مجتمع

ماذا يقرأ أطفال السودانيين في المهاجر والمغتربات وماذا يشاهدون؟

11 أبريل 2025
طفلة تستطلع كتب لمكتبة الأستاذ دهب.jpg
طلة تستطلع الكتب (أرشيفية)
عبدالرحيم حمدالنيل
عبدالرحيم حمدالنيلكاتب من السودان

داخل هذا العالم المتشابك والمعقَّد، الذي غمر الاستهلاك المتوحش فيه حياة الناس، ماذا يقرأ أطفالنا السودانيون في المهاجر والمغتربات المختلفة، وماذا يشاهدون، وماذا يسمعون؟ هل ثمة إنتاج مقروء ومسموع ومرئي باللهجة السودانية موجه لأطفالنا الذين يعيشون في بيئات وثقافات بعيدة عن ثقافتهم الأم؟ كيف يواجه الآباء والأمهات معضلة العيش في المغتربات والمهاجر وتنشئة أطفال دون توفُّر مصادر تربط أبناءهم بثقافتهم ولهجتهم، وتوفِّر لهم معلومات وجرعات ثقافية مناسبة لئلا ينشؤوا في حالة تغريب ثقافي وفكري؟

الطفل السهم

الدكتور التشكيلي والكاتب حسن موسى المقيم بفرنسا؛ يقول لـ"ترا سودان": "أظن أن العالم متشابك ومعقد منذ بدء الخليقة، ولكن قلقك على (أطفالنا السودانيين؟) في محله كونه ينبِّهنا لمشكلة جديدة لم تكن في حسباننا قبل مغادرة هذا المكان الذي تواضعنا على تسميته بـ(الوطن)، وصنعنا له علمًا وصنعنا للعلم نشيدًا يصدح به الأطفال (نحن جند الله جند الوطن) في مجتمع التعدد الثقافي الذي يفيض عن سعة أفق عبدة الله".

د. حسن موسى: أظن أن قدرة الأطفال على التأقلم مع الواقع الثقافي الجديد تفوق قدرة الآباء والأمهات

 

ويضيف التشكيلي حسن موسى: "أنا أضع صفة (السودانيين) بين الأهلة ووراءها علامة استفهام كبيرة لأن هذه الصفة تتزعزع وتنمحق بفعل عوامل التباعد الإجباري عن دفء العشيرة السودانية. في البداية نعرّف أطفالنا الذين في المهاجر بأنهم اطفال أشخاص سودانيين لكنهم سرعان ما يتأقلمون مع بيئة المهجر كـ(وافدين) أو كـ(مهاجرين) أو كـ(نازحين) أو كـ(متطفلين) بدون أوراق أو كـ(غير قانونيين) (إيليقال)، وغير ذلك من أسماء العصافير التي يطلقها عليهم (السكان الأصليون) في المهاجر.

ويردف قائلاً: "أظن أن هجرة السودانيين قريبة في تاريخنا المعاصر، ذلك لأن الحياة في السودان لم تكن تشجع الناس على الهجرة قبل سبعينيات القرن العشرين. وفي طفولتنا كنا نسمع بهجرة النوبيين لمصر للعمل، وكانت تلك الهجرة لمصر مسببة بالعلاقات التاريخية التي ربطت النوبيين بمصر".

ويتابع الدكتور حسن موسى: "لكن أهل وادي النيل الأوسط كانوا يهاجرون ويستقرون داخل السودان غربًا وشرقًا وجنوبًا ويجدون في الأرض متسعًا، نفس المتسع الذي وجده الوافدون من غرب أفريقيا في السودان (للعمل في مشروع الجزيرة أو جنوب شرقي النيل الأزرق)".

ويضيف: "بعد الستينيات حصلت ظروف جديدة دفعت الناس للهجرة من الجنوب بسبب الحرب. ثم دخلت الأزمة الإقتصادية العالمية السودان في منتصف السبعينيات، وتعسرت سبل كسب العيش في السودان (كما في غيره من بلدان الجنوب)، ثم ازداد الطين بللًا بسبب التصحر والجفاف الذي ضرب أقاليم الغرب والشمال، ففقد الرعاة قطعانهم والزراع أراضيهم، وخبر السودانيون المجاعات في البلد الذي كان يحلم بأن يكون (سلة غذاء الشرق الأوسط).

ويقول دكتور حسن موسى: "في منتصف السبعينيات عرف السودانيون الهجرة بكثافة غير مسبوقة إلى بلدان البترول (السعودية والخليج وليبيا)، بينما هاجرت القطاعات المتعلمة لمجتمعات أوروبا وأميركاـ وخلال نصف القرن الماضي خبر السودانيون تجربة الهجرة على مدى جيلين أو ثلاثة، وشهدوا أطفالهم يتأقلمون مع ثقافات ولغات مجتمعات المهجر، ثم هبطت عليهم تجربة الحرب في كل أنحاء البلاد فغادروا ديارهم في عجلة وفي شقاء غير مسبوق".

ويتساءل دكتور حسن موسى: "ماذا نصنع بكل هذا الشقاء الجديد؟ وكيف نخارج عيالنا من عواقب هذه التحولات الكبيرة؟"، ويجيب قائلًا: "أظن أن قدرة الأطفال على التأقلم مع الواقع الثقافي الجديد تفوق قدرة الآباء والأمهات، ربما لأن ذاكرة الأطفال أقصر من ذاكرة الكبار، وربما لأن الأطفال يقبلون الواقع الجديد بعفوية ويسارعون بالاندماج فيه بروح براغماتية".

ويواصل: "ربما لأن الأطفال هم الغرباء بالأصالة و(طوبى للغرباء).. مرة قرأت قولة للشاعر جبران خليل جبران في "النبي" يقول فيها (أولادكم ليسوا أولادًا لكم، إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، فهم بكم يأتون للعالم ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم. فهم ليسوا ملكًا لكم، فأنتم تستطيعون منحهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكارهم الخاصة، أنتم الأقواس وأولادكم سهام حية قد رمت بها الحياة من خلال أقواسكم"ـ

ويردف: "فتنتني فكرة (السهم الحي) الذي يملك أن يغير(أو لا يغير) اتجاه المسار الذي اختاره الرامي، لأن هذا الطفل السهم يملك إرادته، إنه سهم ذو سيادة فردانية لا تطيق اتباع خطة الرامي و لو كان والده".

يتابع الدكتور حسن موسى: "أذكر أننا في منتصف التسعينيات تعرفنا على أسرة أميركية فرنسية مكونة من توني (الأمريكي) و مونيك (الفرنسية) وأطفالهما الذين كانوا في عمر أطفالنا. في لقاءاتنا لاحظت أن أطفالهما يتحدثان الفرنسية بعفوية لكن توني كان يصر على مخاطبتهما بالإنجليزية وينتظر منهما أن يبادلاه الحديث بالإنجليزية، بل ويوبخهما حين لا يردان عليه بالإنجليزية. مرة سألني توني لائمًا:ـ "يا حسن لماذا لا تخاطب أطفالك بالعربية، لغتك الأم؟ قلت له إننا نعيش في فرنسا والأطفال يقضون كل وقتهم مع الناطقين بالفرنسية، وأنا لا أرغب في أن أخاطبهم بلغة يتحدثانها معي أنا فقط لأنها ستكون لغة فقيرة ومصطنعة، لكن لو رغب أطفالي في تعلم العربية أو الصينية فسأفعل كل ما في وسعي لمساعدتهما على تعلم اللغة التي يريدون".

ويختم قائلًا: "في ذلك الوقت لم أكن أتصور أن ابني سيتعلم اللغة الصينية وسيعيش في الصين ليستخدمها أكثر من الفرنسية لغته الأم. ومن هناك كنا، أنا وأمه، نساعده في تعلم العربية بالمراسلة".

دورة الأب والطفل

الشاعر والروائي محفوظ بشرى المقيم بالإمارات العربية المتحدة يقول لـ"الترا سودان": "أظن أن هناك ثقافة عالمية عابرة للحدود تطبع الكثير من الأطفال لاسيما من هم في سن أقرب إلى سن المراهقة - ومنهم السودانيون - بطابعها الخاص وتؤثر بهم بقوة، مما يجعل هؤلاء الأطفال أشبه بمستنسخات من نموذج ثقافي/ مظهري واحد برموز عابرة للحدود واهتمامات تستند على المانغا والأنمي والفرق الغنائية الآسيوية وغيرها. لكن، هل يعني ذلك أن علينا القلق؟ ولمَ؟".

ويتابع محفوظ: "معلوم ضمنًا أنه عندما يتعلق الأمر بأطفالنا فنحن نميل غريزيًا إلى فرض رؤانا وطرقنا للعيش عليهم، وبشكل ما خارج الوعي نعمل بدأب على صنع نسخ منا فيهم، وقولبتهم للاستجابة لنموذجنا عن الصلاح والنجاح، نحن نحاول دائماً إخضاعهم لمعتقداتنا منكرين عليهم اختياراتهم، ومتجاهلين حقيقة مرّة، وهي أنهم يعيشون وفق شرطهم الزمكاني وليس شرطنا نحن. ومهما حاولنا إعدادهم وفق تصوراتنا عن العالم لينجحوا فيه، فإن لهم عالمهم الذي لا تنطبق عليه هذه التصورات ولا تصلح للتعامل معه الأدوات التي نريد تزويدهم بها."

يواصل محفوظ قائلاً: "هذا يعيدني إلى مقولة (تغريب ثقافي وفكري) التي وردت في سؤالك، ومحاولتك (حماية) أطفالنا من (الآخر) المختلف بربطهم بجذور وأصالة مفترضة، تتعلق ببيئة فارقوها مكانيًا باغترابهم ومن ثم صاروا أكثر عرضة للمؤثرات الثقافية العالمية التي تجتاح الكوكب في ظل الوفرة التكنولوجية وسهولة التواصل المتاحة لهم نسبياً أكثر ممن هم في (الداخل) الأقل تطورًا أو الأكثر (محافظة) أو فلنقرأها (الأكثر سيطرة على الأطفال وتوجيهًا وقهرًا لهم).

ويضيف: "هذا التعبير (تغريب ثقافي وفكري) هو في رأيي إفصاح كامل عن مخاوف كثير من الآباء، هي مخاوف قد تدفعهم لمحاولات إجبار مختلفة لأطفالهم والتحكم فيهم (من أجل مصلحتهم) كما يقال، من أجل اختيار طريقة عيش مناسبة أكثر للآباء وليس للأبناء، ففي النهاية تستجيب طرق العيش للبيئة بطريقة ديالكتيكية، ومن الصعب أن تنجح محاولات ربطهم بجذور وأماكن هي خارج المتخيل الملموس، وجعلهم يشبهون أندادهم في مكان خيالي لا ينتمون إليه حقاً ولم يعيشوا فيه".

محفوظ بشرى: عندما يتعلق الأمر بأطفالنا فنحن نميل غريزيًا إلى فرض رؤانا وطرقنا للعيش عليهم

 

يتابع محفوظ: "أنا أتفق معك في أهمية محاولة حمل الأطفال على القراءة، ليس قهرًا بالطبع، وليس لأسباب هويوية مباشرة تغذي حرب الثقافات وتصادماتها الفجة، ولكن من أجل منحهم فرصة لمقاومة عطل الخيال جراء سجنه في الصور الجاهزة التي باتت الوسيط المفضل لديهم في هذا الزمن لتلقي المعلومات، لئلا يضمر خيالهم فينسجنوا في خيال أحادي لصانع محتوى أو مخرج ما قرر أن يحمل وجهًا محددًا الصورةَ الوجودية الكاملة لشخصيةٍ في كتاب دون منح القارئ فرصة أخرى ليتخيله كما يشاء، يتخيل صوته وسمته وحركاته كما يريد".

يختم محفوظ بشرى قائلًا: "لكل ذلك، لست قلقًا وأنا أرى كيف يتأقلم الأطفال من حولي مع تغيرات الزمن بمرونة لا أملكها، فبرغم أن الفجوة بيننا وبين آبائنا لم تكن بهذا الاتساع مثلما هي الحال بيننا وبين أبنائنا؛ فإننا كنا في نظرهم معرضين أيضًا لـ(تغريب ثقافي وفكري) عبر التلفزيون والبث الفضائي في بداياته، وأشرطة الفيديو وأسطوانات الـ CD والكتب والروايات الجديدة، بينما كانوا مجتهدين يحاولون حملنا على قراءة كتب كنا نراها مملة في اللغة والتاريخ والتراث. إنها الدورة نفسه الآن تحدث، وردود الأفعال والمخاوف نفسها تعيد نفسها مثلما ظل يحدث في كل الحقب".

الكلمات المفتاحية

أم روابة

أم روابة..عودة لمشاهد الانفلات

 الاستقرار لم يدم طويلًا، ففي الأسابيع الأخيرة، عادت مشاهد الترويع إلى مدينة أم روابة


حاج سوداني

أزمة وسط حجاج السودان ورواية حكومية تتهم جهات بالتضليل

ليس من المعتاد أن يمر موسم الحج بالنسبة للسودانيين، منذ سنوات طويلة، دون أن يثير استياء الرأي العام جراء الشكاوى من الإهمال في خدمات الإعاشة والسكن والنقل، من السلطات الحكومية السودانية المشرفة على الحجيج


بورتسودان- الجزيرة نت.jpg

الفريشة فريسة.. حملات المحلية تُضيق الخناق على الفريشة والباعة الجائلين في بورتسودان

منذ مطلع أيار/مايو، تقود المحلية حملة واسعة تستهدف "الفريشة" والباعة الجائلين و"ستات الشاي". ويشهد سوق بورتسودان هذه الأيام حالة من التوتر والقلق في أوساط هؤلاء الباعة، في ظل حملات مكثفة تنفذها المحلية بالتعاون مع اللجنة الأمنية، تستهدف إزالة البسطات ومصادرة البضائع


العطش في كردفان

الموت مقابل الماء.. الخوي بين الدعم السريع والقوة المشتركة

منذ دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة الخوي بولاية غرب كردفان، تحوّلت حياة سكان القرى الواقعة شمال المدينة إلى جحيم يومي، فبينما كانت هذه المناطق تعتمد بشكل شبه كامل على المدينة لجلب مياه الشرب، أدى الوضع الأمني المتدهور إلى قطع هذا الشريان الحيوي

حملة التطعيم ضد الكوليرا
أخبار

تقدّم في حملة تطعيم الكوليرا بالخرطوم وسط دعوات لزيادة الإقبال

بلغت نسبة التغطية التراكمية لحملة التطعيم ضد مرض الكوليرا في خمس محليات بولاية الخرطوم 29% خلال الأيام الثلاثة الأولى من انطلاق الحملة، بحسب ما أعلنت الغرفة الاتحادية لحملة التطعيم، وهي النسبة المستهدفة للفترة نفسها. وتستمر الحملة، التي تستهدف 12 وحدة إدارية، حتى الخميس المقبل الموافق 19 حزيران/يونيو الجاري.

مركبات الدعم السريع
أخبار

الدعم السريع: أسقطنا طائرة مسيرة بعيدة المدى في نيالا

قالت قوات الدعم السريع إنها أسقطت طائرة مسيرة "طويلة المدى وعالية الحمولة" حلقت في سماء نيالا بولاية جنوب دارفور، مساء الجمعة، 13 حزيران/يونيو 2025.


لوحة (فان جوخ)
ثقافة وفنون

شجرة الحوصلة

وصلنا إلى البيت المنشود بعد حلول الظلام بقليل. أبهرتني فخامة البنيان، فلم أكن أتوقع في كل الأحوال أن الرجل الذي يقصده صديقي عمر للاستعانة بقدراته يسكن في قصر بهذا البهاء.

مطار مروي.jpg
أخبار

أمر طوارئ بتعديل ساعات حظر التجوال في الولاية الشمالية

أصدر والي الشمالية الفريق ركن عبد الرحمن عبد الحميد إبراهيم، أمر طوارئ، بتعديل ساعات حظر التجوال للأشخاص والمركبات في الولاية، لتبدأ من الساعة العاشرة مساء حتى الساعة الخامسة صباحًا.

الأكثر قراءة

1
مجتمع

أم روابة..عودة لمشاهد الانفلات


2
أخبار

الخارجية السودانية تدين الهجمات الإسرائيلية على إيران


3
أخبار

مقتل مواطن في أم درمان يجدد المخاوف الأمنية وسط السكان


4
أخبار

"الدعم السريع": نطلق النداء الأخير لتأمين خروج سكان الفاشر


5
أخبار

سليمى إسحاق لـ"الترا سودان": وثقنا 1385 حالة اغتصاب منذ اندلاع الحرب