05-يوليو-2022
البرهان

ما وراء خطاب البرهان الأخير

الأزمة الراهنة جاءت نتيجة تراكمات تاريخية ولم تكن وليدة اللحظة. كادت أن تتلاشى عقب انحياز القوات المسلحة للثورة الشعبية في نيسان/ أبريل من العام 2019م، ليبدأ ترميم العلاقة من جديد باستعادة الثقة وفق نهج جديد عقب الهتافات التي رددها المتظاهرون في اعتصام القيادة العامة "الجيش جيش السودان، الجيش ما جيش كيزان"، "جيش واحد، شعب واحد".

تأرجح العلاقة عقب سقوط نظام البشير والشعور بالغدر الذي تولد في النفوس، أحدث بونًا شاسعًا بين الشارع والمؤسسة العسكرية

لم تصمد تلك الثقة كثيرًا وسرعان من تأزمت الأوضاع بصورة أكبر عقب فض اعتصام القيادة الذي راح ضحيته آلاف الجرحى والقتلى والمعتقلين.

تأرجح العلاقة عقب سقوط نظام المخلوع عمر البشير والشعور بالغدر الذي تولد في النفوس، أحدث بونًا شاسعًا بين الشارع والمؤسسة العسكرية لتصل الأزمة مداها عقب انقلاب قائد الجيش البرهان في 25 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على الحكومة الانتقالية وما صاحب ذلك من قتل وعنف وانتهاكات ضد المتظاهرين زهاء التسعة أشهر الماضية لتخلق مرارات تاريخية تمثل فجوة جديدة تضاف إلى خيبات الماضي.

خلال الفترة الماضية، ظلت التظاهرات في حالة استمرار شبه يومي رغم الانتهاكات المستمرة التي مورست من قبل الأجهزة النظامية، إلى أن بلغت مداها في مواكب "مليونية 30 يونيو" التي راح ضحيتها تسعة شهداء وأكثر من (500) جريح – بحسب تقارير لجنة أطباء السودان المركزية. مع ابتكار أساليب جديدة للعمل المقاوم كإعلان الاعتصام وغيرها من الأدوات، لتفشل معه الأداة الأساسية التي كان يعول عليها لإخماد الحراك الثوري والمتمثلة في العنف والإرهاب.

https://t.me/ultrasudan

تسارع الأحداث في ظل واقع يزداد اشتعالًا كل يوم، قاد البرهان إلى تحسس خطورة المأزق وما ينتظره من مصير، ولأجل ذلك وحتى يجد لنفسه مكانًا ينزوي فيه عن تنازع الراهن وبعيدًا عن السيناريوهات المحتملة؛ قرّر أن يحتمي بالمؤسسة العسكرية ولو مؤقتًا من أجل ضمان تفويت حالة الاشتعال الثوري لكي يجد حاجزًا يمنع عنه مصير الملاحقة التي تنتظره حال خروجه من المشهد بأيّ شكل آخر.

لم يأت خطاب قائد الجيش بجديد لإنهاء الأزمة التي ازدادت تعقيدًا، وادعاء خروج المنظومة العسكرية من العمليّة السياسية مجرد حديث لا يمكن أن يجد من يصدقه، فالخروج يقتضي ذهاب الذين ورطوا المنظومة العسكرية في السياسة أولًا بالمحاسبة القانونية قبل كل شيء مع تقديم خطوات جادة من المؤسسة العسكرية تعيد ولو القليل من الثقة المفقودة، إلى جانب وقف العنف ضد المتظاهرين وإعادة كل القوات العسكرية والمليشيات وغيرها إلى الثكنات.

قد يرى البعض أن ثمة استجابة لبعض المطالب والشعارات التي ظل ينادي بها المتظاهرون، لكن الشعار الأبرز الذي قد يؤكد صدق ما ورد في الخطاب هو الاستجابة لتوحيد الجيش بعمليات نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج لكل المليشيات المسلحة مع استعادة المؤسسة المختطفة من قبل أفراد، ويلزم ذلك تحجيم العلاقات الخارجية الواسعة التي يقودها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وتواصله الشخصي مع الدول الأخرى، مع ضرورة اتخاذ قرار يعيد إلى القوات المسلحة هيبتها وعدم الزج بها في حروب لا علاقة لها بها، بسحب القوات السودانية من اليمن ومنع أيّ تواصل خارجي بعيدًا عن المؤسسة العسكرية لكي يُترجم قول قيادات القوات المسلحة المتكرر بأن الدعم السريع جزء من الجيش إلى فعل بمنع التواصل الفردي وتجريمه وفق القوانين.

عدم توفر الثقة يعني ضعف التعاطي الإيجابي مع الدعوات التي قدمها البرهان من قبل المتظاهرين وخاصةً لجان المقاومة؛ ففي ذاكرتهم المآسي التي حدثت، بل يعتبر بعضهم أن الخطوة لا تعد تعد سوى مؤامرة جديدة للإجهاز على الحراك الثوري الحالي مع الاستفادة من عامل الزمن لتفكيك قوى الثورة والانقلاب عليها مرةً أخرى ليتسنى للانقلاب الجديد ترتيب الأوضاع وإيجاد حاضنة تمثل درعًا واقيًا له في المستقبل.

أغفل الخطاب وضعية الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، الحركات التي لا تجد تصنيفًا محددًا لهويتها

كما أغفل الخطاب وضعية الحركات الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، الحركات التي لا تجد تصنيفًا محددًا لهويتها؛ فهل هي قوى عسكرية ويتم التعامل معها ضمن منظومة المكون العسكري أم تعتبر مكونًا مدنيًا فتعامل معاملة الأجسام المدنية، هذه من ضمن الإشكاليات التي تستوجب توصيفًا دقيقًا. وفي حال تعذر ذلك، فالأفضل أن تُصنّف وفق ما ورد في الاتفاقية نفسها، ما يعني ألا يكونوا جزءًا من الأزمة الحالية بشقيها المدني والعسكري.

  •   المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت".