07-مارس-2022

البرهان وبوتين - أرشيفية

نشرت وكالة السودان للأنباء أمس الأحد، عن استقبال وفد حكومي رفيع بولاية البحر الأحمر، للمنحة الروسية من القمح والتي تبلغ (20) ألف طن وصلت لميناء بورتسودان كهدية من الحكومة الروسية للشعب السوداني.

واستقبل الشحنة بميناء بورتسودان، والي البحر الأحمر المكلف بالإنابة فتح الله الحاج، ومفوض العون الإنساني نجم الدين موسى، ومدير صوامع البنك الزراعي، إلى جانب القنصل الروسي في السودان جيورجي أميرانوس ميان.

تأتي المنحة الروسية عقب زيارة وفد رفيع المستوى لمسؤولين سودانيين استمرت ثمانية أيام في موسكو وتزامنت مع الحرب الروسية الأوكرانية

تأتي المنحة عقب زيارة استمرت ثمانية أيام لوفد رفيع المستوى من الحكومة السودانية، ضم نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ووزير المالية قائد حركة العدل والمساواة الموقعة على اتفاق سلام السودان جبريل إبراهيم، إلى جانب عدد من الوزراء والمسؤولين بالقطاع الاقتصادي والدبلوماسي.

الزيارة التي أتت قبل ساعات فقط من الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت محط أنظار العديد من المتابعين، من بينهم مسؤولون غربيون، رأوا فيها انحيازًا للجانب الروسي من القيادة العسكرية التي استولت على السلطة في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وذلك بعد تقارب بين السودان والمعسكر الغربي عقب الثورة السودانية أدى لرفع العقوبات الاقتصادية ومؤتمرات اقتصادية ومنح كانت تعد بتحسين الأوضاع في البلاد عقب عقود من العزلة الدولية بسبب إدراج اسم السودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: التغيير في أمريكا.. بايدن ومآلات التطبيع

وأكد الانحياز السوداني للمعسكر الروسي على خلفية الزيارة المتزامنة مع اجتياح أوكرانيا، امتناع السودان عن التصويت في مشروع قرار الأمم المتحدة لإدانة الخطوة الروسية، ضمن (35) دولة امتنعت عن التصويت، بينما صوتت أغلبية دول العالم في صالح القرار، ذلك إلى جانب تصريحات المسؤولين الحكوميين المواربة والمتناقضة بخصوص الحرب الروسية، حيث أعلنت وزارة الخارجية أن السودان يدعو الأطراف في الأزمة الروسية الأوكرانية، إلى وقف التصعيد من الجانبين واللجوء إلى الحوار وتفضيل الطرق الدبلوماسية للتوصل إلى حل للأزمة، وذلك على خلفية لقاء لسفراء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بوزير الخارجية والذين سلموا الحكومة السودانية، ورقة إدانة جماعية تعبر عن موقفهم تجاه الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، مستفسرين الوزير عن موقف السودان من الهجوم الروسي.

ولم تسفر زيارة المسؤولين السودانيين التي استمرت لثمانية أيام عن شيء واضح غير امتناع السودان عن التصويت في الأمم المتحدة والذي يحسب لمصلحة روسيا الاتحادية، وذلك على الرغم من اللقاءات مع المسؤولين الروس التي تم تغطيتها بكثافة من قبل الإعلام المحلي الرسمي، من بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائب رئيس الوزراء الروسي ونائب وزير الدفاع.

اقرأ/ي أيضًا: العود الأبدي.. السودان بين ديسمبر ومؤتمر الخريجين

فقد صرح حميدتي في مطار الخرطوم الدولي عقب عودته من روسيا عند سؤال الصحفيين عن الفوائد الاقتصادية التي جناها السودان الذي يعاني من تردٍ مريع في الأوضاع المعيشية وارتفاعات متتالية في أسعار الصرف، بأن الروس "مستعدون للاستثمار في السودان".

المنحة الروسية من القمح لا تغطي سوى ثلاثة أيام ونيف من الاستهلاك المحلي

بعدها بأيام استقبل ميناء بورتسودان الـ(20) ألف طن من القمح، والتي هي الأخرى وجدت اهتمامًا كبيرًا من الإعلام الرسمي المحلي، على الرغم من أنها لا تغطي سوى ثلاثة أيام ونيف من الاستهلاك، حيث تبلغ الحاجة السنوية للبلاد حوالي (2.5) مليون طن بحسب تصريحات لرئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك عند الإعلان عن المنحة الأمريكية في آذار/مارس من العام الماضي، والبالغة (300) ألف طن من القمح.

أتت المنحة الروسية التي لن تغطي سوى ثلاثة أيام من احتياج البلاد التي فقدت ميزانيتها الدعم الخارجي بسبب استيلاء الجيش على السلطة -أتت موافقة لتوقعات المراقبين بأن روسيا لن يكون في استطاعتها إنقاذ الاقتصاد السوداني وهي تخوض حربها وسط عقوبات اقتصادية طاحنة من المعسكر الغربي المذعور من طبول الحرب على بوابته الشرقية، فيما جنى الروس من وراء الزيارة موقف السودان في الأمم المتحدة، إلى جانب عودة الحديث عن القاعدة العسكرية بالبحر الأحمر التي عطل قيامها مقاومة الحكومة المدنية السابقة بالإضافة للضغوط الأمريكية على السودان فترة التقارب، هذا إن تجاهلنا التقارير عن أطنان الذهب السوداني المهرب إلى روسيا.

اقرأ/ي أيضًا: من مقاعد المواصلات.. حكايات لم يروها أصحابها

المنحة الروسية التي أتت بعد زيارة لكبار المسؤولين وموقف سوداني منحاز لروسيا وقاعدة عسكرية، تذكر بوعد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بعد الإعلان عن اتفاق لتطبيع العلاقات مع السودان في تشرين الأول/أكتوبر 2020، حيث أشار إلى أن بلاده سترسل إلى الخرطوم شحنة من القمح بقيمة خمسة ملايين دولار، ثمن بخس آخر مقابل مواقف السودان الخارجية ومقدّراته وموقعه الجيوسياسي المهم، وقبل ذلك كله إرادة الشعب السوداني ومواقفه التاريخية المهمة ضد الاحتلال.

هذه المحاولات لإطفاء الحرائق ليست مستدامة ولن تغني السودان عن شيء

ومن الواضح أن زيارات المسؤولين الأخيرة لعدد من الدول ومن بينها الإمارات ومصر، تتضمن محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الناحية الاقتصادية بعد فشل الاستراتيجية السياسية للانقلاب في استمالة المجتمع الدولي والمعسكر الغربي حليف الحكومة السابقة الناقم على القادة العسكريين المستولين على السلطة. ولكن هذه المحاولات لإطفاء الحرائق ليست مستدامة ولن تغني السودان عن شيء، فالانهيارات المتتالية في سعر الصرف إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والوقود والكهرباء مع شُحهما والانقطاعات المتكررة، كل ذلك في ظل المأزق السياسي الخطير الذي تمر به البلاد والاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أشهر، تنبئ بأن البلاد موعودة بفترة صعبة للغاية ما لم تنجح المفاوضات الجارية في استعادة المسار الانتقالي وتحقيق اختراق في مسألة التوافق السياسي بعيدًا عن الأطماع المؤقتة التي لن يكون لها معنى حال انهيار البلاد وتفكك وحدتها، وهو السيناريو الذي تسير اتجاهه بخطى متئدة.

اقرأ/ي أيضًا

مع "جبريل".. هل تعلق لافتات داخليات خاصة بالقبائل؟

"وصاية استعمارية".. الوساطة الأممية ومطالب الشارع