30-نوفمبر-2019

اجتماعات سد النهضة بين السودان وإثيوبيا ومصر بالخرطوم الشهر الماضي (Getty)

ينطلق اليوم الأحد اجتماع سد النهضة الذي ينعقد يومي 2 و3 كانون الأول/ديسمبر بالعاصمة المصرية القاهرة. وهو الاجتماع الثاني من جملة أربعة اجتماعات مقرر عقدها على مستوى وزراء المياه واللجان الفنية للدول الثلاث للاتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي قبل حلول 15 كانون الثاني/يناير القادم.

عادت قضية الوساطة الدولية والخلافات الإثيوبية المصرية من جديد إلى واجهة الأحداث، حيث كشفت  صحيفة " العربي الجديد" طلب إثيوبيا دخول الصين كوسيط

وبعد أسابيع من الهدوء النسبي الذي أعقب اجتماعات وزراء الري لكل من مصر وإثيوبيا والسودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، عادت الأطراف قبل أسبوعين لتستأنف المفاوضات حول القضايا العالقة بشأن سد النهضة والتي شهدت لأول مرة مشاركة دولية تمثلت في حضور خبراء من الولايات المتحدة الأمريكية ومراقبين من البنك الدولي لحضور جلسات اللجان الفنية، بناء على طلب مصري بتدخل أمريكا أملًا في دفع المفاوضات المتعثرة مع إثيوبيا.

وعادت قضية الوساطة الدولية والخلافات الإثيوبية المصرية من جديد إلى واجهة الأحداث مرة أخرى، حيث كشفت  صحيفة "العربي الجديد" نقلًا عن مصادر دبلوماسية مصرية بوزارة الموارد المائية، عن تحركات إثيوبية في ملف الوساطة الدولية وطلبها دخول وسطاء جدد في الأزمة المتطاولة التي يتخوف الكثير من المراقبين من تداعياتها على الوضع الأمني في منطقة شرق إفريقيا وحوض النيل.

اقرأ/ي أيضًا: وزير الموارد المائية إلى القاهرة.. وجولة مباحثات جديدة بشأن سد النهضة

لعبة الوسطاء الدوليين

وقالت الصحيفة إن أديس أبابا اقترحت أخيرًا إشراك الصين كطرف دولي جديد في المفاوضات ما يعني وفقًا للمراقبين تراجع أديس أبابا عن موقفها السابق الرافض لإشراك الوسطاء الدوليين في القضية. وبحسب الصحيفة فإن إثيوبيا طالبت بإشراك الصين في تلك المباحثات بصفة مراقب دولي محايد، معللة بأن بكين تتمتع بعلاقات جيدة مع جميع أطراف الأزمة. وأوضحت ذات المصادر أن المقترح الإثيوبي ما زال محل دراسة كل من مصر والسودان، وتتعامل القاهرة معه بتوجس شديد خشية أن تزيد تلك الخطوة الأزمة تعقيدًا، بعد اقترابها من الانفراج في أعقاب اجتماع واشنطن الذي جاء برعاية أمريكية.

وتضغط الولايات المتحدة الأمريكية على الجانب المصري بشرط التراجع عن إبرام صفقة مع روسيا تقضي بحصول مصر على (20) مقاتلة من طراز "سوخوي 35" وهي الصفقة التي تصفها الولايات المتحدة بأنها تغيّر قواعد اللعبة في المنطقة.

وبحسب "العربي الجديد" فإن القاهرة ترى أن المقترح الإثيوبي بإشراك الصين في المفاوضات الجارية، ربما يكون خطوة للتعقيد وليس للحل بإشراك طرف دولي جديد، ومن ثم كسب مزيد من الوقت وإطالة أمد المفاوضات وتضييق الخيارات أمام القاهرة.

ويبدو أن مصر صارت رويدًا رويدًا تتقن لعبة التفاوض، وأصبحت تجاري إثيوبيا في تكتيكاتها، إذ حملت الأنباء أمس خبرًا عن دعوة الإمارات والسعودية لتنضما إلى جهود الوساطة، قبل أن تعلن إثيوبيا ترحيبها بهما وأنها لم تدعوهما للتوسط، ما يعني أن مصر هي من دفع بهذا البالون لاختبار ردة فعل الجانب الإثيوبي.

المزيد من التعقيد ومستقبل مجهول

ويرى خبراء سودانيون في قضايا المياه استطلعهم "الترا سودان" أن قضية سد النهضة باتت تتجه نحو المزيد من التعقيد وربما نحو المجهول بسبب طلب الجانبين التدخل الدولي لحسم القضية في ظل انعدام الثقة بينهما، ويرى الخبراء أن الموقف السوداني ما زال يتسم بالضعف الواضح كما أنه ما يزال غامضًا حتى الآن مع ميله نحو الجانب الإثيوبي. ويقول الخبراء إن قضية سد النهضة والخلافات في القضايا الفنية الرئيسية مثل مدة ملء الخزان وإدارة المياه كأنما تمس فقط مصالح القاهرة دون الخرطوم.

اقرأ/ي أيضًا: كما أكّدها خبراء.. فوائد سد النهضة على السودان

ويقول مختصون في قضايا المياه إن استخدام كل من مصر وإثيوبيا كرت الوسيط الدولي استنادًا إلى أحد بنود اتفاق المبادئ الموقع في الخرطوم في 2015 لا يمنع من أن يتجه السودان لاتخاذ نفس الخطوة، بأن يطلب من الاتحاد الأوروبي أو روسيا الاشتراك في المفاوضات إذا شعر أن مصالحه قد تتضرر.

وبحسب الصحفي السوداني المهتم بقضايا المياه خالد هاشم، فإن طلب إثيوبيا تدخل الصين هو رد فعل على الطلب المصري بدخول أمريكا كوسيط، ويضيف هاشم لـ"الترا سودان" أن الطلب الإثيوبي يأتي من أجل إحداث توازن قوى داخل غرف التفاوض، لكنه يبين أن الصين وأمريكا لا يعنيهما سد النهضة في حد ذاته، وأن واشنطن لم تتدخل إلا بعد الطلب المصري، إلا أن الطرفين الدوليين تعنيهما لحد ما مصالح حلفائهما في المنطقة "مصر وإثيوبيا".

ويقول هاشم إن الصين ليست طرفًا مؤثرًا في قضية سد النهضة رغم وجود شركات صينية تعمل في تركيب توربينات السد، بل ربما تكون أمريكا هي الطرف الأقوى لأنها تملك مفاتيح القرارات في البنك الدولي، ويضيف أنه يتوقع أن يكون دور الصين توفيقيًا فقط بين الأطراف، وليس حاسمًا، رغم أن لها نشاطات اقتصادية في أفريقيا، إلا أنها لم يكن معروفًا عنها التدخل في النزاعات السياسية سواء الداخلية للدول أو بين الدول.

ويشدد هاشم أن على حكومة حمدوك القيام بمراجعة موقفها التفاوضي والرجوع للموقف الفني الصحيح من السد والابتعاد عن الموقف السياسي الذي بدا مساندًا لإثيوبيا ومفارقًا في كثير من الأحيان للمصالح السودانية.

هل يظل السودان على الحياد؟

ويقول الكاتب والصحفي المختص بقضايا المياه والسدود عبد الواحد محمد إبراهيم في إفادته لـ"الترا سودان" إن تمسك السودان بمبدأ مراعاة مصالحه وحياده الإيجابي، وعدم جنوحه نحو التصعيد أو الانحياز لأي طرف حتى الآن، هو موقفٌ جيد ويبعد عنه  الضغوط الدولية والرضوخ للمصالح الخاصة للأطراف وإملاءاتها.

عبد الواحد إبراهيم: إطالة أمد المفاوضات قد تكون في صالح السودان حتى يتمكن من إعادة ترتيب حساباته ومواقفه من جديد، خصوصًا بعد التغيير السياسي

 ويضيف إبراهيم أن إطالة أمد المفاوضات قد يكون في صالح السودان حتى يتمكن من إعادة ترتيب حساباته ومواقفه من جديد، خصوصًا بعد التغيير السياسي الجاري الآن وذهاب نظام البشير. ويشير إبراهيم إلى أن تدخل الدول الكبرى لن يكون في صالح المفاوضات، لأن أهم بنود اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان يدعو لضرورة المشاركة والقسمة العادلة للمياه لصالح الدول الثلاث، إلا أن دخول الوسطاء ربما يدفع كل دولة للضغط في اتجاه التمسك بمصالحها فقط.

ويرى إبراهيم أن على السودان القيام بترتيب حساباته من جديد وفق التغييرات الجديدة في مفاوضات السد بعد دخول الدول الكبرى إلى ساحة الصراع من أجل القضية، خصوصًا في ظل تصاعد الاحتجاجات الداخلية في إثيوبيا ضد آبي أحمد الذي يرى أن المشروع سيكون صمام الأمان أمام تنامي المعارضة الداخلية لحكمه، وأيضًا في مواجهة السيسي الذي يتعرض لانتقادات داخلية مبطنة ويسعى لتحقيق مكاسب في قضية سد النهضة بأي ثمن. ويضيف إبراهيم أن السودان بإمكانه اقتراح روسيا أو ألمانيا كوسيط دولي في مفاوضات سد النهضة، في وجه الفريقين المتصارعين وهو حق يكفله له اتفاق إعلان المبادئ، ليضمن عدم تضرر مصالحه في مياه النيل.

 

اقرأ/ي أيضًا

وساطة أمريكا في سد النهضة.. هل تُبعد خيار المواجهة العسكرية؟

حمدوك يستمع لتنوير اجتماع واشنطن.. وانطلاق مفاوضات سد النهضة في أديس الخميس