رأي

وحوش السودان أيضًا بلا وطن

7 مارس 2025
فيلم وحوش لا وطن.jpg
مشهد من فيلم وحوش بلا وطن (إنترنت)
منصور الصويم
منصور الصويم

الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

بعكس رجال "وحوش بلا وطن" الضائعين في اللا معنى تبدو الجريمة في حرب السودان مقصودة ومتعينة لذاتها

مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، واستمرارها بشكل يكاد يحولها إلى واقع معاش ويتماشى مع الخراب والتدمير والتقتيل والموت اليومي، تبدو الإشارة إلى أوضاع النساء والأطفال وكأنها انتباهة عابرة، أو قرصة نملة غير سامة، تحرق جلدك لدقائق قبل أن تغرق من جديد في خضم شؤونك البئيسة غير عابئ بما يحدث ولا بطرح أسئلة من شاكلة لماذا النساء وأجسادهن، أو كيف بالإمكان انتهاك جسد من هم في عمر الأطفال؟



في "وحوش بلا وطن"، بطولة الممثل إدريس ألبا والطفل إبراهام اتاه، تركز عين الكاميرا على حرب الغابات ومتمردي الأدغال في أفريقيا المطيرة، لا تدور المعارك بشكل رئيسي في المدن مثلما يحدث في السودان واقعًا، لذا يظهر الفيلم استغلال الأطفال في إطار التجنيد القسري لصغار السن، وهو أمر يحدث أيضًا في الحرب السودانية وإن كان بصورة غير منظورة ولم تتحول إلى ظاهرة بعد. لكن بما أن حبكة الفيلم هي "الحرب"، وأبطالها جنرالات متوحشون، وجنود يقتربون من حافة الجنون جراء المعارك، والموت المستمر بلا توقف، إلى أن يضيع المعنى أو الدافع من وراء كل ذلك، في مثل هذه الأجواء "المتوحشة" يصبح الطفل وجسده طريدة، هدفًا للجنود والقادة، رغبة في الجنون وإكمال الانسلاخ التام عن معاني الإنسانية. الطفل في "وحوش بلا وطن" تسوقه الأحداث بدورها إلى التحول المتدرج بين كفتي الجنون والتوحش، وفعل كل ما يؤمر به، وإن جاء على جسده، دون تردد أو تكفير ولو لحظي.

في تقارير منظمة اليونسيف الأخيرة – قبل ثلاثة أيام – يبدو واقع الطفل في السودان مزريًا إلى أبعد ما يكون. وتوحش "رجال الحرب" بلغ أقصى ما يمكن أن يتصوره العقل البشري، وبعكس رجال "وحوش بلا وطن" الضائعين في اللامعنى والغارقين في متاهات الهزائم ومتتاليات الموت العبثي، تبدو الجريمة في واقع الحرب السودانية، مقصودة ومرتبة ومتعينة لذاتها، لكن كيف لـ"رجال" يحاربون لأجل "التحرر" أو "الديمقراطية"، أن يغتصبوا أطفالاً في عمر العام، ونساء في أعمار جداتهن؟ أي مقصد ذلك الذي تصبو إليه هذه الوحوش، التي بلا شك لا تدرك ولا تعرف معنىً للوطن.

في أكثر من مرة أثناء دوران طاحونة الحرب المهلكة كان يتبادر إلى بالي سؤال بشأن مصير "الشماسة"، الأطفال المشردون الذين كنا نراهم كل يوم تحت حريق الشمس غارقين في "جنة المخدر" الخادعة، في الشهداء أم درمان، وفي البرندات المهجورة في السوق العربي الخرطوم، وجوار المطاعم الفارهة هنا وهناك، يتخاطفون بقايا الطعام. أين هم؟ وما مصيرهم؟ وهل تحولوا -دون أن يدري أحد – إلى طعام لوحوش الحرب الجائلة بلا رحمة في أرض السودان؟

الأمم المتحدة، هذه المنظمة الحربائية، وصفت في تقاريرها المبكرة الحرب الدائرة في السودان بأنها "حرب على أجساد النساء"، النساء أمهات الأطفال، يقهرن أكثر من مرة، باغتصابهن، وانتهاك طفولة أبنائهن، وإخراجهن إلى الأبد من دائرة المنتمي، بالوصم والعزل والقتل نهاية.

في أحد مشاهد الذروة من فيلم "وحوش بلا وطن" يصرخ أحد قادة المتمردين وهو يحتضر: "كل هذا لأجل لا شيء".. فلأجل "أي شيء" يحدث كل هذا الذي يحدث في السودان.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"


06:25

الكلمات المفتاحية

الخرطوم (8).jpg

الدعوات الانفصالية.. تفكيك للسودان أم استكمال لمشروع الحرب؟

مع اقتراب سيطرة الجيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم، تصاعدت دعوات انفصالية، الجزء الأكبر منها يستند إلى مرتكزات عنصرية واصطفافات عرقية، وسط محاولات لخلق واقع سياسي جديد يخدم أطرافًا خارجية، وعلى رأسها الإمارات، التي أصبحت الأداة الصلبة لهذا المشروع.


العاصمة-الخرطوم.jpg

من يفكر للسودان؟

يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…


الدعم السريع.jpg

ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟

منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم،…


محمد حمدان دقلو - حميدتي.jpg

النسج الخرافي بشأن اختفاء قائد الدعم السريع حميدتي

عند الشهر الثاني بالضبط من اندلاع الحرب السودانية "15 نيسان/أبريل 2023"، بدأ المخيال الشعبي في نسج الحكايات الغرائبية عن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".

القصر.jpg
أخبار

معارك ضارية وسط الخرطوم والجيش يحرز تقدمًا نحو القصر 

أحرزت القوات المسلحة تقدمًا جديدًا وسط الخرطوم صباح اليوم، إثر معارك ضارية بدأت منذ الساعة الرابعة وفق مصادر محلية، فيما اضطرت قوات الدعم السريع تحت الضربات الجوية المكثفة وانتشار المشاة بالتراجع الميداني

الجيش 2.jpg
أخبار

القوات المسلحة تعلن التحام المدرعات مع القيادة العامة وسط الخرطوم 

أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبدالله، التحام جيشي القيادة العامة وسلاح المدرعات عقب السيطرة على منطقة مستشفى الشعب اليوم الاثنين، وهزيمة قوات الدعم السريع.


Sudan Army.png
سياسة

السودان.. هل يقود صراع الفصائل العسكرية المساندة للجيش إلى الاقتتال؟

في غمرة تقدم الجيش، اندلع تنافس محموم بين الفصائل على النفوذ ومواقع التأثير السلطوي ومراكمة الثروة والاعتبار، فاشتعل خلاف معلن بين القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة وقوات درع السودان من جهة، وبينهما معًا في مقابل كتائب الإسلاميين من جهة أخرى

أنشئت بعثة القوة المؤقتة في أبيي في 27 حزيرانيونيو 2011 (Getty).jpg
أخبار

أعضاء بمجلس الأمن يدينون اختطاف قوات الدعم السريع لموظفين أمميين

قال أعضاء بمجلس الأمن الدولي، إن قوات الدعم السريع احتجزت 60 من حفظة السلام الأمميين، واختطفت ثمانية موظفين مدنيين، ونهبت قافلة لوجستية تتبغ لقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا)، مكونة من ثماني مركبات و280 ألف لتر من الوقود.