13-يناير-2025
تصاعد أعمدة دخان من الاتجاه الشمالي الشرقي لمدينة ود مدني بولاية الجزيرة.

على الرغم من العمليات العسكرية، إلا أن البنية التحتية في ود مدني ما تزال سليمة إلى حد كبير (الترا سودان/أرشيفية)

يترقب المواطنون تطورات على الأرض في ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، التي استعادتها القوات المسلحة السبت 11 كانون الثاني/يناير 2025، بدفع المزيد من فرق الصيانة في قطاعات الكهرباء والاتصالات والمياه والشوارع خلال الساعات القليلة القادمة.

معالم ود مدني ما تزال صامدة رغم ترسانة الحرب وهجمات الدعم السريع على البنية التحتية وغارات الطيران في بعض الأحيان

وكانت قوات الدعم السريع استولت على ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، في كانون الأول/ديسمبر 2023، دون مقاومة عسكرية من الجيش سوى الدفاعات الأولى خارج نطاق جسر حنتوب، ما دفع الجيش إلى الإعلان عن تحقيق مع القادة العسكريين في ذلك الوقت لمعرفة الأسباب التي وضعتهم أمام خيار الانسحاب وترك المدينة لقوات الدعم السريع.

اكتسبت ود مدني أهمية قصوى عقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف نيسان/أبريل 2023، ونزح إليها قرابة مليوني شخص. وتشكلت المدينة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية متأثرة بالحرب رغم ضعف البنية التحتية. بالمقابل، عزز نشر وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لمكاتبها في المدينة من خطط العمل الإنساني في ذلك الوقت، قبل أن تخسر كل شيء وتنهي وجودها في المدينة، وفي أنحاء البلاد أيضًا لبعض المنظمات.

معالم ود مدني

حسب مشاهدات صحفيين رافقوا عضو مجلس السيادة الانتقالي ونائب القائد العام للجيش الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، فإن معالم ود مدني ما تزال صامدة رغم ترسانة الحرب وهجمات الدعم السريع على البنية التحتية وغارات الطيران في بعض الأحيان. وهناك حاجة إلى المزيد من أعمال الفرق الهندسية العسكرية لإزالة المخلفات الحربية من الشوارع والمنازل والمرافق المدنية والأسواق.

في ذات الوقت، اقترح ناشطون في شارع الحوادث الدفع بمساعدات أولية لتهيئة مستشفى ود مدني ليكون جاهزًا أمام تدفق المواطنين إلى المدينة من قرى ومدن النزوح، كما تعهدت وزارة الصحة الاتحادية بإدخال شحنات من الأدوية إلى ود مدني لمقابلة الاحتياجات الهائلة بعد مرور عام على الفوضى التي خلقتها قوات الدعم السريع في القطاع الصحي، وتحويل المستشفى الحكومي العام إلى مقر لعلاج الجنود المصابين في المعارك.

وكان نائب القائد العام وعضو مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن شمس الدين الكباشي قد أعلن خلال زيارته ود مدني، عن استمرار العمليات العسكرية وملاحقة الدعم السريع حتى العاصمة الخرطوم، مغلقًا الباب أمام التفاوض مع هذه القوات.

قريبًا.. البرهان في ود مدني

وقال الكباشي إن قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يعتزم زيارة ود مدني ومخاطبة المواطنين من داخل المدينة فور عودته من الجولة الأفريقية التي ابتدرها بزيارة دولة مالي.

ويرى الباحث السياسي مصعب عبد الله في حديث لـ"الترا سودان" أن المواطنين ينتظرون ما سيفعله الجيش عقب استرداد ود مدني، وهل هناك قدرة لاستعادة الحياة العامة التي تضررت من سيطرة الدعم السريع قرابة العام، واستعادة الخدمات الحيوية، وإغراء المواطنين بالعودة للمشاركة في بناء مدينتهم.

مصادر: وكالات الأمم المتحدة أبدت استعدادها للعمل في استعادة القطاع الإنساني بمدينة ود مدني والمناطق المجاورة

ويقول عبد الله إن هذا يتوقف على كيفية إدارة المدينة من الناحية الأمنية والاقتصادية والخدمية، بتعيين حاكم مدني لديه الكفاءة في إدارة المدن في مرحلة ما بعد الحرب، وبحث طرق إنعاش أجزاء من مشروع الجزيرة وتحسين حياة الناس.

وتابع: "الآن هناك أفراح واحتفالات تعم المدن السودانية عقب تحرير ود مدني. يجب أن يكون المقابل إعلان قرارات قوية في قطاع التنمية لأن الشعب السوداني صبر كثيرًا على الحكومة ولم تقدم له أي شيء طوال شهور الحرب".

التقييم الأمني

بينما ذكرت مصادر في منظمات إنسانية لـ"الترا سودان" أن وكالات الأمم المتحدة أبدت استعدادها للعمل في استعادة القطاع الإنساني بمدينة ود مدني والمناطق المجاورة التي استردتها القوات المسلحة متى ما أصبحت الطرق سالكة أمام حركة العاملين الإنسانيين.

وأضاف المصدر الإنساني: "المنظمات الدولية ترغب في إنعاش القطاع الإنساني في ود مدني والبلدات المجاورة التي استردتها القوات المسلحة لإيصال الإغاثة للمدنيين فقط، وهناك تقييم أمني حول ما إذا كانت هذه المناطق غير معرضة للعمليات العسكرية مرة أخرى، بما في ذلك القصف المدفعي طويل المدى".

الإعمار والإغاثة

وخلال مقاطع الفيديو المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي، بدت شوارع ود مدني محتفظة إلى حد كبير، كما ظهرت مباني مركز القلب أسفل جسر حنتوب من الناحية الغربية دون أضرار كبيرة. فيما تضررت مباني الميناء البري المُشيد قبل ثلاث سنوات بشكل كبير، أما مبنى البنك المركزي فتعرض إلى تلفيات كبيرة بفعل الهجمات العسكرية.

أما محطات القطارات في ود مدني، فقد تحولت إلى أشلاء وأُلقيت المحتويات على الأرض. فهي الأخرى ربما تنتظر طويلًا إلى حين العودة بها إلى حالتها الأولى، ولم ينج حتى رصيف الركاب من عمليات التدمير والهدم.

باحث: استرداد ود مدني يجب أن يكون درسًا للحكومة والمواطنين بعدم الإفراط في الاحتفالات، ويجب طرح الأسئلة الحرجة حول مستقبل المدينة كونها لا تزال تجاور مناطق ملتهبة تقع تحت سيطرة الدعم السريع

ويعتقد الباحث في قضايا التنمية عباس خليل في حديث لـ"الترا سودان" أن استرداد ود مدني يجب أن يكون درسًا للحكومة والمواطنين بعدم الإفراط في الاحتفالات، ويجب طرح الأسئلة الحرجة حول مستقبل المدينة كونها لا تزال تجاور مناطق ملتهبة تقع تحت سيطرة الدعم السريع.

ويقول عباس إن الوقت قد حان حتى تفكر الحكومة خارج الصندوق بتخصيص ما لا يقل عن 100 مليون دولار لإعادة إعمار قطاعات الصحة والكهرباء والمياه والتعليم في المرحلة الأولى، لأن الانتهاكات التي وقعت للمواطنين بولاية الجزيرة يجب أن تعوضها من خلال توفير التنمية الملموسة للمناطق المستردة لصالح الجيش.

وأضاف: "خلال زيارة البرهان إلى ود مدني خلال اليومين القادمين، يتطلع المواطنون إلى سماع الأخبار المفرحة عن الإعمار والتنمية، وليس مجرد خطاب سياسي استهلاكي".