أحدث استرداد مدينة ودمدني في العاشر من كانون الثاني/يناير الجاري اختراقًا مؤثرًا في بنية وعي الدعم السريع، تراءت ظلاله في حالة الإنكار والاستنكار الواسعة لجنود الدعم السريع والفاعلين الشبكيين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وإلقاء اللوم على القيادات العسكرية والميدانية، بينما رأى رهط وازن من المنتسبين لمشروع الدعم السريع خطأ التقديرات التي قادت إلى التوغل في ولاية الجزيرة ابتداءً، لجهة اتساع وتعقد الطبيعة الميدانية وشسوع مساحاتها وكثافة مدنها وقراها. ومن رأى أن الاتجاه غربًا كان سيكون أجدى مقروءًا ومقرونًا بإنشاء سلطة ذات سيادة على مجمل أقاليم دارفور وكردفان والنيل الأبيض، وبين من رأى أن الوجهة الاستراتيجية كانت تحتم الاتجاه شمالًا إلى مجتمعات "النخب النيلية" في ولايات نهر النيل والشمالية قبل الوصول إلى أقصى الشرق.
إزاء ما جرى من هزة شعورية وإدراكية غائرة حول ما ارتسم من صورة ذهنية لعنفوان الدعم السريع، محمولًا على روافع دعمه الإقليمي وكثافة إمداده بالبشر من الساحل الإفريقي ومناطق الحزام الرملي، وتدفق الأسلحة النوعية عبر مطارات الجوار، بات التنديد الصادر من آلته الإعلامية مسنودًا إلى مجتزأ خطاب محمد حمدان دقلو الأخير برد تقدم الجيش كله لعامل تفوق الجيش في أسلحة الطيران الحربي والطيران المسيّر
وإزاء ما جرى من هزة شعورية وإدراكية غائرة حول ما ارتسم من صورة ذهنية لعنفوان الدعم السريع، محمولًا على روافع دعمه الإقليمي وكثافة إمداده بالبشر من الساحل الإفريقي ومناطق الحزام الرملي، وتدفق الأسلحة النوعية عبر مطارات الجوار، بات التنديد الصادر من آلته الإعلامية مسنودًا إلى مجتزأ خطاب محمد حمدان دقلو الأخير برد تقدم الجيش كله لعامل تفوق الجيش في أسلحة الطيران الحربي والطيران المسيّر، وكأن قوات الدعم السريع تقدمت في مساحات كبيرة بفضل قوتها الذاتية وبمعزل عن تعهد دعمها الإقليمي المتواتر والمتواصل والمكثف في آن.
الخطوة القادمة
يرى الدكتور أحمد الماحي المحلل الاستراتيجي والأمني أن عملية استعادة مدني من ناحية عسكرية صرفة تتسق مع الخطة العسكرية المعتمدة، على مستوى محدداتها الاستراتيجية وتنزلاتها التكتيكية، وبرغم صمود القيادة أمام الرأي العام الضاغط لاستعجال استرداد المدينة، يعتقد الماحي أن القيادة شعرت بأهمية عودة ودمدني للشعب، وأن هناك استعجالًا لاستعادتها دون حاجة إلى إجراء تعديلات على الخطة، وأن شيئًا من التركيز قد حدث مثل الإحلال والإبدال في القيادات الميدانية.
ويشير المحلل الأمني إلى أن عوامل كثيرة ساعدت الجيش للوصول إلى أهدافه، أهمها التفاف الشعب وصبره على رؤيته لإدارة المعركة رغم كلفتها المباشرة عليه، فضلًا عن وضوح رؤية القيادة على المستوى السياسي والعسكري والدبلوماسي، الأمر الذي انعكس بنحو إيجابي على القادة العسكريين والجنود. أهم دور لقوات درع السودان بحسب الماحي هو جعل مساحات كبيرة من الجزيرة (أراضٍ صديقة) تحرك الجيش فيها بطمأنينة أكبر، وهذا قمة ما كان يرجوه متخذ القرار العسكري من أبو عاقلة كيكل.
محلل أمني: ثمرات إنهاء ملف مدني تجسد في حالة "الاستجمام" التي ستنعم بها متحركات الوسط والخرطوم بعد عمل شاق ومرهق لمدة عامين بلا توقف
ويذكر أحمد الماحي أن ثمرات إنهاء ملف مدني تجسد في حالة "الاستجمام" التي ستنعم بها متحركات الوسط والخرطوم بعد عمل شاق ومرهق لمدة عامين بلا توقف. كذلك ستجد بقية المتحركات سندًا من الأسلحة المتخصصة بتركيز أكبر من (الطيران، والطيران المسيّر، والمدفعية الاستراتيجية). الخطوة القادمة كما يرى الماحي للجيش لن تكون قفزة، وإنما إتمام للبناء وتجويد لأداء محاور دارفور وكردفان بإكمال النواقص العسكرية، وإعطاء دور ميداني أكبر للولاة وحكوماتهم لاستنفار مواطنيهم ضد التمرد.
وبخصوص التجليات السياسية للمعركة، يرى الماحي أن الجيش بوصفه حكومة أمر واقع وبفضل سيطرته على زمام الأمور عسكريًا ودبلوماسيًا لن يكون ميالًا للدخول في عملية سياسية أو تفاوضية كما كان في المشهد السابق (قولًا واحدًا). وهو قادر على بناء تحالفات لحاضنة جديدة تدير الوضع الانتقالي وله أن يفرض من يريد، غير أن نجاحه في إدارة ملف القوى المدنية المتحالفة مع التمرد هو المحك بين رأي عام ضاغط لتصنيفهم حاضنة سياسية للتمرد، ورغبة بعض الفاعلين الدوليين للتعامل معهم بوصفهم قوة مدنية ضمن العملية السياسية القادمة.
ثلاث معارك حاسمة
من جهة أخرى، قال الدكتور الفاتح الحسن المختص في النزاعات والمليشيات وقضايا الأمننة إن الجيش بعد أن أنجز عملية استرداد مدني، تبقت له ثلاث معارك فاصلة، أهمها كما يرى واقعة استعادة الخرطوم التي يجري الإعداد لها بصبر وإحكام. ويعتقد الفاتح أن الجيش استطاع منذ عملية العبور أن يسيطر على نقاط حاكمة، وأن يفصل بين المناطق ويباعد بين خطوط الإمداد لضرب منطق الفزع الذي تهرع إليه مليشيا الدعم السريع، بوصفها قوات هجومية خفيفة الحركة وسريعة الانتقال، تعتمد كثافة النيران والجنود ونصب الكمائن والالتفافات.
ويؤكد الحسن أن معركة تحرير الخرطوم التي انطلقت من محاور مختلفة ومتداخلة ضمن مساق عسكري واسع ومدروس شارفت على نهايتها، وأن معارك كردفان تجد حظها من تركيز قيادة الجيش لفتح خطوط الإمداد والحفاظ على خطوط أنابيب البترول وفك الحصار عن مدينة الأبيض، والتي تتداخل مع معارك جنوب كردفان التي يديرها الجيش مع قوات عبد العزيز الحلو.
مختص في النزاعات والمليشيات وقضايا الأمننة: معارك دارفور بمثابة دفن نعش الدعم السريع بعد أن أفلحت قوات الجيش، رفقة القوات المشتركة، في شل القدرات الهجومية لقوات الدعم والسيطرة على طرق الإمداد بفضل فعالية سلاح الطيران
ويعتبر الفاتح الحسن أن معارك دارفور بمثابة دفن نعش الدعم السريع بعد أن أفلحت قوات الجيش، رفقة القوات المشتركة، في شل القدرات الهجومية لقوات الدعم والسيطرة على طرق الإمداد بفضل فعالية سلاح الطيران. ويرى المختص في أمر النزاعات المسلحة والمليشيات أن حيال تقدم الجيش المثابر والمكثف ستنسحب قوات المليشيا إلى تشاد أو جنوب السودان أو معسكرات حفتر بليبيا.
ويؤكد الفاتح الحسن أن الجيش بنى استراتيجيته على الحسم الشامل وإيصاد باب التفاوض حال تمكنه من فرض الأمر الواقع واستعادة سيطرته على زمام الأمور، مع استنهاض المجتمعات للدفاع عن مناطقها والإطباق على المليشيا من كل صوب ومحاصرتها إعلاميًا وسياسيًا ودبلوماسيًا. ولن تسمح القيادة العسكرية للجيش أن تعيد المليشيا تموضعها من جديد عبر التفاوض هي وظهيرها السياسي، بعد الاختراقات الميدانية والانتصارات المتوالية عليها بسبب مضاغطات الرأي العام المتضرر من سلوكها خلال عامين من عمر الحرب وانتهاكاتها المروعة في حق المدنيين وتدمير أبنية الدولة والتخريب المتعمد للحواضر والمدن مصحوبًا بعمليات التقتيل والتنكيل والإذلال. ويعتقد الفاتح الحسن أن أي انخراط في تفاوض مع الدعم السريع سيقابل شعبيًا بالرفض ويقود إلى انتحار سياسي مؤكد.
مسار استرداد الخرطوم
وعلى ذات السياق، يرى دكتور حسن حسين قاسم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزيرة، أن تحرير مدينة ود مدني ألقى بظلال كثيفة على معركة الخرطوم وتغيير المعادلة الميدانية لصالح الجيش بعد التقاء متحركات الجزيرة وسنار والفاو في مدني والتحرك شمالًا، مما يشكل نواة لجبهة كبيرة تمتد على مساحات جغرافية واسعة من شمال مدينة الأعوج على النيل الأبيض وحتى منطقة الذاكرين بالمناقل في ولاية الجزيرة. وبموازاة ذلك، يتكون رافد كبير على مسار شرق الجزيرة من منطقة تمبول وحتى ود أب صالح في شرق النيل، وتنشط فيه قوات درع السودان والجيش، وهو بحكم الطبيعة المكشوفة ستكون الغلبة فيه للجيش لتفوقه في سلاح الطيران وخبرته في إدارة مناورات حربية وتكتيكات قتالية فاعلة.
ويعتبر حسن حسين أن السيطرة على ود أب صالح، بوصفها نقطة استراتيجية تربط شرق النيل بالبطانة ونهر النيل وحلفا الجديدة، ستمكن الجيش في مقبل الأيام من محاصرة الدعم السريع والإطباق عليه، متوقعًا تحقيق انفتاح كبير والتقاء جيش العيلفون من المتحركات المتدفقة عبر هذا المسار المهم، بحسب وصفه.
ويعتقد الدكتور قاسم أن التطورات المتلاحقة بمحور شمال بحري واستعادة مصفاة الجيلي، على ما يعترضه من عوائق، سيكون له أثر كبير في التقدم نحو سلاح الإشارة - الذي يمضي بخطى حثيثة - والسيطرة على أحد أهم النقاط الحاكمة في بحري وتأمين ولاية نهر النيل، وكذلك قطع أي خطوط إسنادية وإمدادية من شمال بحري، فضلًا عما سيحققه من إنهاك لعناصر الدعم السريع المتمركزة والمتحصنة بمصفاة الخرطوم، وهو رهان مهم ضمن هدف القضاء على القوة الصلبة التي استنزفت وتبددت بفضل خطط الجيش الفعالة. بالإضافة إلى الحفاظ على المصفاة باعتبارها موردًا مهمًا للدولة السودانية ليس من السهل تعويضه في ظل تحول المليشيا إلى تدمير أبنية وأصول ومقدرات الدولة بسبب فشلها العسكري المتوالي في كل المحاور.
ويرى حسن حسين أن محور أمدرمان، على ما تم فيه من اختراقات كبيرة ومؤثرة، ينتظره عمل متواصل، سيما في جنوب وغرب أمدرمان وعلى امتداد مناطق دار السلام وسوق ليبيا والصالحة حتى المويلح، والتي ينتشر فيها الدعم السريع، بحسبان أهميتها القصوى كمعبر لولايات دارفور وكردفان، مشيرًا إلى ضرورة تحييدها تمامًا لصالح معركة الخرطوم الكبرى. ومؤكدًا في الآن نفسه أن انتشار الدعم السريع الواسع دون سيطرته على أقاليم دارفور وكردفان وحتى تخوم النيل الأزرق وشندي والقضارف، يُقرأ كمهدد أمني أكثر من كونه مهددًا عسكريًا، ما انعكس بصورة سالبة عليه وتبدد مع تقدم الجيش الواثق والمدروس والمخطط له.
أستاذ علوم سياسية: سيفسح الجيش لقوات الدعم السريع المتواجدة بجنوب وغرب أمدرمان المجال للانسحاب دون عتادها العسكري إلى دارفور وكردفان
ويرجح أستاذ العلوم السياسية أن يفسح الجيش لقوات الدعم السريع المتواجدة بجنوب وغرب أمدرمان المجال للانسحاب دون عتادها العسكري إلى دارفور وكردفان، موضحًا أن كثيرًا من المكونات الأهلية باتت على قناعة بفشل مشروع الدعم السريع، وسارع جزء منها، بحسب متابعاته، للتواصل مع الدولة بغرض الانفضاض عن المليشيا والانضمام لركب الدولة.
ويرى حسن حسين أن كثافة المتحركات التي ستشارك في معركة الخرطوم من شأنها أن تعيد زمام الأمور لسلطة الدولة في وقت وجيز، وأن الهزيمة التي ألحقت بالدعم السريع لا تُقرأ فقط في تقدم الجيش عبر المحاور منذ عبور الجسور، وإنما في اتجاه الدعم السريع لحرب المسيّرات وخلق الفتن عبر استثارة النعرات العنصرية والزعم بتعرض مجتمعات الكنابي لإبادة، ثم التطرق بكثافة لموضوع الجنوبيين، وهي موضوعات مختلقة ومصنوعة.
ويذهب الدكتور قاسم إلى أن محور كردفان ودارفور سيشهد تغيرات كبيرة واختراقات مؤثرة، بدءًا بتقدم متحرك الصياد لفك الحصار حول الأبيض. ويعتقد المختص في الجيوش والمليشيات أن الربع الأول من العام الحالي ستنتقل فيه الأحداث لإدارة المعارك من الأبيض والفاشر لتحرير كامل كردفان ودارفور وهزيمة الدعم السريع بصورة ناجزة، ليس بوصفه قوة اجتماعية تحمل طموحات سلطوية، وإنما باعتباره مخلبًا للقوى الإمبريالية الفرعية التي تقودها الإمارات وتوظف فيها دول الجوار.
معركة الخرطوم الكبرى
من جهة أخرى، أعرب مصدر أمني آثر حجب هويته أن معركة الخرطوم لم تتوقف، وهي جارية على عدة محاور ومستويات، مبيّنًا أن الخرطوم الكبرى، بحسبانها عاصمة السودان، لم تسقط عسكريًّا في قبضة الدعم السريع لجهة صمود كامل القيادة العامة للجيش واستبسال أهم الأسلحة، كسلاح المدرعات بالشجرة، وسلاح الإشارة بالخرطوم بحري، وسلاح المهندسين بأمدرمان، فضلًا عن قاعدة وادي سيدنا العسكرية بمنطقة كرري.
وأشار إلى أن ثمة معسكرات ظلت ترفد مقرات الجيش المفصلية بمدد متقطع وعلى فترات متباعدة، مثل المدد الذي وصل من حطاب للقيادة وحسّن موقفها القتالي، مشيرًا إلى أن الاستراتيجية العسكرية المتبعة بنحو عام تتراوح بين صرامة الإحكام ودقة التنفيذ ومرونة السيناريوهات ورصد كافة الاحتمالات ومعالجتها ضمن الخطة. ومن ذلك أن الجيش لم يشأ أن يضرب جسر شمبات لما يمثله من خسارة في مقدرات الدولة، ولكن حال انقطاع الجسر هجمت قوات الدعم السريع على جبل أولياء في اليوم الثاني واستولت على الخزان والكبري لتعوض به – على ضيقه – خسارتها الفادحة بخروج جسر شمبات عن الخدمة.
ومع أن جسر شمبات أسهم في تأمين ما حدث من تقدم في أمدرمان، إلا أنه أفقد الجيش نقطة حاكمة مثل منطقة جبل أولياء، وهي من الأهمية بمكان. ويشدد المصدر الأمني على أن قاعدة جبل أولياء كانت ستخفف الضغط على المدرعات التي تعمل بخطى ثابتة لتوسيع نطاقها الحيوي، وكانت ستحصر المعارك في نطاق ولاية الخرطوم عوض التوغل الذي حدث في شمال ولاية النيل الأبيض.
وفي سياق موصول، يشير ذات المصدر إلى أن استرداد المصفاة، إذا حدث، سيفتح الطريق لتدفق الجيوش والالتقاء في القيادة العامة بعد فك الحصار عن سلاح الإشارة، الذي بات قاب قوسين أو أدنى، ومن ثم بداية انطلاق معركة تحرير الخرطوم وتطهير القصر الجمهوري ومؤسسات الدولة بشارع النيل، مؤكدًا أن هذا المسار، على ما تحفه من تعقيدات، يمضي بصورة حثيثة ومثابرة، برغم المقاومة الشرسة التي تبديها عناصر النخبة من الدعم السريع في المصفاة وفي جنوب بحري على تخوم سلاح الإشارة، ورغم ما يجري من إعاقة لتقدم محور المقرن بسبب كثافة التحصينات وانتشار القناصة، وهي واحدة من التعقيدات المتصلة بحرب المدن.
مصدر أمني: الجيش اجترح استراتيجية التقاء الجيوش، باعتبارها المقابل الموضوعي والمنطقي لإبطال مفعول الفزع، الذي بدا أول الأمر فعالًا ومتسقًا مع رهانات الدعم السريع، الذي انتقل من فعل الانقلاب إلى المعركة الخاطفة، إلى تقويض المركز من داخله، إلى الإحاطة برئاسات الفرق والأسلحة داخل العاصمة، ثم خارج الولايات، والانتهاء إلى التراجع والانهزام
ويجزم المصدر أن الخرطوم في حكم المحررة، لأنها لم تسقط ابتداءً، ولأنها أنجزت عبر خططها واستراتيجياتها إبطال مفعول الفزع. ويمضي المصدر إلى تأكيد تحقيق مطلوبات الخطة بشكل متساند، وأهمها فك الحصار عن القيادة العامة، واسترداد المؤسسات، وإزالة خطر قوات الدعم السريع، وتحرير الأسرى من الضباط والمدنيين، وتسهيل عودة المواطنين إلى منازلهم، واستئناف حياتهم ووجوه كسبهم ومعاشهم.
يختتم المصدر قوله بأن الجيش اجترح استراتيجية التقاء الجيوش، باعتبارها المقابل الموضوعي والمنطقي لإبطال مفعول الفزع، الذي بدا أول الأمر فعالًا ومتسقًا مع رهانات الدعم السريع، الذي انتقل من فعل الانقلاب إلى المعركة الخاطفة، إلى تقويض المركز من داخله، إلى الإحاطة برئاسات الفرق والأسلحة داخل العاصمة، ثم خارج الولايات، والانتهاء إلى التراجع والانهزام في محاور كثيرة في أواسط السودان وغربه، بعد أن نفذ الجيش خطط الدفاع بنسبة كبيرة، وتحوله إلى الهجوم برؤى مدروسة تتسق مع طبيعة المعركة بوصفها عدوانًا إقليميًا بأدوات محلية.
مع انتشار تقارير متطابقة، تشير إلى انسحابات كبيرة قامت بها قوات الدعم السريع في الخرطوم بغرض إعادة التموضع، وزيادة التحصينات حول المواقع الملتهبة، أو بسبب الهروب باتجاه الغرب، ومع علو نبرة النقد الصادر من أصوات وازنة داخل مشروع الدعم السريع، بضرورة مقاتلة الدولة السودانية بكامل إمكانات دولة تنشأ في مناطق سيطرة الدعم بغرب السودان، تبدو معارك الخرطوم في تجلياتها الجزئية عبر انفتاح المسارات، ومسار الانفتاحات في طريقها نحو النهاية بتحرير كامل في المدى القريب المنظور.