منذ آلاف السنين اعتمدت حضارات وادي النيل في السودان على النخيل. والنخلة أحد الموروثات الاقتصادية والثقافية الأساسية في البلاد حتى يومنا هذا. والمسألة لا تقتصر على ثمارها التي تقدر بـ(400) ألف طن في العام، ولا على أن السودان يعد الدولة السابعة من حيث إنتاج التمور عالميًا، بل تتجاوز ذلك إلى قيمتها الثقافية واقترانها بعادات الزواج التقليدية في السودان، إذ يعد جريد النخيل –الذي يحمله الرجل ليلة عرسه– رمزًا لحسن الفأل، بالإضافة إلى أن أجزاء النخيل المختلفة كانت تستخدم في كثير من متطلبات الحياة لدى إنسان السودان القديم، فتدخل -مثلًا– في أعمال البناء، إذ استخدم جريد النخيل قديمًا في سقف المنازل، كما تدخل أجزاء النخيل أيضًا في صناعة الأثاث والأواني المنزلية ووسائل الري والمفارش والحبال.
يتركز (80%) من إنتاج النخيل في السودان على الشريط النيلي الواقع شمال الخرطوم، وتنتج مزارع الشمالية نحو (18) نوعًا مختلفًا من التمور
والنخلة من أقدم الأشجار البستانية التي دخلت إلى السودان منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وتنتمي إلى فصيلة النباتات المزهرة وهي من العائلية أحادية الفلقة، والاسم العلمي لها هو (Phoenix). وتتكون من جذع طويل غليظ أخضر اللون عندما تكون الشجرة في صغرها، ويتحول إلى اللون الرمادي كلما ازدادت عمرًا. ويطلق على أوراق النخيل اسم السعف. وتحتوي شجرة النخيل الواحدة على ما يتراوح من (30) إلى (50) سعفة. وتوصف بأنها من الأشجار ذات الطول المرتفع، وتكون في الغالب ما بين (10) إلى (15) مترًا، فيما يصل طول بعضها إلى (30) مترًا.
التمور السودانية
يتركز (80%) من إنتاج التمور في السودان على الشريط النيلي الواقع شمال الخرطوم.
وتشير إحصائيات إلى أن مزارع الولاية الشمالية تنتج نحو (18) نوعًا مختلفًا من التمور، بينها أنواع نادرة مثل "القنديلة". وتسود في المنطقة إنتاج التمور الجافة ونصف الجافة على بقية الأنواع الأخرى.
وكانت قد حملت سلسلة إرشادية صدرت عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) ألفها كل من الدكتور حسين داؤود والدكتورة فاطمة عبدالرؤوف عن أصناف التمور السودانية – حملت أهم أصناف التمور الجافة في السودان، والتي تزرع في الحدود الشمالية بين خطي عرض (21 – 18) درجة شمالًا من حزام زراعة النخيل. وتتطلب هذه الأنواع مناخًا جافًا مصاحبًا لوحدات حرارة تتراوح بين (2,316 – 2,093) درجة مئوية بحسب ما ورد في السلسلة الإرشادية. وتتركز الأصناف الجافة مثل (البركاوي والبتمودة والقنديلة) شمالي السودان، في حين تنتج الثمار نصف الجافة مثل (المشرق وود خطيب والمشرق وود لقاي) في وسط السودان، وجنوبًا تنتج الأصناف الرطبة (بربر والمدينة).
وجدير بالذكر أن باحثين من مركز بحوث الأغذية استخدموا أصناف من القنديلة والبركاوي ومشرقي ود لقاي ومشرقي ود خطيب في صناعة عسل التمر، وأنتجوا نوعين من العسل أحدهما فاتح اللون والآخر قاتم اللون، وهو ما يكتسب استنادًا إلى درجة الحرارة عند الاستخلاص، وأظهر المنتج جودة عالية، إذ لم تتكون أي بلورات للسكر داخل المنتج، ووصل تركيزه إلى نسبة (75%).
مراجعة شاملة
"سياسية إنتاج التمور في السودان تحتاج إلى مراجعة شاملة من قبل جميع الجهات"، هذا ما أقره كتاب زراعة النخيل وإنتاج التمور في السودان للمؤلفين المذكورين سابقًا بشأن العملية التسويقية للتمور في السودان، مشيرًا إلى أنها ما زالت عملية بدائية لا يحبذها المستهلك ولا تستهويه، خاصةً عمليات التعبئة التي تعرض التمور للتلف. ويعود ذلك إلى عدم دراية المزارع بالطرق والوسائل الحديثة المتبعة في التسويق. ويتضمن عددًا من الوظائف والخدمات، من ضمنها عمليات: الجمع، والفرز، والتدريج، والتعبئة، والتخزين، والتصنيف، والبيع والشراء. وشدد الكتاب على ضرورة تأدية هذه الوظائف بجودة عالية، فيما أوصى أيضًا بالاهتمام بعدد من القضايا، في مقدمتها وضع سياسة تخطيط وتطوير للتمور لحصر الإيجابيات وتجذيرها، وتخطي السلبيات، ووضع سياسات للترويج والتوزيع. وأكد الكتاب ضرورة إنشاء أسواق للتمور بمعايير جودة عالمية، مقدمًا مقترحات لتحسين نظام تسويق التمور، أجملَها في تقوية السوق المحلي وزيادة الاستهلاك الداخلي للتمور، وإجراء دراسات اقتصادية لمعرفة الكميات المستهلكة والمصنعة والمخزنة من التمور، لمعرفة الكميات الفائضة ووضع السياسات التصديرية المستقبلية.
ويتجاوز عدد أشجار النخيل في السودان ثمانية ملايين نخلة. ويرى خبراء أن التمور السودانية من شأنها أن تصبح منتجًا إستراتيجيًا إذا لقي قطاع التمور الاهتمام المطلوب.
وتجدر الإشارة إلى أن منظمة "الفاو" دعمت قطاع التمور تقنيًا بأجهزة متطورة، سلمتها لمجموعة من المزارعين وملاك البساتين.