأوضحت أن الاختلافات الثقافية غير المعروفة بين المجموعات يمكن أن تكون قد لعبت دورًا أيضًا.

باحثة: النتائج التي توصلنا إليها لها آثار مهمة على النقاش حول أسباب وشكل الحرب

ويعد هذا الموقع، الذي غمرته المياه الآن تحت بحيرة ناصر، أقدم مجمع جنائزي معروف في وادي النيل، وواحد من أقدم المجمعات الجنائزية في إفريقيا. وكان قد تم تخزين الرفات البشرية في المتحف البريطاني بلندن.

وقالت كريفكور: "نعتقد أن النتائج التي توصلنا إليها لها آثار مهمة على النقاش حول أسباب وشكل الحرب". ومضت بالقول: "ما هو مؤكد هو أن أعمال العنف تم تسجيلها منذ مئات الآلاف من السنين، ولا تقتصر على جنسنا البشري، إنسان نياندرتال أيضًا عرف الحرب. وربما تكون دوافعهم معقدة ومتنوعة".

اقرأ/ي أيضًا

اكتشاف مواقع أثرية جديدة بدارفور

السودان يحتفل باليوم العالمي للغة الأم