22-يونيو-2022
مهاجرون غير شرعيون

استمرار تدفق المهاجرين "غير الشرعيين" إلى أروربا رغم المخاطر التي تهدد حياتهم

لطالما تناولت البحوث والدراسات قضية هجرة الشباب إلى الخارج، ووضع المختصون حلولًا ومعالجات لهذه القضية، ومع ذلك ظلت حبيسة الأدراج في ظل تجاهل الدولة للشباب وتزايد أعداد المهاجرين.

دراسة الهجرات

أوروبا اليوم سكانيًا، ليست هي أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية، حيث استقبلت موجات هجرة كثيفة في القرن الحادي والعشرين، خاصةً خلال العقود الثلاثة التي أعقبت الحرب.

مدون سوداني: هناك نمط "كولونيالي" متصل بسياسات الهجرة في البلدن الأوروبية

وفي هذا الصدد، يقول المدون السوداني محمد عبدالسلام إن الهجرات تمت لحاجة أوروبا إلى الأيدي العاملة الرخيصة، فتحرك الآلاف من البشر من شمال أفريقيا وتركيا والهند، بجانب هجرات داخل أوروبا نفسها من المناطق الفقيرة، مثل جنوب إيطاليا وإسبانيا واليونان، لتنصب هذه الموجات جميعها، خلال الحقبة آنفة الذكر، وتتكدس في غرب أوروبا وشمالها.

ويلمح عبدالسلام إلى النموذج "الكولونيالي" المتصل بسياسات الهجرة، بمعنى ميل بريطانيا مثلًا إلى تفضيل قبول مهاجرين من دول الكومونولث، لذلك نجد أجيال من المهاجرين استوطنت بريطانيا من مستعمراتها السابقة في أفريقيا وشبه الجزيرة الهندية. ويكمل متابعًا "يصدق ذلك أيضًا على فرنسا التي تميل إلى إعطاء الأفضلية للمهاجرين القادمين من قطاعها الجغرافي الفرانكفوني، مثل الجزائر وتشاد وعموم غرب أفريقيا". ويضيف عبدالسلام: "بخلاف النمط الكولونيالي نلاحظ ما يسمى بنموذج العمال الضيوف، وهو قبول دول مثل ألمانيا وبلجيكا وسويسرا لمهاجرين، بصفة مؤقتة، تلبيةً لاحتياجات سوق العمل في قطاعات معينة من دون تمتعهم بحقوق المواطنة الكاملة".

https://t.me/ultrasudan

ويشير عبدالسلام إلى النشاط المحموم للهجرات خلال التسعينات ومطلع الألفية، وما أحدثته سيطرة العولمة على الشعوب، وشكلت بموجبها تصوراتها لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الرغدة التي تحقق قيمة الرضا عن الذات، وإلى آلاف الشباب الذين دخلوا إلى أوروبا على متن القوارب (السنبك) وكيف كانت هذه الهجرات آخر ما يملكه أغلبهم من أملٍ بعد موجات من الحروب والمجاعات وانعدام فرص العمل، فيما يُعرف تضليلًا عند الغرب بـ"الهجرة غير الشرعية" - على حد وصفه.

تساؤلات نقدية

ويبقى السؤال ما هي أسباب هجرة الشباب إلى الخارج؟ سؤال طرحه "الترا سودان" على الناقد الشاب مهدي يس الذي أفاد بأن ظاهرة هجرة الشباب إلى الخارج لا يكتنفها الغموض؛ فأسبابها شائعة ومعروفة، وتناولتها العديد من البحوث. ويضيف يس "أعتقد أن الهشاشة النفسية التي اعترت هذا الجيل، جراء تعرضه لضغوط مكثفة طوال مراحل حياته، بدءًا من الطفولة وليس انتهاءً بالمرحلة الجامعية، تشكل أهم عوامل الهجرة، وتفسر سبب مغادرة الشباب من ميسوري الحال".

واستطرد يس في الحديث: "لا يتعلق الأمر بالضائقة المعيشية وحدها، بل بافتقادهم للمعنى وللتقييم الضروري والمحفز لبذل الجهد ومقاومة ظروف الحياة المختلفة". ويتابع: "هذا اليأس الذي يلف حياة الشباب، يعود إلى إهمال مركّب، تتحمل مسؤوليته الدولة ثم المجتمع والأسرة، فبغياب الاهتمام بالشباب؛ بذواتهم، وأحلامهم، وبتطوير أفكارهم وبحوثهم، وبتوفير فرص العيش الكريم لهم، من البديهي أن تعم البطالة وينتشر الإحباط".

ويرى يس أن على الدولة أن تضطلع بمهامها تجاه الشباب لأنهم أساس النهضة ووقود المستقبل، وأن تبدأ بتغيير لغة الخطاب "الفاترة والمحبطة" إلى لغة محفزة وملهمة، تضرم بداخلهم نار الجد والكفاح، ثم توظيف تلك الحرارة -الحديث لمهدي يس- في فرص العمل والمناشط المعرفية والفنية والثقافية المتعددة التي تحقق لكل منهم ما يصبو إليه، فلا يعودوا بحاجة إلى الهجرة والاغتراب.

أسباب وعوامل

تعددت العوامل والدوافع وراء هجرة الشباب إلى الخارج، ومع اندلاع الحروب في عدة مناطق في السودان، مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، هاجر كثير من شباب تلك المناطق إلى الخارج، هربًا من جحيم الحرب، وبحثًا عن وطن جديد. تسلل منهم الكثير عبر الحدود إلى الدول الأفريقية المجاورة، وهرب البعض الآخر إلى إسرائيل التي تحتضن ما يقارب ألفي مواطن سوداني، ونجح آخرون بالوصول إلى القارة الأوروبية. وعقب توقيع اتفاق السلام، لم تخاطب الحكومة السودانية الانتقالية أولئك الشباب من أجل العودة وتعمير الأرض، وعاد بعضهم بعد أن حصلوا على جنسيات تلك الدول إلى السودان إلا أنها تبقى عودة خجولة، مقارنةً بأعداد الذين فضلوا البقاء خارج البلاد.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام المُباد كان أحد دوافع هجرة الشباب، حيث طلب كثير من الشباب اللجوء السياسي، وعرفوا أنفسهم كمعارضين للنظام من الخارج، واختاروا مناهضة النظام من تلك الدول. وعقب سقوط نظام الإنقاذ، عادت إلى البلاد أعداد قليلة منهم، واختار بعضهم البقاء حيث هم، واقتصرت العودة على الزيارات الاجتماعية القصيرة. ويرى كثير منهم أن السودان لم يبلغ بعد مرحلة الديمقراطية والحرية التي تغري بالعودة والاستقرار، على الرغم من انتفاء السبب الرئيسي للهجرة بسقوط نظام الإنقاذ.

ويحدثنا منسق البرامج في مركز تأسيس، مصعب سمير، قائلًا "عرف السودانيون الهجرة والاغتراب منذ قديم الزمان"، منوهًا بأن معدلات الهجرة زادت في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة، معللًا الأمر بتدهور الوضع الاقتصادي وعدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد. ويضيف لـ"الترا سودان": "أصبح من الصعب الحصول على فرص عمل تحقق الاستقرار المالي أو بناء شركات ناشئة تخلق فرص عمل جديدة، مع التدهور المتسارع الذي تشهده البلاد، وغياب رؤية واضحة للمستقبل".

وأشار سمير إلى "تدهور الأجور" عالمياً وفي دول الخليج بصورة خاصة، قائلًا إنها "الوجهة الرئيسية" لكثير من شباب السودان. ومع تضييق الفرص، اتجه كثير من الشباب للقبول بمهن أقل أجرًا، بسبب التدهور الكبير الذي شهدته العملة المحلية في السنوات القليلة الماضية - على حد تعبيره.

ويقول سمير إن كثيرًا من الشباب نزحوا من مناطق الحرب واتجهوا إلى الدول الأوروبية عبر الهجرة "غير الشرعية" في سبيل البحث عن حياة كريمة. وتابع: "إنها رحلة شديدة الخطورة حملهم إليها الواقع الصعب وفكرة البحث عن مستقبل أفضل". وفيما شهدت البلاد، عقب ثورة ديسمبر، عودة بعض من هاجروا في عهد الإنقاذ لأسباب سياسية وحصلوا على الجوازات الأجنبية –بحسب سمير- أنتجت هذه الهجرات جيلًا من الشباب ممن تجنسوا بالجنسيات الغربية وتطبعوا بثقافتها – على حد وصفه.

سودانيو الشتات

وتحدث المدون السوداني محمد عبدالسلام لـ"الترا سودان عن "امتصاص الخليج، في العقود الأربعة الأخيرة، للكوادر المؤهلة في المنطقة كافة" بعد تحوله إلى "قوة نفطية عظمى" وتحقيقه فوائض وثروات هائلة، وهو ما ألقى بظلاله على دول قديمة وراسخة، مثل مصر وسوريا، وأضعفها – على حد تعبيره.

محمد عبدالسلام: هناك حالة موحدة تنطلق منها وجهات نظر المهاجرين وتصوراتهم عن قضايا بلدهم بصورة يغلب عليها التماثل بين كل أصحاب جغرافيا ما

ويشير عبدالسلام إلى الحالة العقلية والنفسنية لسودانيي الشتات حيال ما يجري في بلادهم، متسائلًا: كيف ينظر السوداني في واشنطن أو جنيف أو لندن أو إستوكهولم أو روما أو الدوحة أو باريس مثلًا إلى الأحداث السياسية والاجتماعية في بلده؟ ويمضي قائلًا: "هناك حالة موحدة تنطلق منها وجهات النظر والتصورات، بصورة يغلب عليها التماثل بين كل أصحاب جغرافيا ما".

ويؤكد المدون الشاب أن ثمة فارق بين خطاب العامة من المهاجرين من أجل لقمة العيش وخطاب النخبة من المهاجرين، سواء كانوا طلاب دراسات عليا أو عاملين في الحقل الأكاديمي أو لاجئين سياسيين، إلى جانب العناصر النشطة عبر المنظمات غير الحكومية.

تمس قضية الهجرة كل فرد في المجتمع، وتضع الدولة ومسؤوليها أمام اختبار حقيقي لتوفير الحياة الكريمة لمن بقى من الشباب داخل البلاد، حتى لا يلحقوا بغيرهم إلى الخارج.