11-يناير-2025
شارع السينما - نيالا (ويكيميديا)

شارع السينما في نيالا -ويكيبيديا

أنهت الفوضى وانتشار العصابات المسلحة والغارات الجوية مظاهر الحياة في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع. ويعيش المواطنون في المدينة الواقعة على وديان مائية موسمية الجريان قلقًا يوميًا بسبب الطيران الحربي وعمليات النهب وانعدام ضروريات الحياة وغياب سلطة القانون.

المدينة تعيش في هذا الوقت حالة من القلق والرعب الشديدين جدًا

 

سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة نيالا، في أواخر شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، وذلك عقب انسحاب الجيش السوداني من رئاسة الفرقة السادسة، وأعلن حينها نائب قائد قوات الدعم السريع عبدالرحيم دقلو تشكيل إدارة مدينة، لتكون بمثابة حكومة محلية لتسيير شؤون المدينة - والولاية – أمنيًا وصحيًا واقتصاديا.

نهب مسلح

وفقًا لأحد تجار السوق الكبير في مدينة نيالا – فضل حجب اسمه لدواعٍ أمنية- فإن المدينة تشهد حالة سيولة أمنية لم تشهدها طوال تاريخها، فعصابات النهب المسلح تنتشر في شوارع وأحياء المدينة وتترصد بشكل خاص التجار ورجال الأعمال، وكل من تشك أو تسمع بأنه يمتلك أموالًا.

وأشار التاجر إلى عدة حوادث تعرض لها تجار معروفون في أحياء الكونغو، وكرري، والخرطوم بالليل. وقال "في أغلب هذه الحوادث تهاجم منزل التاجر مجموعة مسلحة ترتدي أزياء قوات الدعم السريع، ويستقلون إما الدراجات النارية أو عربات الدفع الرباعي، وتطلب هذه المجموعات تحت السلاح الأموال والمقتنيات وفي بعض الأحيان تطلق الرصاص على ضحاياها".

ويضيف التاجر إنه رغمًا أن الإدارة المدنية في نيالا شكلت قوة أمنية مكونة من الشرطة وقوات الدعم السريع لضبط الأمن في المدينة إلا أن الأحوال تزداد سوءًا يومًا بعد الآخر.

ويتابع متسائلًا: كيف يمكن ضبط اللصوص إن كانوا ينتمون إلى القوة الأمنية نفسها المناط بها إشاعة الأمن؟".

نيالا ما قبل الحرب

اشتهرت مدينة نيالا بكونها إحدى المدن الحديثة والكبيرة في السودان، إذ تعد ثاني مدينة من حيث التعداد السكان والاتساع العمراني، بعد العاصمة الخرطوم.

وعرفت كذلك بكونها الرابط الرئيسي بين مدن شمال السودان – شرقه – وغرب البلاد حتى حدود دولتي أفريقيا الوسطى وتشاد، وذلك عبر خط السكك الحديدية الذي يصلها بالعاصمة الخرطوم، ومنها إلى ميناء السودان الرئيسي في بورتسودان.

فالمدينة الحديثة نسبيًا تعد ميناء رئيسيًا من موانئ السودان البرية بانفتاحها على أكثر من دولة أفريقيا، وهذا الوضع ميزها اقتصاديًا، إذ تعد من أكثر المناطق التجارية حيوية في السودان.  

الطيران الحربي

أستاذ اللغة الإنجليزية "ن. أ"، يقول لـ "الترا سودان"، من داخل نيالا، إن المدينة تعيش في هذا الوقت حالة من القلق والرعب الشديدين جدًا.

ويضيف "نيالا الآن، خاصة مع طلعات طيران الجيش السوداني، التي أصبحت شبه يومية؛ تعيش في جولة أخرى من النزوح بعد الجولة الأولى عند اندلاع الحرب العام قبل الماضي، فالطيران أصبح مكثقًا، ومن ثم فإن مصير المدينة تحت سيطرة قوات الدعم السريع أصبح مجهولًا".

ويوضح "ن. أ" رؤيته للوضع بقوله "الناس في نيالا الآن تتوقع هجومًا من الجيش بأي شكل من الأشكال رغم السيطرة النسبية للدعم السريع داخل المدينة"، فالأوضاع بحسب "ن.أ" مرشحة للتصعيد أكثر من الناحية العسكرية، ولن يتوقف الأمر عند طلعات الطيران التي هددت سلامة المدنيين وأدت إلى مقتل العشرات وإصابة المئات وأشاعت رعبًا غير مسبوق بين المدنيين.

الوضع الصحي

أفاد ممارس طبي – رفض ذكر اسمه – أن الأوضاع الصحية في المدينة تزداد تدهورًا يومًا إثر الآخر، فأكبر مستشفيين في المدينة، وهما المستشفى التركي، والمستشفى التعليمي تكاد تهيمن عليهما بالكامل قوات الدعم السريع، وتحرم المواطنين من تلقى العلاج داخلها، في حين تسخر كافة الإمكانات لعلاج مرضاها وجرحاها في المعارك الأخيرة، لاسيما المواجهات الدامية في مدينة الفاشر في شمال دارفور.

ويقول الممارس الطبي في حديثه لـ"الترا سودان" إن أسعار الأدوية مرتفعة، هذا إن تمكنت من الحصول عليها، كما أن أوضاع النساء الحوامل يمكن وصفها بالخطرة جدًا، خاصة بعد تحكم أفراد الدعم السريع في إدارة غرف العمليات في المستشفيين الرئيسيين.

ولا يغفل الممارس الطبي، في أن يشير إلى حالات سوء التغذية التي بدأت تنتشر بين أطفال معسكري أبو شوك وكلمة للنازحين، والمعسكران يتبعان للمدينة، بل يكادا أن يكونا حيين من أحيائها السكنية.

استبدال العملة

يواصل التاجر بسوق نيالا الكبير، في إفادته ويقول لـ"اترا سودان" "اقتصاديًا، يمكنني القول إن نيالا انعزلت تمامًا في الفترة الحالية عن جهاز الدولة المالي بعد صدور العملة الجديدة، وعليه فالمدينة تعيش الآن حالة مزرية جدًا، منقطعة تمامًا عن كل مجالات الاتصال، وتحدث فيها حالة نزوح كبير".

وبحسب تجار آخرين في أسواق نيالا المختلفة، تحدثوا لـ"الترا سودان"، فإن هناك شحًا كبيرًا في العملة، مشيرين إلى أن البعض حاول التعامل بعملات الدول المجاورة لتسهيل أوضاعهم، خاصة من يتنقلون عبر الحدود إلى تشاد وأفريقيا وجنوب السودان لجلب البضائع المختلفة، إلا أن الإتاوات الباهظة التي تفرضها قوات الدعم السريع في الطرق السفرية بدأت تضعف أيضًا من الحركة التجارية مما يهدد بحالة كساد كبير.

غضب شعبي

يرى أستاذ اللغة الإنجليزية "ن.أ" أن الغارات الجوية للطيران الحربي للجيش السوداني سببت غضبًا شعبيًا كبيرًا بين سكان مدينة نيالا، الذي يعيشون أصلاً في ظروف بالغة القسوة.

ويقول "الطيران في استهدافه قتل المدنيين، سواء أكان ذلك بالخطأ أو عن طريق القصد، وفي رأيي هذا الغضب وهذا الاحتقان أيضًا على أساس أثني وجهوي إلى حد كبير ونتاج لحالة الانفصام التي أحدثها الدعم السريع وأحدثتها الحرب بين الغرب والشمال أو حكومة بورتسودان وسكان دارفور، هذا إضافة إلى انقطاع الطلاب عن الدراسة وحرمانهم من أداء امتحانات الشهادة السودانية، مضافًا إليه الظروف الاقتصادية الطاحنة جدًا".

الإتاوات الباهظة التي تفرضها قوات الدعم السريع في الطرق السفرية بدأت تضعف أيضًا من الحركة التجارية

 

 المدينة التي كانت تعد قبلة الحالمين بالثراء من كافة مدن السودان، وجنة الموظفين المنقولين إليها من الولايات الأخرى، تغرق الآن في حالة من الفوضى والتفكك، ويتشرد سكانها في نواحي السودان المختلفة ويفرون خائفين وحانقين إلى دول اللجوء الأفريقي في جنوب السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى.