30-مايو-2022
تعد صناعة الفخار مصدر دخل مهم لقطاعات واسعة من الشباب السوداني (Xinhua)

تعد صناعة الفخار مصدر دخل لعدد كبير من الشباب السوداني (Xinhua)

تعد صناعة الفخار من أقدم المهن والحرف التي زاولها السودانيون منذ العصور الأولى، حيث انتشرت صناعة الفخار في كثير من الحضارات الإنسانية. وفي السودان، شهدت الممالك الأولى للملوك والكنداكات ازدهار صناعة الفخار. واستخرج علماء الآثار الكثير من الجرار المصنوعة من الفخار من قبور وتوابيت الموتى في العصور الأولى للبشرية، وهو بذلك صناعة قديمة، وإرث تراثي وحضاري، إلى جانب جماليات الأواني الفخارية.

جماليات من الفخار

نقصد بالفخار، جميع الأدوات التي تصنع من الطين، حيث يعاد تشكيلها وحرقها تحت درجات حرارة معينة، لإنتاج الأواني الخزفية. ومؤخرًا استخدمت بوصفها ملمحًا جماليًا له سوق واسعة. والمتجول في الأسواق، يشاهد العديد من الأواني الفخارية يدوية الصنع، والتي تعج بالألوان والزينة.

الفخار يسمى في الدراسات التطبيقية بالسيراميك، وهو عبارة عن طين يشكل في قوالب عن طريق آلة الخزاف

وفي هذا الاتجاه، يقول الفنان التشكيلي سيد أحمد محمد الحسن، إن الفخار يسمى علميًا في الدراسات التطبيقية والأكاديمية بالسيراميك، ويدخل في صناعة بلاط المنازل وأواني الطبخ والاكسسوارات والتبريد. وأضاف: "إن الفخار عبارة عن طين، يختلف حسب الخامة، ويتشكل في قوالب متعددة، أو عن طريق آلة الخزاف، وبالتالي تتعدد طرق إنتاجه".

ويضيف الحسن، إن الطين لا بد أن يحرق، كي لا يتعرض للرطوبة والجفاف، الذي يمكن أن يعرضه للتشقق، وتختلف درجة الحرارة بحسب نوع الاستخدام. ويمكن أن تدخل عليه طبقة "غليز" رقيقة وناعمة وتعاد عملية الحرف، بجانب التداخل الكبير، بين صناعة الزجاج والفخار. وفيما يتعلق بالتلوين، يؤكد إن للفخار أوان معينة، تعرض لدرجات مختلفة من الحرارة للثبات، وتدخل الألوان الفرن مع قطعة الفخار، وتأتي طبقة "الغليز" اللامعة للحماية من تأثير العوامل الجوية.

ماء حي

لا تعد الأواني الفخارية مفيدة فقط في تبريد الماء، لكن أيضًا لتنقيته بشكل طبيعي، حيث يحجب النسيج الفخاري الدقيق كل الملوثات والرواسب التي توجد في الماء، ويجعله آمنًا تمامًا للشرب، والطبخ أيضًا.

وتنصح عضو مجموعة "تراثيات" شيماء حسن تاج السر، بالشرب من ماء الفخار، الطبيعي أو الماء الحي، وعللت ذلك بـ"أنه يعتبر فلترًا طبيعيًا للماء"، على حد قولها.

فخار من حضارة كرمة السودانية بالمتحف البريطاني
فخار من حضارة كرمة السودانية بالمتحف البريطاني

وتشير بالقول، إن الماء المخزن في وعاء فخاري، يخلو من أي نوع من المواد الكيميائية، لأن الفخار مصنوع من صلصال طبيعي، وبالتالي -بحسب ما تقول شيماء- فإن شرب ماء من وعاء الفخار كل يوم، يمكن أن يعزز عملية التمثيل الغذائي، وتحسين عملية الهضم بسبب المعادن الموجودة في الماء.

وأردفت "كما يساعد في مكافحة ضربة الشمس في الأيام الحارة، لأنه يحافظ على المعادن التي توجد في الماء، ويساعد على إعادة الترطيب بسرعة، كما أن درجة حرارة المياه الفخارية مثالية، وهي لطيفة على الحلق، ولا تؤدي إلى تفاقم حالة الحكة أو السعال، التي يمكن أن يسببها شرب الماء البارد من الثلاجة". على حد تعبيرها.

صديق للإنسان 

مؤخرًا، وبفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة، اتجهت فئة من الشباب لتعلم فنون الفخار بغرض قضاء الوقت، وتعلم حرفة تساعد في تفريغ مشاعر القلق والحزن والإكتئاب الخفيف، بجانب تعلم مهارة يدوية. وفي مركز "ساباجو" افتتح فصلان دراسيان في الأسبوع لتعلم حرفة صناعة الفخار.
ويقول العضو المؤسس لمركز ساباجو أوفقير شريف، إن الفرصة متاحة لتعلم ما هو مفيد، والتعرف على ثقافات السودان، ومناطق انتشار الفخار المختلفة. "أي طالب يأتي صف الفخار، وإن كان عن طريق الصدفة، يتمسك به كواحد من خيارات العمل"، على حد وصفه.

ما تزال صناعة الفخار رائجة في السودان
ما تزال صناعة الفخار رائجة في السودان

ويمضي بالقول، إن أي شخص تعرف على صناعة الفخار عن قرب، يصعب عليه التخلي عنه، فهو صديق للإنسان، ولا بد من خلق أجواء من الود معه، بجانب أنه فرصة مناسبة للتفريغ النفسي. مشيرًا إلى العلاقة الوطيدة بين صناعة الفخار والإنسان الذي صنعه الخالق من الطين.

صناعة محلية

في جميع دول العالم، يعد الفخار التقليدي أغلى الأنواع، وتمنع كثير من الدول خروجه إلى خارج حدودها -بحسب مختصين- لأنه يعد سلعة باهظة الثمن، ويتم تفضيله على الأنواع الأخرى.

ويشير معلم الفخار في مركز "ساباجو" الصادق دفع الله، إلى أنواع الفخار المتعددة، مثل الفخار الرخو، وهو النوع البلدي، ويتميز بمسامية عالية، ومنتشر في المناطق الأثرية مثل منطقة مروي. إضافة للخزف الحجري، المستعمل في أواني الطبخ، ويدخل في صناعة العوازل الكهربائية، ويتحمل درجات الحرارة العالية، ويدخل في صناعة أواني الطبخ.

معلم فخار بمركز ساباجو: المشكلة التي تواجه صناعة الفخار بالبلاد هي قلة مراكز التدريب

ويرى دفع الله، أن المشكلة التي تواجه صناعة الفخار بالبلاد، هي قلة مراكز التدريب، وأكمل "تنتشر صناعة الفخار في جنوب كردفان بمنطقة رشاد، والدمازين، والولاية الشمالية".

ما تزال صناعة الفخار موروثًا جماليًا في السودان. ومؤخرًا، اتجه كثير من الشباب لتعلمها، لتدخل في مجال الصناعات اليدوية السودانية، والتي تحكي بتصاميم جميلة؛ سيرة البلاد وإرثها وتراثها وحضارتها.

https://t.me/ultrasudan