29-يونيو-2022
احتجاجات في السودان

مليونية 30 يونيو.. سيناريوهات عديدة وإجراءات أمنية غير مسبوقة

لم تكن حركة المارة والسيارات وسط العاصمة اليوم الأربعاء كالمعتاد، خاصةً بمنطقة السوق العربي القريبة من القصر الجمهوري ومجلس الوزراء والقيادة العامة للجيش؛ فالإجراءات الأمنية والعسكرية بدت واضحةً قبل ساعات من انطلاق "مليونية 30 يونيو" مع توقعات بخروج مئات الآلاف من السودانيين للمطالبة بإسقاط الحكم العسكري.

رئيس بعثة "يونتامس" الأممية:  العسكريين وقوى الحرية والتغيير وصلوا إلى 80% من الاتفاق حول النقاط الخلافية

من شروني وحتى شارع القصر، مرورًا بشارع الجامعة الذي يضُم مقرات القصر الجمهوري ومجلس الوزراء وبعض الوزارات، ثمة سيارات قليلة مع زيادة رقعة الانتشار الأمني.

في محطة جاكسون للحافلات الواقعة غربي السوق العربي وشارع الحرية الشهير بتجارة الإلكترونيات والأجهزة الكهربائية، لم يكن السوق كما كان قبل يومين؛ إذ خفّت الحركة وغاب غالبية مرتاديه كما أُغلقت بعض المحال التجارية.

حصلت "مليونية 30 يونيو" والتي ستنطلق في الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت السودان غدًا الخميس على زخم إعلامي واهتمام شعبي غير مسبوق، بل يرى مراقبون تحدثوا لـ"الترا سودان" أنها حصدت دعاية مكثفة أكثر من ذكرى السادس من نسيان/ أبريل التي تزامنت -قبل شهرين- مع شهر رمضان، ما قلل الزخم الشعبي.

وربما تتخذ السلطات إجراءات إضافية هذه المرة بتشديد الرقابة على الجسور التي لم تطلها الإجراءات في الشهور الماضية، مثل جسر الحلفايا شمالي العاصمة وجسر سوبا جنوبي الخرطوم، بينما تفصل ساعات قليلة جسور رئيسية عن عملية الإغلاق الكامل باستخدام الحاويات ونشر القوات الأمنية على المداخل والمخارج.

المقصود بهذه الإجراءات التي تُثير استياء سكان العاصمة، خاصةً إغلاق الجسور، هو منع تدفق المتظاهرين من مدينة الخرطوم بحري شمالي العاصمة ومدينة أم درمان غربي العاصمة إلى وسط الخرطوم حيث مقر القصر الجمهوري.

https://t.me/ultrasudan

وحددت تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم تسعة مسارات سيتخذها المتظاهرون من مدن الخرطوم الثلاث للوصول إلى القصر الجمهوري غدًا الخميس.

ورغم صعود تكنهات قوية بتشديد الإجراءات الأمنية خاصةً بوسط الخرطوم لمنع تدفق مئات الآلاف من المحتجين غير أن هناك بعض السيناريوهات التي قد تصعد هي الأخرى مرجحةً كفة المتظاهرين إذا ما تمكنوا من "كسر الطوق الأمني".

ويرى المتحدث باسم تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم حسام علي في تصريح لـ"الترا سودان" أن "مليونية 30 يونيو" بداية النهاية للتسوية الفوقية، لافتًا إلى أنهم لا يرفعون السقوفات إلا بمقدار الأفعال على الأرض، مضيفًا أنه حينما يتمكن المحتجون السلميون من الدخول إلى محيط القصر يمكنهم إعلان خطوات جديدة.

ويقول حسام علي إن السلطة العسكرية درجت على استخدام العنف ورغم ذلك يخرج الآلاف منذ الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش والمكون العسكري في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، ما يعني أن "آلة العنف" –بحسب حسام- لا تقلل من مشاركة الجماهير.

وتبدو الإجراءت الأمنية هذه المرة مختلفةً، إذ تطورت عما كانت عليه في الشهور الماضية، فالسلطات الأمنية تنوي إفراغ وسط الخرطوم (السوق العربي تحديدًا) منذ مساء اليوم من حركة المرور والأسواق والعمل الحكومي والقطاع الخاص.

سيتحول هذا السوق الرئيسي الذي يعد المركز التجاري الأكبر في العاصمة غدًا إلى "جزيرة عسكرية" معزولة عن بقية مناطق العاصمة بفعل الانتشار الأمني والعسكري الذي يُتوقع أن يكون على ثلاث مراحل لتحصين محيط القصر الجمهوري من المحتجين.

وقد تلجأ السلطات إلى قطع خدمة الانترنت والمحادثات الهاتفية في الساعات الأولى من صباح الخميس لمنع التنسيق وتقليل عمليات توثيق الاحتجاجات غير أن العسكريين جرّبوا هذا الخيار في الأيام الأولى للانقلاب ولم تمنع تدفق المحتجين بل كانت أعدادهم في تزايد.

وتأتي الذكرى الثالثة لـ"مليونية 30 يونيو 2019" غدًا الخميس وسط مخاوف كبيرة من وقوع أعمال عنف، خاصةً مع صعود تيار النظام البائد إلى كابينة السلطة. هذه المخاوف عبر عنها معارضون للسلطة العسكرية علنًا منذ أيام.

وحصل رموز النظام البائد على مكاسب عديدة من الإجراءات العسكرية التي اتخذها قائد الجيش في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي باسترداد جميع الممتلكات والأصول والأموال التي صادرتها "لجنة التفكيك"، حسب ما صرح عضو اللجنة وجدي صالح قبل يومين لوسائل الإعلام، قائلًا إن: "النظام البائد استرد جميع الأصول والممتلكات التي استردتها لجنة التفكيك تحت ستارة المحكمة العليا ولم يتبقّ شيءٌ لم يستردوه".

وجود تيار النظام البائد داخل كابينة السلطة قد يُفاقم الوضع لعرقلة التسوية. وقد تزيد هذه التطورات من رغبة هذا التيار في تعزيز التحصينات العسكرية واتخاذ إجراءات قد تفاقم الوضع السياسي أيضًا، خاصةً مع إرهاصات تقارب العسكريين مع قوى الحرية والتغيير حسب ما أعلن رئيس بعثة "يونتامس" الأممية في تصريح لمحطة تلفزيونية اليوم بأن العسكريين وقوى الحرية والتغيير وصلوا إلى 80% من الاتفاق حول النقاط الخلافية.

ويتطلع السياسيون "الراديكاليون" داخل قوى الحرية والتغيير إلى التخلي عن خيار التفاوض مع العسكريين والمضي إلى خيار تنسيقيات لجان المقاومة ورفع اللاءات الثلاثة. وقد تقود هذه الخطوة إلى انشقاق جديد في الحرية والتغيير، وربما ترجّح -في الوقت نفسه- كفة الجماعات الراديكالية التي ترفض التسوية السياسية مع الانقلاب.

وقال وزير سابق في حكومة عبدالله حمدوك التي أطاح بها الجيش، في حديث لـ"الترا سودان" (رافضًا نشر اسمه) إنه "من الصعب إسقاط الانقلاب العسكري في ظل مساندة دول المحاور وامتلاكه للسلطة والمال وغياب البرنامج والفعل السياسي لدى الجماعات الثورية".

يتبنى أنصار التسوية السياسية مخاوف انزلاق السودان إلى حرب أهلية جراء تعدد الجيوش والطموحات السياسية لقائد قوات الدعم السريع في مقابل طموحات العسكريين السياسية، إلى جانب وجود الحركات المسلحة التي لم تخضع للترتيبات الأمنية وصعوبة توفر آلية تنحاز إلى الثورة الراديكالية.

أما القوى الثورية في تنسيقيات لجان المقاومة (خاصةً بولاية الخرطوم) إلى جانب الحزب الشيوعي، فتعتقد أن عوامل صناعة الآلية التي تنحاز إلى الثورة تتشكل مع مرور الوقت وفي اللحظات المفصلية.

تجمع المهنيين السودانيين لـ"الترا سودان": التفاوض يعني منح قبلة الحياة للانقلابيين

ويقول المتحدث الرسمي باسم تجمع المهنيين وليد علي أحمد لـ"الترا سودان" إن الآلية التي تنحاز إلى الثورة تصنعها عوامل على الأرض، ففي 6 أبريل دخل السودانيون محيط القيادة العامة للجيش وأجبروا المخلوع على التنحي خلال خمسة أيام، وقد يتكرر الأمر ثانيةً بدخول السودانيين إلى محيط القصر وإجبار السلطة العسكرية على التنحي، أما التفاوض فيعني –بحسب وليد- "منح قبلة الحياة للانقلابيين".