25-أبريل-2019

استمرت الاحتجاجات في السودان لتحقيق المطالب الجماهيرية الكاملة (فيسبوك)

على صخرة عارية ترتفع قليلًا عن الأرض جلست الفتاة السودانية عزة قبالة مقر قيادة الجيش، تقلب ورقة مطالب بدت ناقصة، فقد خرجت قبل أيام من سقوط البشير، وحزمت أمرها على أنها ربما لن تعود للبيت إن لم تتحقق مطالبها في إعلان الحرية والتغيير، ولا خيار أمامها غير التشبث بحقها في الديمقراطية والعيش بكرامة، دون أن يطاردها رجال الشرطة في شوارع المدينة بسبب ملابسها، وهي أيضًا مستعدة للاعتصام لأيام أخرى مقابل استرداد حريتها ورؤية السودان الذي تحلم به.

توالى تسيير المواكب في السودان إلى مقر الاعتصام طوال ساعات اليوم والأسبوع، حيث تدافعت الحشود نهار الخميس فيما عرف بمليونية الدولة المدنية وانتقال السُلطة للشعب

تقول عزة مثل كثير من المحتجين السودانيين، إنها تشعر بأن الدولة العميقة تتربص بهم، كما أن الثورة لا زالت في بداياتها، هاتفة "سقطت ما سقطت صابنها"، وهو هتاف لشباب الثورة يتسم بالعناد والتصميم على حراسة المطالب، حتى لا يُجهض حلمهم الذي بدا يتفتح بعد عصر من المعاناة والقهر والتضحيات.

اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني يستكمل انتفاضته بعد بيان الجيش

 كان المكان نهار الخميس يعج بالناس، وجوه من شتى أنحاء البلاد، تغص بالأمل والسمار، إلى درجة أنه يصعب التوغل إلى المنصة الرئيسية بسبب إجراءات التأمين، حيث كان الهتاف "ارفع إيدك فوق التفتيش بالذوق"، خشية أن يتسلل رجال الأمن بالأسلحة إلى محيط الاعتصام، أما السيارات فتعاني من المتاريس الإسمنتية، إلى درجة أن المنطقة مغلقة بالكامل أمام حركة السيارات، بما في ذلك جسر القوات المسلحة، وشارع الجامعة.

قطار الثورة العمالية

بعد وصول قطار مدينة عطبرة، والتي تعرف بمدينة الحديد والنار، معقل الحركة العمالية في السودان، جاء القطار محملًا بالثوار وهم يلوحون بعلم السودان وصور الشهداء، وقطع القطار نحو  332 كيلومتر، حتى كادت نوافذه تتحطم من الزحام والاندفاع البشري، إذ هبت المدن والقرى المجاورة لخط سكة الحديد لتحية القطار، الذي انطلق في منتصف نهار الإثنين الماضي وتوقف قبل مغرب الشمس بقليل قبالة قيادة الجيش. كان مشهدًا مؤثرًا وتاريخيًا، طرد فكرة مركزية الثورة، وعذابات الهامش المعزول عن صناعة مستقبل السودان، وكانت الهتافات وأصوات الطبول والأهازيج في أنحاء العاصة الخرطوم كأنها نشيج خافت.

توالى تسيير المواكب إلى مقر الاعتصام طوال ساعات اليوم والأسبوع، حيث تدافعت الحشود نهار الخميس فيما عرف بمليونية الدولة المدنية وانتقال السُلطة للشعب، يرددون مع الشاعر محي الدين فارس: "هناك أسراب الضحايا الكادحون العائدون، مع الظلام من المصانع والحقول، ملؤوا الطريق.. وعيونهم مجروحة الأغوار ذابلة البريق". فيما شهد محيط القيادة حالة اختناق وازدحام هائل وتفويج للباصات السفرية من شتى مناطق السودان، بجانب المسيرات النقابية المتواصلة، وموكب "لا للتدخلات الخارجية" الذي انتظم في وقفة أمام السفارة المصرية في الخرطوم، تنديدًا بالتدخلات المصرية في الشأن السوداني، ومحاولاتها التأثير على المجلس العسكري.

ورفع المتظاهرون لافتات تطالب الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي بالتوقف عن التدخل السافر في الشأن السوداني، ومحاولة القيام بدور الثورة المضادة، مرددين هتافات على شاكلة "خليك في حالك يا سيسي لا تتدخل شؤون السودان"،  و"تسقط يا سيسي بس"، وجاء هذا الموقف على خلفية استغلال الرئيس المصري رئاسته للاتحاد الأفريقي وبذل توصية لإمهال المجلس العسكري الانتقالي في السودان ثلاثة أشهر لتسليم السلطة، بينما كانت المدة التي اقترحها الاتحاد الأفريقي أسبوعين فقط، تبقى منها نحو خمسة أيام، وهو ما اعتبره الثوار فرضًا لأجندة خارجية مشبوهة ودعمًا للتمكين العسكري.

الشعبب يريد سلطة مدنية

في هذا الصدد، عقدت قوى الحرية والتغيير مؤتمرًا صحفيًا أعلنت فيه أنها لا تريد تشكيل حكومة مدنية فحسب، وإنما سلطة مدنية بالكامل، مشددة على أنها لم تدع الجيش لاستلام السلطة وإنما دعته للانحياز للشعب، وأكدت قوى التغيير أنها لن تقبل بأي نوع من الوصاية الخارجية على الشعب السوداني، وأجابت على سؤال حول مشاركة الجيش السوداني في حرب اليمن بالقول: "هذا قرار سيادي ونرفض ممارسة المجلس العسكري صلاحيات سيادية دون تفويض شعبي"، ونفت في الوقت نفسه وجود تواصل مع السعودية والإمارات ومصر.

وبعد لقاء جمعها بالمجلس العسكري قررت قوى المعارضة السودانية، إرجاء إعلان أسماء مرشحيها للحكومة المدنية الانتقالية الذي كان مقررًا مساء الأربعاء، ونادت بمواصلة الاعتصام لحين تحقق "أهداف الثورة". ووصف بيان عن التحالف المعارض الاجتماع مع المجلس العسكري بأنه "خطوة في بناء الثقة بين الطرفين".

تدهور صحة البشير

من جهته أعلن المجلس العسكري إغلاق حسابات رجال النظام السابق بسوق الأوراق المالية، وكشفت مصادر رفيعة عن وجود خزائن سرية ضخمة تخص الرئيس المخلوع وأشقاءه تم ضبطها في أحد مكاتبه، فضلًا عن أمر من وكيل النيابة الأعلى المكلف من المجلس العسكري بالقبض على الرئيس السابق واستجوابه عاجلًا، تمهيدًا لتقديمه للمحاكمة بتهم غسل الأموال وحيازة أموال ضخمة دون مسوغ قانوني، بجانب ضبط 315 مليون ريال سعودي في حساب خاص بالبشير، وكشفت تقارير صحية عن تدهور حالة الرئيس السابق بعد نقلة إلى سجن كوبر الذي كان يعتقل فيه خصومه، مما أدى إلى إصابته بجلطة خفيفة واستمرار تدهور حالته النفسية.

اقرأ/ي أيضًا: الشارع السوداني ينتفض ضد الجوع والقمع.. لا شيء لدى السلطة إلا "البوليس"

اعتقالات المجلس العسكري

لكن أهم أحداث الساعات الماضية تمثل في اعتقال محمد علي الجزولي المنسق العام لتيار الأمة الواحدة ورئيس اللجنة التمهيدية لحزب دولة القانون والتنمية، وهو أول اعتقال بعد الثورة يقوم به المجلس العسكري، مما أثار مخاوف قوى المعارضة بعودة الاعتقالات التعسفية والحجر على حرية التعبير، وكشف الجزولي في حديث لـ"ألترا صوت" أنه تم إطلاق سراحه بعد ساعات من الاعتقال ولم توجه له تهمة، مضيفًا أنه "تم اعتقالي وأخذي إلى سجن كوبر لبضع ساعات ثم قيل لي أطلق سراحك، وأخذت إلى القصر الجمهوري، فتم الاعتذار لي على الاعتقال ومن أنه كان خاطئًا".

تقول عزة مثل كثير من المحتجين السودانيين، إنها تشعر بأن الدولة العميقة تتربص بهم، كما أن الثورة لا زالت في بداياتها، هاتفة "سقطت ما سقطت صابنها"، للتأكيد على حراسة المطالب

وكان الجزولي قد تحدث في أكثر من منبر، معتبرًا أن هذه الثورة فجرتها قوى وطنية انحاز إليها جيش وطني، وبالتالي فهي مشروع سوداني خالص ليس لأي قوى إقليمية التدخل لتحديد مساراته أو دعم طرف في مواجهة طرف آخر، وقال "إن الذين يزعمون أنهم يدعمون تحولنا نحو الحرية فليمنحوا الحرية لشعوبهم المقهورة من دول الإقليم"، مشددًا على أن السودانيين لن يستبدلوا مستبدًا وطنيًا بمستبد خائن، موجهًا انتقادات حادة للمحور السعودي الإماراتي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عام الثورة على المأساة في السودان