04-يونيو-2022
اشتهر الجسر أيام الاعتصام باسم "وحدة أعالي النفق" (Getty)

اشتهر الجسر أيام الاعتصام باسم "وحدة أعالي النفق" (Getty)

في اعتصام القيادة العامة الذي أقامه الآلاف من السودانيين في نيسان/أبريل 2019، لم يكن الجسر الحديدي الذي انشأه الاستعمار البريطاني قرب القيادة العامة للجيش، والمخصص لعبور النيل الأزرق بين الخرطوم والخرطوم بحري، مجرد جسر لعبور السيارات والقطارات، بل تحول إلى موقع عُرف بين المتظاهرين بـ"وحدة أعالي النفق"، ثم تسربت لغة الموسيقى من هناك إلى الاعتصام، قبل أن تُحيل القوات العسكرية المكان إلى رماد إبان مجزرة فض الاعتصام في الثالث من حزيران/يونيو 2019.

جاءت تسمية "وحدة أعالي النفق" كون الجسر يعبر نفقًا للسيارات والقطارات، قرب القيادة العامة ، مقر الاعتصام المدني في الفترة مابين 6 من نيسان/أبريل، حتى وقوع مجزرة الاعتصام في الثالث من حزيران/يونيو 2019 -المجزرة التي أنهت أكبر تجمع سلمي للسودانيين في التاريخ الحديث، لكن حكايات هذا الاعتصام لا تزال مستمرة.

مثل عازفي سفينة تايتانيك الذين واصلوا العزف حتى لحظات غرقها كان المحتجون يطرقون على الجسر عند وصول القوات العسكرية لفض الاعتصام

يحتفظ المتظاهرون الذين من شاركوا في اعتصام القيادة العامة قبل ثلاث سنوات، بذكريات كثيرة عن هذا الحدث من قطار عطبرة الذي وصل عبر الجسر الحديدي، ختامًا بالمأساة نفسها وهي "مجزرة فض الاعتصام"، حينما وصلت تشكيلات عسكرية عبر هذا الجسر فجر الثالث من حزيران/يونيو 2019، وفضت التجمعات السلمية بالقوة المسلحة.

ساهمت الموسيقى، في تشكيل اعتصام القيادة العامة، وأحيا عدد من الفنانيين الحفلات الموسيقية في الساحات المقابلة لمباني قيادة الجيش، أبرزهم الفنان أبوعركي البخيت والباشكاتب محمد الأمين، بينما شكلت مشاركة المغني السوداني بالولايات المتحدة الأميركية أيمن ماو، لحظة فارقة، كونه عرف بأغانيه التي تداولها الشباب إبان الثورة الشعبية التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر 2018.

حتى في تقلبات الأجواء، عندما تهطل الأمطار، كان المتظاهرون، يفضلون البقاء في النفق الحديدي، يطرقون عليه باستمرار، ومع مرور الوقت اكتسب هذا الجسر أهمية قصوى، وأصبح المحتجون يوثقون هذه اللحظات.

ومثل عازفي سفينة تايتانيك الذين واصلوا العزف حتى لحظات غرقها كان المحتجون يطرقون على الجسر الحديدي عند وصول القوات العسكرية لغرض إنهاء الاعتصام والتجمعات السلمية، التي كانت تُطالب بالسلطة المدنية الكاملة، وخروج العسكريين من الحياة السياسية.

ويرى الموسيقار محمود ميسرة السراج، أن الموسيقى تشكل جدار الحماية للثورة الشعبية في السودان، وقال لـ"الترا سودان"، إنه لا يضع خيالًا للمواكب السلمية، دون الأناشيد والهتافات وأصوات المغنين، وأهازيج الكورال.

https://t.me/ultrasudan

حتى في أقسام الشرطة عندما يتم اعتقال المتظاهرين، يبددون هذه اللحظات العصيبة بالأناشيد الثورية وهم يطرقون على أبواب ونوافذ السجن.

ويعتقد شهاب عبد الله وهو متظاهر في مدينة أم درمان في حديث لـ"الترا سودان"، أن الموسيقى لعبت دورًا كبيرًا في إحياء الاحتجاجات الشعبية ضد نظام المخلوع، وضد الانقلاب العسكري حاليًا.

ويتداول السودانيون، مقطع فيديو لأغنية شهيرة للفنان الشاب أحمد أمين، يسرد المقطع "مأساة مجزرة اعتصام القيادة العامة"، وهي من الأغاني الرائجة منذ ثلاثة سنوات، وفي الذكرى الثالثة لهذه المجزرة التي قد تشكل التاريخ السياسي للسودان، تعود الأغنية إلى واجهة الأغاني الأكثر شعبية، كونها تعبر عن لحظات الحزن والآلام التي سادت بين الناس، في الثالث من حزيران/يونيو 2019.

ويقول حسن محمود أحد المتظاهرين الذين شهدوا فض الاعتصام قرب القيادة العامة لـ"الترا سودان"، إن المحتجين كانوا يضربون الأرض بأقدامهم لحظة الهجوم العسكري والأمني على المعتصمين، في دلالة على الرغبة في الموسيقى في أحلك الأوقات، وقد تكون لحظات ما قبل موتك بالرصاص، يقول محمود.

وحصل اثنان من المحتجين في أيار/مايو 2019، على منحة دراسية مُقدمة من شركة كوفتي للشاي بالعاصمة الخرطوم، تقديرًا لهتاف شهير جرى تداوله في ساحة الاعتصام وانتشر بقوة على المنصات الاجتماعية، عندما رددا لحث المتظاهرين على المبيت في الاعتصام، أغنيتهما الشهيرة: "يا أخوانا الشاي ..الشاي بي جاي شاي ما عادي ..شاي كوفتي كمان"، وهي إشارة إلى أن الاعتصام يتوفر فيه شاي الصباح، فلا داعي للقلق، بينما كوفتي هي العلامة الشهيرة لشركة سودانية متخصصة في إنتاج الشاي.

سعى المتظاهرون السلميون، في مقر الاعتصام المدني قرب وزارة الدفاع، إلى ترسيخ الموسيقى، وتحويلها إلى واقع يومي في هذا المكان، بتركيب مسرح كان من النادر أن تشاهده في هذا البلاد التي حكمها الإسلاميون، وهم يضيقون على الموسيقى، وتقتاد الشرطة بعض الفنانين إلى السجون.

لم ينج حتى هذا المسرح الذي تطوع فنانون ونشطاء في مجال الموسيقى، بجلبه وتركيبه، وتم تدميره بالكامل وحرقه، بواسطة القوات العسكرية والأمنية، التي داهمت الاعتصام قبل ثلاث سنوات، حرائق وقتل تسببت في انسداد الأمل والأفق أمام السودانيين حتى اليوم.