08-يناير-2025
سيارات منهوبة ومدمرة في شوراع العاصمة السودانية الخرطوم

سيارات منهوبة ومدمرة في شوراع العاصمة السودانية الخرطوم

يسرد أيمن لـ"الترا سودان" الطريقة التي فقد بها سيارته على يد منسوبي قوات الدعم السريع ممن يعرفون بـ"الشفشافة"، قائلًا إنهم عندما قدموا في المرة الأولى إلى منزله الكائن بالكلاكلة، لم يستطيعوا تشغيل المركبة نصف الشحن التي كان يستغلها في تجارته، لأنه كان قد اقتلع قطعًا أساسية من محركها قبل أن يغادر الخرطوم، تاركًا خلفه كل شيء للحرب. حكى لأيمن جيرانه الذين لم يغادروا الحي الواقع جنوب مدينة الخرطوم، كيف أن هؤلاء الشفشافة قدموا في اليوم التالي برافعة لسحب المركبة من داخل المنزل. فقد هذا المواطن سيارته التي تقدر بملايين الجنيهات، وهي نتاج كدح وشقاء سنوات طوال في العمل بسوق السجانة لمواد البناء.

منذ الأيام الأولى للحرب، انتشرت عمليات السلب والنهب على نطاق واسع في العاصمة الخرطوم

بطبيعة الحال هذه ليست حالة معزولة، فمنذ الأيام الأولى للحرب، انتشرت عمليات السلب والنهب على نطاق واسع في العاصمة الخرطوم، لا سيما في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، أو تلك التي تشهد اشتباكات. بعد مرور أشهر قليلة، بات من الواضح أن هذه القوات شبه العسكرية تستهدف السيارات ذات الدفع الرباعي لاستخدامها في المجهود الحربي، ولو أنها لا تتواني عن نهب أي نوع من أنواع المركبات ضمن عُرف الغنائم في حرب السودان.

على مواقع التواصل الاجتماعي، يعلن جنود ومستنفرون في الجيش السوداني، كلما حرروا منطقة من قبضة قوات الدعم السريع، عن حصرهم عشرات السيارات التي تعود ملكيتها لمواطنين، بعضها مدمر كليًا والآخر بحالة جيدة رغم آثار الحرب و"التشليع". هذه السيارات المدنية - بحسب شهادات ومشاهدات - تحولت إلى مركبات حربية تستخدمها قوات الدعم السريع في الحرب، لا سيما عقب استهداف وتدمير الطيران الحربي لأعداد ضخمة من مركباتهم المعروفة باسم "التاتشر"، والتي كانت تظهر بكثرة في الأيام الأولى للحرب.

ألف مركبة في شوارع بحري

مطلع الشهر الجاري، أعلنت اللجنة المختصة بحصر وتسليم السيارات المفقودة بمحلية بحري، شمال العاصمة السودانية، أنها رصدت 1008 مركبات في الطرق الرئيسية كمرحلة أولى ضمن خطة شاملة تهدف إلى إعداد كشوفات بالمركبات المفقودة للمصادقة عليها من والي الخرطوم، استعدادًا لتسليمها إلى أصحابها. وتشمل منطقة الاختصاص الجغرافي للجنة المنطقة الممتدة من الحلفايا شمالًا إلى شارع المعونة، حيث تستمر عمليات الحصر وفق جدول زمني متعدد المراحل.

تعمل اللجنة تحت إشراف مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق أمير عبدالمنعم فضل، وتضم ممثلين من شرطة المحلية، المرور، والأدلة الجنائية، والاستخبارات العسكرية، وإدارات البنى التحتية والنقل. وأهابت الشرطة بالمواطنين الإبلاغ عن مركباتهم المفقودة عبر منصة البلاغ الإلكتروني أو أقسام الشرطة في بحري وأمدرمان وكرري، لتعزيز سرعة الحصر واستكمال الإجراءات القانونية اللازمة لاستعادة المركبات.

التهريب إلى دول الجوار

في أيار/مايو 2024، أكدت سفارة السودان بجوبا احتجاز 122 سيارة منهوبة في منطقة الرنك وأعداد أخرى في مدينة أويل بدولة جنوب السودان. كما أصدرت السلطات في جنوب السودان قرارًا يمنع تسجيل أي سيارة واردة من السودان دون إذن رسمي.

كما أعلن الشاب السوداني مهند محمد لطيف، من أبناء منطقة بدين، عن تمكنه من استعادة سيارته "لاندكروزر" التي نُهبت من قبل أفراد من قوات الدعم السريع في منطقة شمبات بالخرطوم، وذلك عبر حكم قضائي في تشاد.

مهند بث مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يسرد فيه كيفية استرداد سيارته من تشاد، بعد رحلة إلى العاصمة أنجمينا. نجح مهند في تتبع أثر السيارة حتى عثر عليها، مستعينًا بالقضاء الذي أنصفه وسلمه السيارة خلال 27 يومًا فقط من وصوله إلى البلاد.

ظهر مهند في فيديو متداول من داخل سيارته في شوارع أنجمينا، مشيرًا إلى تفاصيل تجربته، ومؤكدًا عزمه على مشاركة قصته ليستفيد منها الآخرون الذين فقدوا سياراتهم ويرغبون في تتبعها في تشاد أو دول الجوار.

آثار أبعد لنهب السيارات

لم تتوقف آثار نهب السيارات على فقدان المواطنين للثروة المتمثلة في قيمة المركبة فحسب، بل تجاوزتها لأبعد من ذلك، لينعكس الأمر على الموسم الزراعي. وفي تموز/يوليو من العام الماضي، أكدت مجموعة "نداء الوسط" أن قوات الدعم السريع نفذت حملة واسعة استولت خلالها على نحو 200 جرار زراعي من مختلف قرى محلية الدندر بولاية سنار، حيث جُمعت هذه الجرارات في قرى الفريش جنوب الدندر وكامراب غربًا، تحت تهديد السلاح والعنف. ولم تقتصر العمليات على المعدات الزراعية، إذ قامت القوات بنهب مخازن التقاوي الزراعية والمحاصيل والأسمدة والمبيدات، الأمر الذي هدد الموسم الزراعي في واحدة من أهم المناطق الزراعية في السودان.

الشرطة

في حزيران/يونيو 2023، بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب، أطلقت الشرطة السودانية منصة البلاغ الإلكتروني لمواجهة الجرائم المتزايدة التي تشمل السرقة والنهب والاختطاف. بعدها بعام، أي في حزيران/يونيو 2024، أعلنت الشرطة أن عدد السيارات المسروقة من العاصمة الخرطوم وحدها بلغ 153,572 سيارة.

وصرح العميد فتح الرحمن محمد التوم، الناطق الرسمي باسم الشرطة، بأن فريقًا من المباحث المركزية يعمل على توثيق جميع السيارات المنهوبة، تمهيدًا لإبلاغ الشرطة الدولية (الإنتربول) لاستعادتها من الدول المجاورة. في هذا السياق، توصلت وزارة الداخلية لاتفاقات مع دول مثل جنوب السودان والنيجر لتعقب السيارات المسروقة وإعادتها.

أعلنت وزارة الداخلية عن ضوابط جديدة تسمح باستيراد السيارات المستعملة. الوزارة أشارت إلى أن النظام الجديد يراعي توفير خيارات للمواطنين لتعويض السيارات المنهوبة

والأيام الماضية، أعلنت وزارة الداخلية عن ضوابط جديدة تسمح باستيراد السيارات المستعملة. الوزارة أشارت إلى أن النظام الجديد يراعي توفير خيارات للمواطنين لتعويض السيارات المنهوبة، من خلال السماح للأفراد باستيراد سيارات وفق ضوابط واضحة تشمل سقفًا سنويًا، وإجراءات مالية منظمة عبر البنوك. كما تشمل التسهيلات استيراد السيارات الجديدة والمستعملة للقطاعات التجارية والاستثمارية والسفارات والمنظمات، مع فرض جمارك تصاعدية تقلل الجدوى الاقتصادية لاستيراد السيارات القديمة.