في الثاني من أيلول/سبتمبر 2021، وأثناء فترة حكومة عبد الله حمدوك، وقعت اشتباكات بالذخيرة الحية بين عناصر حركة مسلحة والقوات المشتركة التي تألفت في ذلك الوقت من الدعم السريع والشرطة.
خبير أمني: التحجج بتأخر الترتيبات الأمنية ونقل المسلحين من منطقة إلى منطقة يعني توسيع دائرة التوتر الأمني دون تحقيق سلام
كانت هذه الاشتباكات مع حركة تمازج، والتي استمدت اسمها من تواجدها في الشريط بين الحدود مع أفريقيا الوسطى وتشاد وجنوب السودان، إلى جانب أقاليم النيل الأزرق وسنار وكردفان، حيث تقول إن السبب وراء الاسم لأنها وجدت نفسها تدافع عن حقوق السكان المهمشين في تلك المناطق عقب انفصال جنوب السودان.
مساء الاثنين قالت الشرطة إن قوات عسكرية تتبع للجبهة الثالثة "تمازج"، اقتحمت مركزًا للشرطة وسط الخرطوم لإطلاق سراح أحد قادتها المحتجزين بسبب سيارة مخالفة لإجراءات المرور، إلى جانب مسدس غير مرخص كان بحوزته.
منذ وصوله إلى مكتبه بشارع الجامعة ركز رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك على إنهاء مسألة الجماعات المسلحة خارج القوات النظامية، واعتبرها "قنابل موقوتة" لكن الرجل غادر موقعه بسبب الانقلاب العسكري.
لا سلام دون ترتيبات
ويقول الخبير الأمني حسن إدريس لـ"الترا سودان"، إن وجود الجماعات المسلحة وهي بكامل عتادها في المدن والمناطق المأهولة بالمدنيين لا يمكن أن يكون منطقيًا، وقد لا تستطيع الشرطة أداء واجبها.
قال إدريس إن الحل في إنهاء "الظواهر الأمنية بالمدن والمناطق المأهولة بالمدنيين" على مستوى البلاد، ويجب أن تتواجد المجموعات المسلحة التي وقعت الاتفاق في المناطق الخلوية في مناطق عسكرية مخصصة لعملية الترتيبات الأمنية. ويلفت الخبير الأمني إلى أنه بمجرد توقيع اتفاق السلام، يجب أن تبدأ عملية الترتيبات الأمنية دون التحجج بنقص التمويل، لأن السلام لا يتحقق دون ترتيبات أمنية.
وتابع: "هذا يعني نقل البؤر الأمنية من منطقة إلى منطقة أخرى، أو توسيع الرقعة الأمنية إذا لم تُسرع في الترتيبات الأمنية".
ويشير الخبير الأمني أن الحادثة التي وقعت بين الحركة المسلحة والشرطة كانت في قلب العاصمة الخرطوم، ويقول: "هنا لا أقصد المنطقة كحالة خاصة بقدر ما أن الوضع الأمني في مثل هذه المناطق ينعكس على بقية المناطق، لذلك على السياسيين والعسكريين أن يعملوا على اتخاذ "تدابير أمنية" واسعة النطاق بتحديد مناطق عازلة لهذه الجماعات خارج المناطق المأهولة بالمدنيين".
التلاعب بالأمن
حاول "الترا سودان" الحصول على معلومات عن الإجراءات التي اتخذتها حكومة عبد الله حمدوك حينما وقعت "حادثة سوبا" بين الحركة المسلحة والقوات النظامية في الثاني من أيلول/سبتمبر 2021.
وقال مصدر حكومي في مجلس الوزراء ردًا على هذا السؤال: "هذه الحادثة جاءت قبيل الانقلاب العسكري بأقل من شهرين، لذلك لم يكن لدى الحكومة المدنية أي تصرف سوى انتظار تقرير لجنة أمن الولاية في ذلك الوقت".
يشرح هذا المصدر إجراءات أكثر فعالية للتعامل مع هذه القضايا الأمنية، وذلك بعدم حصر المشكلات الأمنية والعسكرية في ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي تتبناها العملية السياسية.
وأضاف: "يجب التعامل مع القضايا الأمنية دون تأجيل لأن وقوع حادثة أمنية في قلب الخرطوم تستدعي من المشتغلين في العملية السياسية التوقف عن أي شيء ومخاطبة المؤسسة الأمنية والعسكرية، أو القادة العسكريين، لإنهاء هذه الظواهر فورًا، فلا يمكن تأجيل قضية قد تُلحق خسائر في صفوف المدنيين أو حتى العسكريين والإضرار بالسلامة العامة".
التفلتات الأمنية
بينما يرى المدافع الحقوقي منتصر الزين في حديث لـ"الترا سودان"، أن البنية الأمنية السودانية اعتادت على هذه التفلتات الأمنية التي تكررت كثيرًا في إقليم دارفور ومناطق النزاعات، باقتحام المسلحين لقاعات المحاكم والإفراج عن السجناء والمتهمين بقوة السلاح.
ويعتقد الزين أن العقلية السياسية لم تختبر التعامل مع هذه الحوادث الأمنية الخطيرة لأنها لم تشاهدها إلا بعد وقوعها في قلب العاصمة الخرطوم، ومع ذلك "لا يزال قادة العملية السياسية عاجزين عن التحرك إزاء هذه الأزمة التي تهدد استقرار الدولة ناهيك عن الانتقال المدني" - حد قوله.
ويقول الزين إن اكتفاء الشرطة بالبيان الصادر الذي سرد الواقعة "أمر يدعو إلى الدهشة"، لأن الإجراءات التي يجب أن تتخذ إزاء التعامل مع القضايا الأمنية تستدعي فرض الوضع الأمني لمؤسسات الدولة في حماية المناطق المأهولة بالمدنيين.
وأردف: "تحدثت الشرطة عن ضبط سلاح غير مرخص؛ كيف تسمح للشخص بالذهاب إلى منزله دون محاسبة أو معاقبة؟".
ناشط حقوقي: فكرة الهروب من "الظواهر الأمنية" سائدة في الدولة السودانية منذ سنوات
ويشير الزين إلى أن فكرة الهروب من "الظواهر الأمنية" سائدة في الدولة السودانية منذ سنوات، ووصلت الأوضاع حاليًا إلى ذروتها، ويمكن وصف الوضع الحالي بـ"الكارثي".
ويدعو منتصر الزين بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال "يونيتامس" ومجلس الأمن الدولي وجميع الدول المعنية بالاستقرار في السودان، بالعمل على حماية السودانيين من هذه "الظواهر الأمنية".