ماذا تريد قوات الدعم السريع من السودانيين؟
3 مارس 2025
منذ أول طلقة في حرب 15 نيسان/أبريل في السودان، تتناقض خطابات قوات الدعم السريع وأفعالها، حتى ليخال المرء أن هذا الأمر من قبيل الهزء والسخرية. فبينما تقدِّم الآلة الإعلامية الجبارة لهم سردية الحرب على أنها حرب من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتستهدف انتزاع السُلطة من الإسلاميين وفلول النظام البائد ومنحها للشعب والقوى السياسية ليكون الحكم مدنيًا ديمقراطيًا، كانت قواتهم تحتل المنازل في الخرطوم، تقتل المواطنين، تغتصب النساء، تنهب السيارات والذهب وكل ما خف وزنه وغلا ثمنه، تعتقل المواطنين بتهمة أنهم يتبعون لاستخبارات الجيش.
كانت وسائط التواصل تواصل نشر خطابات المليشيا، التي تتحدث عن فلول النظام السابق والديمقراطية، بينما قواتها تسرق "الديمقراطية" من بيوت المواطنين
لم تلبث المليشيا كثيرًا حتى ابتدأت بحملات قتل وتصفيات واعتقالات عشوائية لمواطنين بدأوا في الهرب من جحيم الحرب ومآلاتها، مستقلين سياراتهم باتجاه الولايات الأخرى. لكن قوات المليشيا، التي انتشرت في نقاط ارتكاز كثيفة على كافة الطرق بالعاصمة القومية، كانت قد بدأت في تصفيات عشوائية؛ كل من لم يعجبهم ردّه أردوه قتيلًا. صادروا سيارات الدفع الرباعي من المواطنين، اعتقلوا الكثيرين، وحين بدأ طيران الجيش في مطاردتهم، اقتحموا بيوت المواطنين احتماءً من قصف الطيران.
هروب المواطنين
انتشر الهلع بين الناس، فتدافعوا إلى الخروج قبل أن تداهمهم المليشيا في منازلهم، بعد انتشار أخبار الانتهاكات المروعة وفيديوهات توثق اغتصاب مجموعة منهم لنساء. أخلى كثير من المواطنين منازلهم وبدأوا رحلة النزوح، التي ستستمر وتتغير كل مرة نحو منطقة مختلفة.
كانت وسائط التواصل تواصل نشر خطابات المليشيا، التي تتحدث عن فلول النظام السابق والديمقراطية، بينما قواتها تسرق "الديمقراطية" من بيوت المواطنين. وكانت بنادقهم الآلية الحديثة تحصد أرواح الناس بديمقراطية فائقة.
بدأ المواطنون في الهرب من الأحياء والمناطق التي تقع تحت سيطرة المليشيا؛ للنجاة بأرواحهم، تاركين منازلهم وممتلكاتهم التي استباحتها جحافل المليشيا. فسكن المقاتلون في شقق وفيلات ومنازل المواطنين، طردوا من وجدوهم بها، واحتلوا ما وجدوه فارغًا، مستخدمين المكان كمنصات للحرب؛ إذ أطلقوا المدافع والرصاص من أسطح المنازل، حيث ارتكز قناصوهم.
كبرت المفارقة؛ يهرب المواطنون من قوات تقول خطابات غرفها الإعلامية إنها قادمة لحمايتهم من الإسلاميين وتسليم السلطة للمدنيين، دعم الديمقراطية، وحكم الشعب. بالمقابل، تهاجم القوات الإنسان السوداني على إطلاقه، تطارده، تسحله، تعتقله، وتصفيه بعبثية مريعة. يوثق أفراد المليشيا انتهاكاتهم بأيديهم؛ فيديوهات، بثوث مباشرة في منصات التواصل الاجتماعي، خطابات تهديد ووعيد لجهات وقبائل بعينها، استهداف سيارات الدفع الرباعي التي يمتلكها المواطنون وتحويلها إلى سيارات قتالية، فيديوهات لأفراد من المليشيا وأمامهم أوراق نقدية مهولة ومصوغات ذهبية، يوميات حياتهم في بيوت المواطنين بالخرطوم. بينما تقول الدعاية والخطاب المعلن إن الحرب هي لاسترداد الديمقراطية وحكم الشعب.
حرب الجزيرة
انسحبت القوات المسلحة من ولاية الجزيرة بعد يومين من حصار المليشيا لها، انسحبت تاركةً إنسان الولاية يواجه قوات تدربت على الانتهاكات وتشبعت بالكراهية. كانت ودمدني الملاذ لعشرات الآلاف من السودانيين الذين نزحوا من الخرطوم عقب حرب 15 نيسان/أبريل، وكأنّه قد قُدِّر لهم النزوح المستمر. ابتدأ المواطنون في الهرب مرة أخرى من ودمدني جنوبًا ناحية سنار، كان مشهدًا مهولًا؛ سيارات بكافة أنواعها تحمل الناس، وآخرون يسيرون على أقدامهم، بعضهم يحمل كبار السن، على امتداد الطريق السريع الذي يربط بين مدينة ودمدني ومدينة سنار.
لم تكن هنالك حرب بالمعنى المفهوم في الجزيرة، لكن كانت هناك "سبيطة" من الانتهاكات، فليس ثمة طرف مسلح غير أفراد المليشيا، يلاحقون مدنيين عُزل في إهابهم السلمي، ونازحين من حرب الخرطوم توزعوا بين بيوت مستأجرة، شقق، ودور إيوائية، ومدارس فُتحت أبوابها لاستقبالهم. فلماذا إذن كانت تتم عمليات القتل والتصفيات في مدن وقرى ولاية الجزيرة؟
لا توجد مقرات فرق عسكرية في قرى جنوب الجزيرة، التي اجتاحتها المليشيا وشردت أهلها، وليس هناك هدف استراتيجي في شرق الجزيرة، التي طاردت أهلها عربات الموت التابعة للمليشيا
تضم ولاية الجزيرة أكبر مشروع مروي في السودان والمنطقة العربية. غالبية سكان الولاية على امتداد آلاف القرى هم من المزارعين المسالمين، الذين اجتاحت جحافل هذه القوات قراهم وروّعتهم، قتلت من قتلت، اغتصبت، ونهبت مواشيهم وسياراتهم وآلاتهم الزراعية، فنزح المئات من قراهم إلى قرى أخرى؛ مئات النساء والأطفال وبعض الرجال يسيرون على أقدامهم إلى مناطق آمنة متاخمة أو بعيدة نسبيًا.
لا توجد مقرات فرق عسكرية في قرى جنوب الجزيرة، التي اجتاحتها المليشيا وشردت أهلها، وليس هناك هدف استراتيجي في شرق الجزيرة، التي طاردت أهلها عربات الموت التابعة للمليشيا. ليس هناك مخازن ذخيرة وأسلحة في ود المنسي، أبو قوتة، ود النورة، الهلالية، الشكابات، ود راوة، أم القرى. كلها مجرد قرى ومدن صغيرة، يعيش أهلها على الزراعة والمحبة والتسامح. لاحقتهم هذه القوات، نهبت ممتلكاتهم، قتلت أبناءهم، طاردت نساءهم، ارتكبت مجازر راح ضحيتها المئات. فلماذا كانت تفعل المليشيا كل هذا؟ وماذا تريد من السودانيين؟
تحطيم دولة 56
تنوعت خطابات مليشيا الدعم السريع وغرفها الإعلامية حسب مجريات الحرب وردود الأفعال، مما يؤكد أن سردية الحرب من منظور المليشيا نفسها غير مؤكدة أو ثابتة أو تنبثق من جهة واحدة ومركز قيادة واحد. فبينما كانت الثيمة الأساسية للخطاب الإعلامي للمليشيا هي جلب الديمقراطية من الجيش المتهم بالولاء للإسلاميين، قفز الخطاب مرة أخرى إلى تحطيم وهدم دولة 56 وبناء دولة جديدة وفق منظور جديد لم يُحدد.
القادة الميدانيون للمليشيا، الذين أدمنوا الظهور الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي، بدأوا في تلك المرحلة في توجيه تهديدات لسكان ومواطني بعض قبائل وجهات السودان، مثل نهر النيل، الشمالية، والشايقية، الذين وجه إليهم قائد المليشيا بنفسه خطابًا: "الشايقية والمتشيقين".
ينتقل الخطاب من الحرب على الإسلاميين والفلول وجلب الديمقراطية، إلى الحرب على القبائل والجهات، ويأخذ صبغةً قبليةً وجهوية تارةً، وتارةً أخرى يحاول ارتداء زي ثورة الهامش على المركز، بينما تفعل جحافل المليشيا ذات ما تفعله كل مرة: القتل، النهب المسلح، الإذلال، الإخفاء القسري، احتلال المنازل، وتحطيم البنى التحتية.
عقب دخول القوات المسلحة مدينة ودمدني، حاضرة ولاية الجزيرة، وتحريرها من المليشيا، بدأت المليشيا سيناريو جديدًا عبر استهداف محطات التوليد الحراري للكهرباء بالمناطق الآمنة، بدايةً بسد مروي، ثم محطة توليد الشواك، محطة توليد دنقلا، القطينة، وأم درمان عبر المسيَّرات الانتحارية. كما استمر القصف المدفعي على المستشفيات والمراكز الصحية في الفاشر وأم درمان، وعدة مدن أخرى.
ماذا يريد الدعم السريع من السودانيين؟
كتبت إحدى الناشطات على صفحتها في فيسبوك أنها في بداية الحرب سألت أحد الصحفيين الذين يتبعون للمليشيا _سمَّته بالاسم_ ويدعمون خطابها الإعلامي عن خطتهم بعد رفض الناس الواضح لهم، فقال لها: "إخضاع".
مما سبق سرده، يبدو أن خطة الإخضاع عبر البندقية وترهيب المواطنين كانت الخطة الأساسية التي ابتدرت بها المليشيا حربها، والتي كانت موجهة بالأساس إلى المواطنين السودانيين. وما مجزرة الجنينة التي راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف من المواطنين، وتصفية والي غرب دارفور خميس جمعة أبكر والتمثيل بجثته، ومجزرة ود النورة، ومجزرة الهلالية، والعديد من المجازر في القرى والمدن والمناطق، إلا دليلٌ يؤكد سردية السيطرة عبر الإخضاع بالبندقية.
يأس مركز الحرب، الذي يقود مليشيا الدعم السريع، من السيطرة العسكرية على السودان والاستيلاء على السلطة، وأيضًا يأسهم من دفع قيادة القوات المسلحة إلى طاولات التفاوض، هو ما يدفعهم الآن إلى الهجوم بالمسيَّرات على المناطق الآمنة
يأس مركز الحرب، الذي يقود مليشيا الدعم السريع، من السيطرة العسكرية على السودان والاستيلاء على السلطة، وأيضًا يأسهم من دفع قيادة القوات المسلحة إلى طاولات التفاوض، هو ما يدفعهم الآن إلى الهجوم بالمسيَّرات على المناطق الآمنة، وتحطيم مراكز الخدمات، وارتكاب جرائم مروِّعة لزرع الخوف في المواطنين، بأن لا مكان آمن ما لم تخضع السلطة للجلوس إلى طاولات التفاوض وتوقيع اتفاق بموجبه يعودون إلى السلطة ذاتها التي حاولوا الانفراد بها عبر حرب 15 نيسان/أبريل.
- المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"
الكلمات المفتاحية

الدعوات الانفصالية.. تفكيك للسودان أم استكمال لمشروع الحرب؟
مع اقتراب سيطرة الجيش السوداني على كامل ولاية الخرطوم، تصاعدت دعوات انفصالية، الجزء الأكبر منها يستند إلى مرتكزات عنصرية واصطفافات عرقية، وسط محاولات لخلق واقع سياسي جديد يخدم أطرافًا خارجية، وعلى رأسها الإمارات، التي أصبحت الأداة الصلبة لهذا المشروع.

من يفكر للسودان؟
يعتبر البحث العلمي من أهم الأنشطة التي يمارسها العقل البشري، فهو جهد منظم من الإنتاج الفكري الذي يهدف إلى صناعة الحياة، وتحقيق التطور والنهضة، وبناء المستقبل الأكمل. ولا يمكن قراءة تقدم الأمم ونهضتها الحضارية بعيدًا عن رعايتها واهتمامها بالبحث العلمي وتطبيقاته. ومن هنا، فإن هذه الأهمية للبحث العلمي تتطلب الاهتمام بمؤسساته وأدواته، وعلى رأسها الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، سواء الحكومية منها…

وحوش السودان أيضًا بلا وطن
الفيلم السينمائي "وحوش بلا وطن" يعد من الأفلام النادرة والناجحة التي تناولت تأثيرات الحروب المأساوية على الأطفال. وبالطبع تدور أحداث الفيلم في قارة إفريقيا، القارة التي تشهد أكبر نسبة من الحروب والنزاعات المميتة التي تستخدم خلالها أجساد الأطفال والنساء أداة وساحة للحرب والموت والتشويه والإفناء.

معارك ضارية وسط الخرطوم والجيش يحرز تقدمًا نحو القصر
أحرزت القوات المسلحة تقدمًا جديدًا وسط الخرطوم صباح اليوم، إثر معارك ضارية بدأت منذ الساعة الرابعة وفق مصادر محلية، فيما اضطرت قوات الدعم السريع تحت الضربات الجوية المكثفة وانتشار المشاة بالتراجع الميداني

القوات المسلحة تعلن التحام المدرعات مع القيادة العامة وسط الخرطوم
أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد ركن نبيل عبدالله، التحام جيشي القيادة العامة وسلاح المدرعات عقب السيطرة على منطقة مستشفى الشعب اليوم الاثنين، وهزيمة قوات الدعم السريع.

السودان.. هل يقود صراع الفصائل العسكرية المساندة للجيش إلى الاقتتال؟
في غمرة تقدم الجيش، اندلع تنافس محموم بين الفصائل على النفوذ ومواقع التأثير السلطوي ومراكمة الثروة والاعتبار، فاشتعل خلاف معلن بين القوة المشتركة لحركات دارفور المسلحة وقوات درع السودان من جهة، وبينهما معًا في مقابل كتائب الإسلاميين من جهة أخرى

أعضاء بمجلس الأمن يدينون اختطاف قوات الدعم السريع لموظفين أمميين
قال أعضاء بمجلس الأمن الدولي، إن قوات الدعم السريع احتجزت 60 من حفظة السلام الأمميين، واختطفت ثمانية موظفين مدنيين، ونهبت قافلة لوجستية تتبغ لقوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي (يونيسفا)، مكونة من ثماني مركبات و280 ألف لتر من الوقود.