11-نوفمبر-2019

الشرطي المتوفى نزار النعيم (أخبار السودان)

أحمد عابدين

في جنازة حاشدة، شيّع السودانيون بمدينة أم درمان جثمان الشُرطي "نزار النعيم" الذي توفي في ظروف غامضة بالعاصمة المصرية القاهرة، تلك الوفاة التي أحدثت انتفاضة في مسقط رأسه تظاهر خلالها المئات طلبًا بكشف حقيقة وفاته واتهام المسؤولين السودانيين بقتله على خلفية انحيازه للثورة السودانية وإعلانه الاستعداد للشهادة أمام المحكمة ضد الضباط الذين أعطوا أوامر بقتل المتظاهرين.

بدأت قصة الجندي الشُرطي نزار النعيم مع بداية الانتفاضة السودانية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حيث رفض الاشتراك في الاعتداء على المتظاهرين وقام بتقديم استقالته

وقد بدأت قصة الجندي الشُرطي نزار النعيم مع بداية الانتفاضة السودانية في كانون الأول/ديسمبر الماضي، حيث رفض الاشتراك في الاعتداء على المتظاهرين وقام بتقديم استقالته يوم 12 من ذات الشهر، ثم انضم لجموع الثوار الذين استمروا في الاحتجاج والتظاهر حتى خلع رئيس الجمهورية السابق عُمر البشير، في 11 نيسان/أبريل الماضي من قبل قادة الجيش بعد 30 عامًا من الحكم.

اقرأ/ي أيضًا: كير: وافقت على "التمديد" لتجنب عودة الحرب مجددًا في جنوب السودان

وبعد خلع البشير، أصدر رئيس المجلس العسكري، الفريق ركن عبد الفتاح برهان، قرارًا بإعادة الضباط والجنود الذين تم فصلهم لانحيازهم للثورة السودانية، إلا أن فصلًا جديدًا من المواجهة بين الثوار ومجلس البرهان كان قد بدأ بعد تلكؤ المجلس في تحقيق أهداف الثورة وتسليم البلاد لحكم مدني وعزمه الاستمرار في سدة الحكم، لتحدث عدة مواجهات كان أشدها فض اعتصام المتظاهرين من أمام مبنى القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم، والذي راح ضحيته (61) قتيلًا وفق إحصائيات وزارة الصحة السودانية، بينما قالت قوى الحرية والتغيير -التي قادت الحراك- أن عدد القتلى بلغ (128) شخصًا، وقال شهود عيان ومصادر حقوقية أن عملية الفض شهدت عمليات اغتصاب وتعذيب حملت المعارضة مسؤوليتها لقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي" الذي أنكر ذلك مُتهماً عناصر مجهولة.

إلا أن الشُرطي المتوفى نزار النعيم خرج في حوار لصحيفة "الجريدة" السودانية في الثالث من أكتوبر الماضي قائلًا أنه يمتلك أدلة تُثبت تورط ضباط الشرطة في فض الاعتصام، كاشفًا عن تدريب عدد كبير من الشرطيين على فض الاعتصام بمعسكر "الرويان" القريب من مدينة شندي بشمال شرقي العاصمة الخرطوم، تحت مسمى "دورة حرب المدن" والتي قيل له أن سببها هو توقع نشوب حرب مدن في العاصمة الخرطوم، إلا أنه رفض الاشتراك فيها وهو ما جلب عليه سخط "الكيزان" داخل جهاز الشُرطة.

وقد ناشد "النعيم" الرأي العام بالوقوف إلى جانبه في مواجهة بطش النظام الحاكم كما وقف هو إلى جانب الثورة، إلا أنه بعد تلك الشهادة، أُحيل إلى محاكمة عسكرية يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر، ليتم فصله من الخدمة بتاريخ 30 من ذات الشهر بحكم غيابي لتغيبه عن العمل بتاريخ 16 حزيران/يونيو 2019، وفق بيان من المكتب الصحفي لجهاز الشرطة السوداني.

اقرأ/ي أيضًا: سد النهضة.. اتفاق على انعقاد لجان فنية وتحكيم المادة العاشرة من إعلان المبادئ

وفي الثالث من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، سافر النعيم إلى القاهرة برفقة زوجته عبر منفذ أرقين البري بغرض العلاج من مرض صدري، حيث أقام بمنطقة بولاق الدكرور بمحافظة الجيزة، وفق تصريحات مصدر أمني لجريدة الجمهورية الحكومية المصرية، لتتلقى السفارة السودانية بلاغًا من أرملته يُفيد بوفاته يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر، لتقوم السفارة بإرسال مندوب لإنهاء الإجراءات اللازمة وتوقيع الكشف الطبي عليه بمعرفة مفتش الصحة ونقله إلى مشرحة إحدى المستشفيات بمنطقة مصر القديمة لحين انتهاء إجراءات السفر، واستخراج شهادة الوفاة التي أُثبت فيها أن سبب الوفاة هو الالتهاب الرئوي.

 وفور معرفة الخبر اندلعت مظاهرات حاشدة وأعمال عنف بمدينة أم درمان غرب العاصمة الخرطوم حيث أحرق المتظاهرين إطارات السيارات وقطعوا الطرقات والشوارع الرئيسية مُشككين في أسباب وفاته ومُتهمين المسؤولين في الشرطة السودانية بالوقوف خلف وفاته لخوفهم من شهادته التي كانت ستُدينهم، ومُشككين في شهادة الوفاة التي تم تداولها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي حيث قالوا بأنه ليس من الطبيعي أن يُكتب سبب الوفاة مرضه السابق، بينما أوضح لـ"الترا سودان" الدكتور محمود هدهود، الطبيب بوزارة الصحة المصرية أن هناك بالفعل تعليمات من وزارة الصحة منذ قرابة ثلاث سنوات بالتوقف عن كتابة سبب الوفاة "هبوط مفاجئ في الدورة الدموية" لأن هذا حدث مُصاحب للوفاة وليس سببًا لها، وأن يكون سبب الوفاة هو المرض الذي أدى لها مثل الالتهاب الرئوي كما هو مكتوب في شهادة الوفاة.

 

 

تظاهرات في أمدرمان بسبب وفاة نزار

ما زاد الأمر اشتعالًا كان خروج عم الشرطي المتوفى "صلاح الدين فرج الله" في لقاء تلفزيوني اتهم خلاله جهات في السلطة السودانية بالمسؤولية عن قتل ابن أخيه لامتلاكه مستندات تُدينهم في عملية فض اعتصام القيادة العامة، قائلًا بأن نزار قد مات مسمومًا بعد تناوله مشروبًا قدمه له شخص غريب في إحدى الحافلات بالقاهرة التي هرب إليها، وأن ذلك الشخص الغريب قد اختفى تمامًا عن الأنظار، وأنه  بعد أن شرب العصير بدأ في الشعور بالتعب وتقيأ دمًا ليذهب إلى المستشفى وبعد خروجه منها عاودته الآلام مرة أخرى قبل أن تفيض روحه وأن أرملة ابن أخيه هي من أخبرته.

نعى تجمع المهنيين السودانيين الراحل، مُطالبًا النائب العام بفتح تحقيق عاجل بشأن ملابسات وفاته منذ محاكمته والتعدي على منزله قبيل سفره إلى مصر.

وعقب وصول جثمان الشُرطي، قرر رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، تشكيل لجنة تحقيق في ملابسات وفاته وجمع المعلومات والأدلة وإعادة تشريح الجثمان واتخاذ باقي الإجراءات الضرورية للوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة، مُشكلة من وكلاء وزارات العدل والصحة والخارجية، إلا أن التقرير الطبي للجثمان لم يخرج حتى الآن، بينما نعى تجمع المهنيين السودانيين الراحل، مُطالبًا النائب العام بفتح تحقيق عاجل بشأن ملابسات وفاته منذ محاكمته والتعدي على منزله قبيل سفره إلى مصر.

وشيع المتظاهرون جثمان الشُرطي الراحل مُرددين هتافات تتهم "الكيزان" بقتله قائلين "الدم قصاد الدم ما نقبل الدية" و"نزار قتله الكيزان" و"حالفين نجيب التار".

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا

"قحت": تسليم المخلوع للجنائية وتفكيك النظام البائد أبرز خطط المرحلة القادمة

القبض على 3 متهمين في حادثة الاعتداء على موظف السدود