للعام الثاني على التوالي، بقي شارع النيل الذي كان أحد الوجهات المفضلة بالنسبة للمواطنين في العاصمة الخرطوم لقضاء ليلة رأس السنة الميلادية، بمعزل عن الاحتفالات، وتحولت الأماكن الواقعة قرب النيل إلى ساحة قتال وحركة جنود وتسليح، مودعةً حياة الصخب والسهر والألعاب النارية منذ (20) شهرًا.
يفتقد سكان الخرطوم، خاصة هواة الاحتفال في شارع النيل، تلك الأمكنة التي تحولت إلى ساحة قتال
لم يفارق السودانيون شارع النيل حتى في أغنياتهم، إذ انتشرت أغنية "الليلة بالليل نمشي شارع النيل" في السودان، وعبرت الحدود إلى أفواه المغنين في الشرق الأوسط، لاسيما دول الخليج.
تقع على شارع النيل سلسلة من المطاعم النيلية التي تقدم الأسماك والمشويات والعصائر، بعضها يعمل من داخل عبارات متوقفة على الشاطئ، لجذب أكبر عدد من السياح والمرتادين، فيما ينتشر الباعة على الأرصفة إلى جانب بائعات الشاي.
ما كان للخرطوميين معرفة أهمية شارع النيل لولا الحرب التي حرمتهم من المكان الحيوي في قلب العاصمة، يمتد بامتداد النهر بين مدن الخرطوم، كما يمتد النيل من الخرطوم إلى أم درمان، ويشمل ود مدني أيضًا بولاية الجزيرة من النيل الأزرق.
تقع أجزاء من شارع النيل تحت سيطرة قوات الدعم السريع، فيما تقع أجزاء تحت سيطرة الجيش، خاصة قرب وزارة الدفاع الواقعة أقصى شمال الخرطوم، قبل أن يفصل بينها وبين الخرطوم بحري النيل الأزرق قرب هذه المنطقة.
وكما للبلدان ساحات احتفال من الشانزليزيه إلى برج خليفة في دبي، للسودانيين خاصة سكان العاصمة أماكنهم المفضلة خلال ليلة رأس السنة. يعد شارع النيل أحد أبرز الوجهات بالنسبة لعشرات الآلاف، بينما ظل للعام الثاني على التوالي يرقد على ذكريات صاخبة وحاضر يضج بالمعارك الحربية.
زاحمت الدولة المواطنين في شارع النيل، ونشرت سلسلة من المرافق الحكومية منذ سنوات طويلة، وأبرز هذه المؤسسات جامعة الخرطوم التي تطل على الشارع لمسافة طويلة تكاد تصل إلى أربعة كيلومترات، وربما عزز وجود طلاب هذه الجامعة العريقة قرب النيل في سيادة مفاهيم الاحتفال قرب الشاطئ.
يطلق السودانيون شعبيًا على النيل "البحر"، ونادرًا ما يستخدم اسم النيل للاستدلال على ذلك
للنهر والنيل طقوس ومناسبات اعتاد عليها السودانيون، تحين خلال عطلات رأس السنة وأعياد الفطر والأضحى والعطلات الأسبوعية يومي الجمعة والسبت. يفضل البعض نحر الذبائح وأكل الشواء، ويتنفس البعض قرب النيل وهو يعتمد على الأسماك المشوية التي تباع في المطاعم الشعبية.
يطلق السودانيون شعبيًا على النيل "البحر"، ونادرًا ما يستخدم اسم النيل للاستدلال على ذلك، وهناك عبارة رائجة بين هواة الشواطئ بـ "ماشين البحر"، أي سنذهب إلى النيل أو البحر، وربما لعب نقص خيارات الترفيه دورًا في تدفق المواطنين نحو الشواطئ النيلية، لا سيما في المدن الواقعة وسط وشمال وجنوب البلاد.
لم يتمكن النيل من عزله نفسه من أن يكون ضمن أدوات الحرب في العاصمة الخرطوم بتحرك العبارات العسكرية الصغيرة بين مدن العاصمة المثلثة، إما لنقل الإمداد أو الجنود، أو تنفيذ عملية قتالية. كما لو أن هذه الموارد لن تعود كما كانت قبل الحرب، تحتوي صيادي السمك ومزارعي الجروف لإنتاج الخضروات والفواكه.