15-أكتوبر-2019

عبد الفتاح البرهان وسلفا كير (Voice of America)

انطلقت جولة المباحثات الرسمية بين الحكومة السودانية والجماعات المسلحة، بجوبا عاصمة جمهورية جنوب السودان جوبا يوم أمس الإثنين. وتعدّ جوبا المقر الأنسب لاستضافة المفاوضات، بحكم الميزات التفضيلية التي تمتلكها، خصوصًا ما تتمتع به من علاقات مميزة مع غالب الحركات المسلحة السودانية، بحكم العلاقات التاريخية التي تربط بينها، ومن واقع حرصها على عودة السلام والاستقرار للسودان الذي يشكل رئة إضافية لها. ويتمثل ذلك على مستوى النفط المشترك والتجارة الحدودية والاستفادة من موانئ السودان، وجميعها مصالح لن تتحقق لجنوب السودان إلا في حال استتباب الأمن في الجارة الشمالية والشقيقة الكبرى. كما لا يمكن إغفال عامل حاسم وأكثر أهمية لنجاح عملية السلام القادمة، هو أن غالب التيارات السودانية أصبحت تفضل جوبا على غيرها من العواصم العربية، رغبة منها في النأي عن الارتهان لمحور الثورة المضادة، الذي يسعى باستماتة لإجهاض عملية التغيير التي انتظمت في السودان بعد نجاح الثورة السودانية في الإطاحة بنظام الإنقاذ في نيسان/أبريل الماضي.

 ظل كير متمسكًا بترديد عبارة واحدة فحواها "أن استقرار جنوب السودان من استقرار السودان" نظرا للملفات العديدة الشائكة التي لا تزال تنتظر البلدين

اقرأ/ي أيضًا: كير: تحقيق السلام في السودان سيعود على جنوب السودان بالاستقرار

جاءت مبادرة رئيس جمهورية جنوب السودان سلفا كير، للتوسط بين الأطراف السودانية منذ فترة مبكرة من عمر الثورة في السودان، لتقريب وجهات النظر بين المجلس العسكري آنذاك وقوى الحرية والتغيير، إلى جانب أن الجماعات المسلحة السودانية كانت قد بدأت تتوافد إلى العاصمة جوبا، قبل فترة من بداية المشاورات التي اختتمت بالتوقيع على إعلان جوبا الإطاري بين المجلس السيادي السوداني وحركات الكفاح المسلح، والذي حددت فيه الأطراف أهم النقاط التي سيتم التركيز عليها في جولة السلام. وقد ظل الرئيس كير يؤكد في اجتماعاته مع قادة الحركات وممثلي الحكومة السودانية، بأن حرص جوبا على تحقيق السلام في السودان، نابع من نية مخلصة تجاه إيجاد حل جذري لكافة مشاكل السودان. كما ظل كير متمسكًا بترديد عبارة واحدة فحواها "أن استقرار جنوب السودان من استقرار السودان" نظرا للملفات العديدة الشائكة التي لا تزال تنتظر البلدين، وهو ذات المنحى الذي ذهب اليه رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، في ختام زيارته الأولى لجوبا الشهر الفائت بقوله "أن جوبا مؤهلة أكثر من غيرها لإحداث اختراق حقيقي في الملف السوداني بحكم العلاقة التي تجمعها بالعديد من الحركات، إلى جانب إلمامها الكبير بتفاصيل هذا الملف باعتبار أنها كانت جزءًا من الدولة السودانية حتى وقت قريب.

ويذهب في ذات الاتجاه الصحفي والمحلل السياسي المختص في الشأن الجنوب سوداني عمار عوض، الذي يعتبر أن جوبا لديها العديد من المميزات التي تجعلها أكثر العواصم أهلية لاستضافة مباحثات السلام السودانية. يقول عمار أن ذلك يعود "لما تتمتع به جوبا من إلمام بطبيعة دوافع الحرب التي كانت هي نفسها جزءًا منها حتى وقت قريب، كما تجمعها علاقات قوية جدًا مع رموز وقيادات الجماعات المسلحة، وهو ما ظهر في اختيار عبدالعزيز الحلو لجوبا لتكون مقرًا للتفاوض في الاتفاق الذي وقع مع حكومة السودان الشهر الماضي، كما أن جوبا هي العاصمة الوحيدة التي تجاور جميع أقاليم الحرب، التي تدور حول حدودها مع النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور، لذلك هي صاحبة المصلحة الأولى في وقف الحرب الجارية على حدودها لأنها تتأثر بها".

ويعول الكثير من المهتمين بقصية إحلال السلام في السودان، على دور جوبا كوسيط ومقر للتفاوض بين الأطراف السودانية، باعتبارها صاحبة مصلحة إيجابية لجهة إنجاح عملية السلام. كما أن جوبا ترغب في فتح مسار جديد للعلاقة بين البلدين، من واقع التغيير الذي قادت إليه الثورة السودانية، من خلال الدفع بالعملية السلمية خطوات للأمام كعربون لعلاقة جديدة تكاملية مع الحكومة الانتقالية الجديدة في الخرطوم، لذلك يبرز دور جنوب السودان كمنبر محايد، وصاحب مبادرة سابقة على جميع الدول التي تطالب باستضافة المفاوضات السودانية ومن بينها مصر.

 يرى مصطفى سري الحصفي المختص في الشأن السياسي بجنوب السودان، أن جوبا تعتبر اختيارًا موفقًا لاستضافة مباحثات السلام بين الأطراف السودانية، وذلك لأسباب جيوسياسية تتمثل في الحدود الطويلة التي تربط بين البلدين، والتداخل السكاني الكبير على تلك الحدود. يشير الحصفي أيضًا إلى الصلات الوجدانية اللصيقة بين شعبي البلدين، هذا إلى جانب عامل آخر مهم، يتمثل في تجربة الكفاح المسلح الطويل، الذي خاضه الجنوب سودانيون ضد الدولة المركزية في السودان.

اقرأ/ي أيضًا: تركة البشير البالية.. دولة موازية تؤرّق السوادنيين

ويضيف سري بالقول: "جوبا هي الأكثر تأهيلًا من غيرها لرعاية هذه المفاوضات، فهي تعرف قادة تلك الحركات أكثر من أي جهة أخرى، بل وحتى أكثر من بعض الساسة السودانيين. بقية العواصم الإقليمية لن يكون لها ذات الشواغل، وليست لها ذات العوامل المتوفرة لجنوب السودان، وأعتقد أن على الأطراف المترددة في اختيار جوبا، أن تتذكر حقيقة أن جنوب السودان كان حاضنة لهم في مواجهة البشير ونظامه، حتى قبل استقلال جنوب السودان، وإذا كانوا قلقين بشأن دعم تنفيذ اتفاق السلام فإن ذلك لا يقع على عاتق جوبا وحدها بل دول الإقليم والمجتمع الدولي بكامله".

تمتلك جوبا مؤهلات عديدة تجعلها قادرة على إحداث اختراقات حقيقية في الملف السوداني

ويتفق أجو لول، الصحفي والكاتب بصحيفة الوطن التي تصدر بالعربية في جوبا، مع ما ذهب إليه مصطفي سري حول القدرات التي تمتلكها جوبا والتي تؤهلها لإحداث اختراقات حقيقية في الملف السوداني، إذ يرى أن "الميزة الأساسية لجوبا والتي تجعلها أكثر قدرة على حل الأزمة السياسية في السودان، هي الرصيد الكبير من العلاقات التي يتمتع بها الرئيس سلفا كير لدى طرفي التفاوض، فقد كان الرجل جزءًا من الحكومة السودانية قبل الانفصال، إلى جانب خصوصية العلاقة بين شعبي البلدين، لذلك فإن المطالبات بنقل المباحثات من جوبا، تأتي بغرض خدمة أجندة بعض الدول التي لا تريد للثورة السودانية أن تحقق غاياتها".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مفاوضات جوبا.. نظرة عن قرب

مباحثات السلام السودانية الشاملة تنطلق اليوم في جوبا