رأي

مشعل النيران الذي يحلم بجوائز السلام

25 سبتمبر 2025
ترامب.jpeg
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (أرشيفية)
عبدالرحيم حمدالنيل
عبدالرحيم حمدالنيلكاتب من السودان

لا غرو أن العالم يعيش عصر الانحطاط والبذاءة التي تمظهرت في كافة معالمه، بعد أن وصل الإنسان قمة التطوُّر التكنولوجي، والصناعي؛ لكن استخدام محصلة النبوغ البشري كانت في جانب تطوير السلاح وكيفية القتل أكثر من تطوير ما يجعل من حياة البشر أكثر رفاهاً وسهولةً، لذلك لا غرابة أن يصعد على قمة السياسة في هذا العصر أمثال ترامب ونتنياهو، اللذان يمثلان واجهة ملائمة لهذه الحقبة الكئيبة والوحشية من عمر التجربة البشرية.


يلهث ترامب خلف جائزة نوبل للسلام التي وللمفارقة يرشحه لها مجرم حرب مطلوب للمحكمة الجنائية مثل نتنياهو
 

 

في خطابه الأخير أمام المناقشة العامة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي جاء متسقاً مع شخصيته، الذي استغرق ساعة كاملة، تبجح ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية التي يمكن تسميتها بأمة المهاجرين، بأنه أطلق يد الحرس الوطني على المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون التسلل إلى الولايات المتحدة وإعادتهم إلى بلادهم، وقتلهم إن استدعى الأمر، ملقيًا باللوم على الأمم المتحدة التي قال إنها تساعد المهاجرين وتستخرج بطاقات لهم وتمنحهم الطعام والمسكن، ورغم دوره الواضح في تأجيج عمليات القتل خارج القانون التي تتم في غزة ومساعدة الكيان المحتل على سحل وتجويع الفلسطينيين ودعمهم بالسلاح والسياسة، إلا أنه تبجح في الجلسة الأخيرة بأنه أوقف سبع حروب، لا يمكن لأي شخص استدعاء اسم دولة واحدة باتت تنعم بالسلام بفضل ترامب، الذي وصفه السيناتور الأميركي تيد كروز في 2016 بأنه "نرجسي على مستوى لا أعتقد أن هذا البلد قد رآه على الإطلاق من قبل".

الساعة التي كانت عمر خطاب ترامب أمام المناقشة العامة للأمم المتحدة، كانت أكثر الخطابات وضوحًا وتبيينًا للسياسة العامة لرئيس الولايات المتحدة الأميركية، التي بدأها بمدح نفسه ومدح أميركا في عهده، وقال إن أميركا تعيش عصرًا ذهبيًا وذلك بفضله وفضل سياساته، عبر جلب استثمارات ببلايين الدولارات ومكافحة الهجرة غير الشرعية والتركيز على مصلحة أميركا والأميركيين.
لا يخفي ترامب عنصريته الواضحة، يفتخر بذلك، هجومه المستمر على المهاجرين، وعلى أصول الأميركيين الذين يخالفون سياساته والتنمُّر المستمر على بلدانهم الأصلية، مثلما فعل مع النائبة الديمقراطية عن ولاية مينيسوتا في الكونغرس الأميركي إلهان عمر، التي قال عنها "هل هي من الصومال؟ هل لديهم رئيس أو شرطة؟".
يشارك في دعم القتلة، يبرر للكيان المحتل مجازره ويدعمه؛ ويحلم بجائزة نوبل للسلام بل ويتكلم عنها كل مرة ولعابه يسيل من أجلها.

وسؤال الصحفيين عن بلدانهم، بل إنه في إحدى المرات قال لرؤساء أربع دول كانوا في زيارة إلى البيت الأبيض، وهم جلوس أمامه في مكتبه "رجاء ذكر اسمك وبلدك".

شخصية ترامب كرئيس هي تعبير عن الأزمة التي يعانيها العالم، وهي مؤشر لما وصل إليه المشروع الرأسمالي ككل، فتاجر العقارات الذي تولى ادارة أعمال العائلة في بداية السبعينيات يصبح أكثر الرجال المزعجين في الكوكب، يتحدث ويغرِّد صباح مساء، أحاديث عنصرية مستفزة، وخطابات تعبِّر عن المزيج الفريد بين النرجسية الشخصية عندما تلتقي بسياسات الهيمنة الاستعمارية.

يلهث ترامب خلف جائزة نوبل للسلام التي وللمفارقة يرشحه لها مجرم حرب مطلوب للمحكمة الجنائية مثل نتنياهو؛ السلام الذي لم يبصر عافيةً منذ قدم إلى رئاسة أميركا، فأعلن حروبًا ودعم حروبًا، وأرسل أسلحةً لقتل مدنيين أبرياء في غزة، وكل هذا لتعزيز تضخُّم الذات الذي يعانيه، لذا احتشد خطابه أمام المناقشة العامة بالأكاذيب، بل إن الإسلاموفوبيا دفعته للادعاء أن عمدة لندن فرض الشريعة الإسلامية، وهي كذبة واضحة لا تحتاج إلى أدلة لتفنيدها، لكن ترامب يطلق المزاعم ويلاحق الصحف ومؤسسات الإعلام التي تفضح دعاويه، فهو لا يؤمن بالديمقراطية نفسها التي أتت به رئيسًا للمرة الثانية لأميركا، لذلك هاجم داعموه مبنى الكابيتول حين لم يفز وهو يترشح أمام بايدن.

لا أعتقد أن هنالك خيرًا يمكن أن يجنيه السودان والعالم العربي والأفريقي من وراء ترامب، فلم تك الإدارة الأميركية في يومٍ ما داعمة للشعوب أو للتحول الديمقراطي، بل إنها سعت دائمًا لتقويض الديمقراطية والتحول الديمقراطي في السودان تحديدًا في كل مرة قام السودانيون فيها بثورة كانت أميركا تتدخل لتحويل مسار التغيير الذي تعرف أنه لن يدعم مصالحها.

لا يمكن أن يتحول مشعل نيران كترامب إلى راعٍ للسلام في العالم، فالقوة التي يؤمن بأنها الحل في كل الأزمات لا تكون نتيجتها السلام بل النار والحرب، وهو ما أبصرناه نتيجة لسياساته التي زعم قبلها أنه جاء ليوقف الحروب التي حدثت في عهد سلفه الذي لا زال يلاحقه باللعنات، والتنمُّر، بل إنه لا يقبل الرأي الآخر وحرية التعبير التي هي ما يباهي به الأميركيون، فها هو يلاحق مؤسسة إعلامية ويطالبها بتعويض قيمته مليارات الدولارات لزعمه أنها تحاول إشانة سمعته.

لا يمكن لمتطرف أو عنصري أو منحاز إلى فكرة الاستعمار والاحتلال بطبعه أن تكون سياساته يومًا ما في مصلحة البشرية، فترامب الذي يهدد بغزو  واحتلال كندا، ويعتقد أن دولة الكيان المحتل صغيرة للامعان في موافقته على تمددها، لن يصبح حمامة سلام حتى لو منحته نوبل  جائزة كل يوم، لا مرة واحدة في العمر، لا يستحقها.


لا أعتقد أن هنالك خيرًا يمكن أن يجنيه السودان والعالم العربي والأفريقي من وراء ترامب

 

 

لم يسلم حلفاؤه من شره، دعك من خصومه؛ فهو لا حليف له غير نفسه، يجيد لعبة الابتزاز، والبجاحة التي تجعل لسانه مسلطًا على الأصدقاء قبل الأعداء في عرفه، يتحدث عن كل شيء حتى تلك الأمور التي ظلت تفعلها أميركا تحت الطاولة ولا تجعل منها سياسة معلنة؛ لكنها في عهد ترامب باتت هي المانفيستو الذي يحدد أولويات مشعل النيران الأكثر شهرة في الكوكب هذه الأيام.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"


 

الكلمات المفتاحية

خالد عمر يوسف - القيادي في الحرية والتغيير.jpg

وماذا عن دقلو؟

أثارت ردة فعل المهندس خالد عمر يوسف في لقائه بإحدى القنوات التلفزيونية عند سؤاله و"ماذا عن دقلو؟" عقب حديثه عن وزير المالية جبريل ابراهيم - أثارت ردات فعل عديدة، ساخرة من تلجلجه في الإجابة، وإصداره لأصوات غير مفهومة قبل أن يتمالك نفسه، ليجيب أخيرًا بصوت مفهوم وواضح.


آثار الدمار - الحرب - الخرطوك.jpg

أهداف حرب 15 أبريل الخفية والظاهرة

ليس علينا التمهيد لمسألة أن الحرب في السودان واحدة من الخطط الاستراتيجية للقوى العالمية الغاشمة للعبث بالشرق الأوسط وإعادة هندسته، فالحرب وحدها تحقق عدة أهداف استراتيجية للنظام العالمي الجديد ورعاته.


نازحو الفاشر في الدبة

نزوح الفاشر إلى الدبة.. حين تضغط الجغرافيا وتنكسر السياسة

الآثار الكارثية لما وقع في الفاشر لن تمحي قريبًا. الآلاف قتلوا وشردوا وانتهكت أعراضهم في واحدة من أسوأ مشاهد الحرب الدائرة في السودان، بل هي مأساة مكتملة،


أبو لولو

"أبو لولو" كمرآة لعنف الدعم السريع

تجاوز ظهور المجرم المدعو "أبو لولو" في مقاطع الفيديو الأخيرة من الفاشر كونه مجرد واقعة دموية جديدة في سجل الحرب السودانية، الى كونه حدثًا إعلاميًا مُحمَّلًا بالرموز، استُخدم - بوعي أو دون وعي - لصرف الأنظار عن المنهجية الأعمق للعنف داخل الدعم السريع.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
أخبار

التعليم العالي تعيد خدمات التقديم والتوثيق إلى مقرها الرئيس بالخرطوم

أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، اليوم الأحد 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، عودة جميع خدمات التقديم الإلكتروني وتوثيق الشهادات إلى المقر الرئيس للإدارة العامة للقبول بشارع الجمهورية في الخرطوم

سلاح - مسلحين - مستنفرين.jpg
أخبار

الجيش السوداني يدعو دول الإقليم إلى منع تدفّق الأسلحة للدعم السريع

دعا الجيش السوداني دول الإقليم إلى تحمّل مسؤولياتها ومنع تدفّق الأسلحة إلى الميليشيات والمجموعات غير الشرعية، محذّرًا من أن هذا الاتجاه يشكّل خطرًا على دول المنطقة.


سلوى آدم بنية مفوض العون الإنساني
أخبار

سلوى بنية: الدعم السريع لم تلتزم بقرار رفع الحصار عن المدن

أكدت مفوضية العون الإنساني في السودان، اليوم الأحد 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، أن قوات الدعم السريع لم تلتزم بقرار رفع الحصار عن المدن.

مبعوث الاتحاد الأفريقي لمنع الإبادة الجماعية يصل السودان
أخبار

المبعوث الأفريقي للإبادة الجماعية يصل البلاد لإجراء مباحثات رسمية

يبدأ مبعوث الاتحاد الأفريقي لمنع الإبادة الجماعية، السيد أداما دينق، زيارة رسمية للبلاد تستمر أربعة أيام، يلتقي خلالها عددًا من المسؤولين في وزارات الخارجية والعدل والشؤون الدينية، إلى جانب النائب العام.

الأكثر قراءة

1
أخبار

مصادر عسكرية لـ"الترا سودان": الجيش يتصدى لأعنف هجوم على الفرقة 22 مشاة في بابنوسة


2
سياسة

تصاعد القتال في بابنوسة وزيارة أممية تبحث حماية وإغاثة المدنيين


3
أخبار

شبكة أطباء السودان: توثيق 32 حالة اغتصاب مؤكدة بالفاشر خلال أسبوع 


4
أخبار

متطوعون: مئات المفقودين بالفاشر يرجح وجودهم في معتقلات سرية


5
أخبار

مصادر: سيطرة الجيش على بلدتين في شمال كردفان تعزّز حماية الأبيض