مخيم زمزم للنازحين.. ما هي دوافع هجمات الدعم السريع؟

سيطرت قوات الدعم السريع على مخيم زمزم، الذي يبعد نحو 12 كيلومترًا جنوب غرب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد أن شنت هجومًا بريًا استخدمت فيه كافة أنواع الأسلحة، وسط تحذيرات إقليمية ودولية من وقوع كارثة إنسانية وإبادة جماعية وسط السكان.

وظل مخيم زمزم للنازحين، الذي يؤوي نحو 500 ألف نازح منذ العام 2003، يتعرض لهجمات منظمة ومستمرة من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة، منذ يوم الجمعة 11 نيسان/أبريل الجاري. وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل وإصابة المئات، وتشريد الآلاف من منازلهم، وهم يفتقدون الغذاء والماء والدواء.

وتسعى قوات الدعم السريع للسيطرة على مخيم زمزم، لإحكام الحصار الذي تفرضه على مدينة الفاشر منذ قرابة عام، بعد أن أفشل الجيش والقوة المشتركة أكثر من 200 محاولة هجوم للاستيلاء على المدينة، منذ 11 أيار/مايو 2024.

إبادة جماعية

أعلن وزير الصحة بولاية شمال دارفور بالإنابة، إبراهيم خاطر، عن ممارسة قوات الدعم السريع الإبادة الجماعية ضد السكان في مخيم زمزم للنازحين.

وقال خاطر لـ"الترا سودان": إن قوات الدعم السريع استباحت المعسكر وقتلت النساء والأطفال وكبار السن، وليس هناك أرقام حقيقية لعدد الضحايا بالمخيم.

فيما أكدت حركة جيش تحرير السودان، بقيادة مني أركو مناوي، مقتل 450 شخصًا في الفاشر بهجمات الدعم السريع.

وقالت الحركة في بيان: إن المليشيا تواصل مسيرتها القذرة في التطهير العرقي، كما حدث في الجنينة وغيرها، ويتباهون بعنصريتهم، ويوثقون جرائمهم بأنفسهم عبر الفيديوهات، وهذا دليل دامغ على أن المليشيا تريد إحداث تغيير ديموغرافي في كل دارفور، وجلب مستوطنين جدد من عرب الشتات.

وزير الصحة بولاية شمال دارفور لـ"الترا سودان": مليشيا الدعم السريع اغتالت أسرًا كاملة داخل منازلها

وأشار إبراهيم خاطر إلى أن مليشيا الدعم السريع اغتالت أسرًا كاملة داخل منازلها، وأن الجثث ما تزال موجودة على الطرقات دون أن يقوم أحد بسترها.

وأكد أن هناك هجرة عكسية للمواطنين من معسكر زمزم إلى مدينة الفاشر ومنطقة الطويلة، بعد أن وصلوا إليها بعد ثلاثة أيام سيرًا على الأقدام وفي وضع صحي حرج.

ولفت إلى أن الدعم السريع لديها غبن اجتماعي تجاه السكان الموجودين داخل معسكرات النزوح، لأنهم تسببوا في وجودهم داخل المخيمات، منذ أن كانوا أداتهم لنظام المؤتمر الوطني.

وتابع: "المليشيا ثقافتها ضد كرامة الإنسان، لذلك استخدمتهم الإنقاذ لإبادة مواطني دارفور، لأنهم وحوش، وضد القيم الأخلاقية والإنسانية".

إدانات واسعة

ووجِهت هجمات الدعم السريع على مخيم زمزم بإدانات واسعة من عدد من الدول، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعربت على لسان وزارة خارجيتها عن قلقها البالغ إزاء التقارير التي تفيد بشن قوات الدعم السريع هجمات على مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين خارج الفاشر، شمال دارفور.

وأدان بيان صادر عن مكتب الشؤون الأفريقية بوزارة الخارجية الأميركية، يوم الأحد 13 نيسان/أبريل 2025، هجمات قوات الدعم السريع على أكثر المدنيين ضعفًا، بما في ذلك مقتل 9 من عمال الإغاثة الممولين من الولايات المتحدة، الذين يقدمون مساعدات حيوية منقذة للحياة.

الأمين العام للأمم المتحدة: الفاشر تحت الحصار منذ أكثر من عام، مما يحرم مئات الآلاف من المساعدات

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن الفاشر تحت الحصار منذ أكثر من عام، مما يحرم مئات الآلاف من المساعدات الإنسانية.

وطالب في بيان، اليوم الأحد 13 نيسان/أبريل الجاري، بإيقاف الهجمات على المدنيين، وحماية موظفي الإغاثة الإنسانية والطواقم الطبية في السودان.

وأكد ارتفاع عدد ضحايا موظفي الإغاثة منذ اندلاع الحرب في السودان إلى أكثر من 90 شخصًا. وشدد على ضرورة تقديم منفذي الهجمات على المدنيين في السودان إلى العدالة.

وفي السياق، قالت كليمنتين نكويتا سلامي، منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، في بيان صدر يوم السبت: إن 100 مدني على الأقل قُتلوا في مخيم "أبو شوك" ومعسكر زمزم، اللذين يستضيفان أكثر من 700 ألف نازح، وأصبح العديد منهم الآن محاصرين بلا مأوى آمن.

بدوره، قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إن التقارير الواردة من مدينة الفاشر في دارفور عن مقتل مدنيين، بينهم عمال إغاثة، في هجمات عشوائية لـ"الدعم السريع"، هي تقارير "مروعة".

وأضاف لامي، في حسابه على منصة "إكس"، أن هجمات الفاشر تؤكد أهمية مؤتمر السودان المزمع عقده في لندن مع الشركاء الدوليين، داعيًا جميع الأطراف في السودان إلى الالتزام بحماية المدنيين.

دول عربية

أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها للهجمات التي تعرض لها مخيما زمزم وأبو شوك للنازحين في محيط مدينة الفاشر بشمال دارفور.

وقالت في بيان اليوم 13 نيسان/أبريل 2025، إن المملكة ترفض هذه الانتهاكات، وتشدد على ضرورة توفير الحماية للعاملين في المجال الإغاثي والإنساني.

كما أدانت مصر الهجمات على مخيم زمزم بمدينة الفاشر في السودان، وأكدت في "بيان" اليوم الأحد دعمها للسودان ولمؤسساته الوطنية، وأهمية احترام وحدة وسلامة أراضيه.

كذلك أدانت دولة قطر الهجمات ووصفتها بأنها انتهاك سافر للقانون الإنساني الدولي. وأكدت وزارة الخارجية القطرية على الحاجة الماسة لحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، وعلى ضرورة ضمان إيصال المساعدات الإنسانية.

نفي الدعم السريع

ونفت "قوات الدعم السريع" وقوع مجازر في مخيم زمزم، ووصفت الأنباء بأنها "ملفقة"، قائلة إن مقطع فيديو نُشر مؤخرًا يصور معاناة المدنيين، مفبرك من الجيش السوداني.

واتهمت "قوات الدعم السريع" الجيش السوداني، في بيان السبت 12 نيسان/أبريل الجاري، بتنظيم حملة إعلامية باستخدام ممثلين وفبركة مشاهد داخل المخيم لتجريمهم زورًا.

من جهته، قال مستشار قائد قوات الدعم السريع، إبراهيم مخير، لـ"الترا سودان": إن القوة المشتركة تحتمي بمعسكر زمزم للنازحين وتشن هجماتها على قواتنا، لذلك اليوم قواتنا سيطرت عليه وطردت الحركات والمجموعات المتحالفة معها.

وشدد مخير على أن قوات الدعم السريع لم ترتكب انتهاكات ضد السكان في مخيم زمزم، وقال إن قواتهم تلتزم بالقانون الإنساني الدولي، وتعمل على تحقيق مبدأ حماية المدنيين.

مستشار قائد الدعم السريع لـ"الترا سودان": القوات بعد أن أحكمت السيطرة على "قاعدة زمزم العسكرية"، ستعمل على إعادة الحياة إلى طبيعتها 

وأشار إلى أن ما وصفها بـ"الحملة الدعائية التي يروّج لها أنصار الجيش المهزوم"، الهدف منها "الإساءة إلى سمعة قوات الدعم السريع وصرف الانتباه عن الجرائم التي تمارسها كتائب الحركة الإسلامية المتحالفة معه ضد الشعب السوداني"، حد قوله.

وزعم إبراهيم مخير أن قواتهم بعد أن أحكمت السيطرة على ما وصفها بـ"قاعدة زمزم العسكرية"، ستعمل على إعادة الحياة إلى طبيعتها وتوفير الخدمات للنازحين.

حرب عرقية

وبدوره، كذّب الناطق باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى، اتهام قوات الدعم السريع بتواجد قواتهم داخل معسكرات النازحين.

وقال حسين لـ"الترا سودان": "ليس هناك سبب لوجود القوة المشتركة داخل معسكرات النازحين". وأضاف: ما يطلقه مرتكبو الإبادة الجماعية لا أساس له من الصحة، وهم يعلمون أماكن تواجد قواتنا وارتكازاتنا جيدًا.

 الناطق باسم القوة المشتركة لـ"الترا سودان": هزمنا المليشيا في أكثر من 200 معركة، لم تكن أيّ من هذه المعارك داخل معسكر للنازحين

وتابع: "هزمنا المليشيا في أكثر من 200 معركة، لم تكن أيّ من هذه المعارك داخل معسكر للنازحين". وقال إن مرتكبي "الإبادة الجماعية" يشنّون حربًا على أسس عرقية، ولا يفرّقون بين عسكري أو نازح، وينظرون للجميع بأنهم أعداء لهم.

مسألة استراتيجية

وبدوره، يرى الباحث والمختص في شؤون دارفور، ضرار آدم ضرار، أن هجوم قوات الدعم السريع على معسكرات النازحين مسألة استراتيجية.

وقال ضرار لـ"الترا سودان": إن هجوم قوات الدعم السريع على معسكر زمزم بدأ في فترة حكومة رئيس الوزراء السابق، د. عبد الله حمدوك، كمناوشات مع القوة المشتركة لحركة الكفاح المسلح، وكان هذا الهجوم بمثابة العداء المستتر بينهما، قبل حرب 15 نيسان/أبريل 2023.

وأضاف: بعد اندلاع الحرب في مدينة الفاشر في أيار/مايو 2024، نزح معظم سكان المدينة إلى معسكر زمزم باعتباره منطقة آمنة.

وأشار إلى أن الدعم السريع فكّر في الهجوم على زمزم، وظل يبحث عن مبرر موضوعي، من خلال تحريك منظمات موالية له، تعمل تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان. وأصدرت تلك المنظمات بيانًا في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، زعمت فيه أن القوة المشتركة لديها مجموعات مسلحة داخل زمزم.

مختص في شؤون دارفور: المنظمات الموالية للدعم السريع تعتقد أن المعسكر هو الرافد الأساسي للقوة المشتركة بالمقاتلين والمستنفرين

وأكد ضرار: بعد هذا البيان، هاجم الدعم السريع معسكر زمزم في الأول من كانون الأول/ديسمبر، ولم يكن ذلك مصادفة، وإنما عملية منسقة بين المنظمات والدعم السريع.

وقال إن المنظمات الموالية للدعم السريع تعتقد أن المعسكر هو الرافد الأساسي للقوة المشتركة بالمقاتلين والمستنفرين، وبالتالي فإن إفراغ المعسكر أمر استراتيجي حتى لا تجد القوة المشتركة مقاتلين.

وأوضح ضرار أن نحو 70% من سكان المعسكر ينتمون إلى قبيلة الزغاوة، وهذا يُعد مبررًا كافيًا للدعم السريع، الذي درج على استهداف بعض الإثنيات في دارفور، خاصة قبيلة الزغاوة.

ولفت آدم إلى أن المعسكر موصول ببعض المناطق في الاتجاه الجنوبي الغربي، ويُعد أهم عنصر في إمداد القوة المشتركة بالفاشر بالغذاء، لذلك أراد الدعم السريع قطع هذا الإمداد.