24-مايو-2022
(Getty)

(Getty)

لم تمنع درجات الحرارة المرتفعة أمس في الخرطوم، المئات من المحتجين من قطع عشرات الكيلومترات على أقدامهم من مدينة بحري والوصول إلى مدينة أمدرمان بعد أن نجحوا في عبور جسر "شمبات" الذي يربط بين المدينتين. وتقول إيمان حمد النيل -وهي إحدى المشاركات في الموكب- إنها هنا لتأكيد فرضية أن "أمدرمان لن تسير وحدها، وأن مواجهة الانقلاب وآلة العنف هي واجب على كل من يرغب في انتصار الثورة لسودان الحرية السلام والعدالة"، بحسب تعبيرها لـ"الترا سودان".

اختارت التنسيقيات "أمدرمان ما بتنكسر" شعارًا للموكب

وصول المتظاهرين من بحري كان في المقابل استجابة لدعوة لقيام موكب بواسطة لجان مقاومة وتنسيقيات مدينة أمدرمان التي اختارت له شعار "أمدرمان ما بتنكسر" وهو ما اعتبره المشاركون الرد المناسب على عنف السلطة في مواجهة الاحتجاجات في موكب السبت والذي أسفر عن استشهاد الشاب محمد خالص ليبلغ بذلك عدد الشهداء منذ إعلان قرارات قائد الجيش في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021، (96) شهيدًا. حيث يحتج المتظاهرون رفضًا للحكم العسكري في السودان. ومساء الأحد حدد لجان أمدرمان مسارات الموكب ونقطته الختامية في شارع الشهيد عبد العظيم "الأربعين".

الانتظار 

عند تمام الواحد بدء توافد المشاركين في الموكب، والذين قاموا بإشعال الإطارات وإغلاق الشارع أمام حركة المرور ووسط الغناء وترديد الأناشيد الثورية، وكان المتواجدون ساعتها في انتظار وصول المواكب القادمة من جنوب أمدرمان الفتيحاب والمربعات والصالحة ومواكب كرري وأمدرمان القديمة، بالإضافة للمواكب القادمة من أمبدة وانتظار ما ستؤول إليه الأوضاع فيما يتعلق بنجاح ثوار بحري في عبور الجسر وتجاوز المتاريس الأمنية.

تمركز الموكب على مقربة من مستشفى الأربعين في ظل غياب القوات الأمنية، حيث وصلت في وقت باكر أربع سيارات تتبع لقوات الدعم السريع مشطت الشارع قبل أن تغادر المكان سريعًا نحو شارع الموردة. 

الشهداء حضور من نوع أخر 

في شارع الأربعين ارتفعت الأعلام التي تحمل صور الشهداء، ورفرف بعضها بصورة الشهيد "الروسي" على مقربة من شعارات مكتوبة على أحد الجدران تؤكد على أن الشهداء لا يموتون. وحضرت كذلك الشهيدة ست النفور عبر صورتها بينما حافظت أم الشهيد خاطر حسنين على حضوره مواكب العباسية، حين حملت صورته على صدرها كما اعتادت أن تفعل. وحضرت أيضًا والدة الشهيد علي حب الدين حاملة صورة ابنها ومطالبة بالعدالة والقصاص، إلا أن الحضور المختلف كان عبر حمل تصميمات لصور كل الشهداء ولبسها كسلاسل من قبل الثوار، وهم يهتفون بضرورة القصاص لأرواحهم وتحقيق تطلعاتهم في إعادة بناء السودان الذي حلموا به.

وصول المواكب

في بداية الموكب بدأ البعض يتذمر من العدد القليل في انطلاقته مع مخاوف من أن يتم ضربه بواسطة القوات الأمنية. في ظل هذه التساؤلات والمخاوف كان الموكب القادم من منطقة أمبدة يزيد ضجيج الشارع بالهتافات، بينما كانت صور شهداء أمدرمان جنوب التي تتقدم موكبهم تؤكد على مقولة "مهما تأخروا فإنهم يأتون"، وكانت لحظة وصول المواكب لشارع الشهيد عبد العظيم نقطة مفصلية في يوم موكب شعار "ما بننكسر".

https://t.me/ultrasudan

يقول أحد الشباب المحتجين لـ"الترا سودان": "الاستمرار في المواكب هو في الأصل تأكيد على عدم الردة عن تحقيق أهداف وغايات الثورة، هو تأكيد على السعي الحثيث نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية"، مؤكدًا مواصلتهم في تسيير المواكب حتى إسقاط الانقلاب وتحقيق شعار "السلطة للشعب". بالتزامن مع حديثه كان الهتاف يشق عنان السماء "العسكر للثكنات الجنجويد ينحل وما في مليشيا بتحكم دولة".

طريق المتاريس

لم يكن وصول موكب بحري إلى شارع الأربعين مفروشًا بالورود، وعلى الرغم من أن الموكب لم يتعرض للقمع في بداية انطلاقته من المؤسسة بحري ونجح في العبور بسلاسة فوق جسر "شمبات" قبل أن يختلف الأمر تمامًا بعد الوصول إلى أمدرمان، حيث استقبلتهم قوات الشرطة المرتكزة هناك بالغاز المسيل للدموع وإطلاق القنابل الصوتية. الأمر الذي اضطر المحتجين لتغيير مسارهم المعلن والانضمام لثوار أب روف واستغلال الشوارع الداخلية ومن ثم العبور من داخل سوق أمدرمان وصولًا إلى شارع الأربعين حيث كان ينتظرهم زملاؤهم في محطات الخوف والرجاء، يستقبلونهم استقبال الفاتحين.

المواجهة 

عند الساعة الرابعة وبعد ان ازداد عدد المتظاهرين وارتفعت هتافاتهم وكادت المسافة تنعدم بينهم والقوات المرتكزة بالقرب من القسم الأوسط؛ بدأ إطلاق الغاز المسيل للدموع وارتفع دوي الرصاص وانطلقت الرشاشات وهي تحمل "السكسك" في اتجاه الثوار الذين لم يفوتوا فرصة ممارسة هواية إعادة البمبان إلى الشرطة وهم يرتدون ما يسمونه ملابس "الاشتباك"، ويعيد بعضهم بعضهم من خط المواجهة إلى خط "الردة مستحيلة" بينما تغطي سحب الدخان سماء الشارع بفعل إطلاق الغاز المسيل للدموع وبفعل اللساتك المحترقة يتراجع الثوار للوراء قبل أن يعيدوا تجميع صفوفهم مرة أخرى يغلق مستشفى الأربعين أبوابه الرئيسية، بينما يترك بابًا صغيرًا لدخول المصابين ممن ينتظرون الإسعاف.

أرقام أولية حصل عليها "الترا سودان" أكدت أن الإصابات بين صفوف الثوار وصلت إلى (15) إصابة ما بين الاختناق والكسر. بعض الإصابات وفقًا لمصادر طبية تمت عبر "السكسك" لكن ووفقًا لذات المصادر لا توجد إصابات ترقى لحد الخطر. بالتزامن مع ذلك كان نداءات التنسيقيات ولجان المقاومة ترتفع مطالبة الثوار بالانسحاب من شارع الأربعين فقد أوصلوا الرسالة التي كان قد كتبها مسبقًا من يحمل الشارع اسمه؛ الشهيد عبد العظيم: "تعبنا يا صديقي ولكن لا يمكن الاستلقاء أثناء ساعات المعركة" 

بري مواجهة اخرى 

وبعيدًا عن أمدرمان كان موكب آخر ينطلق في بري يحمل المشاركون فيه ذات الشعارات ونفس المطالب بضرورة إسقاط سلطة الانقلاب، ويمارسون هواية "إزعاج السلطات" وفقًا لتعبيراتهم.

في بري لم تكن المواجهة أقل من تلك التي حدثت في أمدرمان

في بري لم تكن المواجهة أقل من تلك التي حدثت في أمدرمان، حيث احتلت القوات الأمنية كامل شارع المعرض وأطلقت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي وأصيب أحد الثوار في وجهه بقنبلة صوتية من مسافة خمسة أمتار مع مواجهات بالقرب من السفارة العراقية وإطلاق الرصاص المطاطي مع محاولات للدهس وفقًا لشهود عيان. 

انتهي موكب أمدرمان بعد أن أوصل رسالته وفقًا لاسم الموكب بأن أمدرمان "لم تنكسر"، الرسالة التي كانت تتجاوز المدينة لتحمل صوت جيل كامل حملت كلماتها إحدي الفتيات في شارع الأربعين في لافتة كبيرة كتبت عليها "أيها الغصن لا تنكسر! الآن على خاصرتك وردة ما زالت مؤمنة بالمعجزات".