14-مايو-2020

مجلس السيادة الانتقالي

كانت ليلة طويلة وحامية في وسائط التواصل الاجتماعي السودانية، بعد كر وفر دارت رحاه في الحسابات الرسمية لمجلس السيادة الانتقالي، حيث قامت الحسابات بنشر بيان تحدثت فيه عن الاتفاق على تعيين وزير جديد للدفاع خلفًا للراحل الفريق أول ركن، جمال الدين عمر، والذي توفي إلى رحمة مولاه منذ فترة قصيرة بالعاصمة الجنوب سودانية جوبا إثر وعكةٍ صحيةٍ طارئة لم تمهله طويلًا.

الجزئية التي شغلت الرأي العام من منشور مجلس السيادة كانت هي المتعلقة بنشره محتوى يشير إلى توصيته بإقالة وزير الصحة أكرم علي التوم

ولكن الجزئية التي شغلت الرأي العام وفجرت السجالات والمجادلات على صفحات التواصل الاجتماعي في منشور مجلس السيادة، كانت الجزئية الثانية من البيان والتي ورد فيها إن اجتماعًا ضم رئيس مجلس السيادة وعددًا من أعضاء المجلس ورئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك ووزيرين آخرين بالإضافة "لمكون" قوى الحرية والتغيير -كان قد أقر بالإجماع في 6 أيار/مايو الجاري- أن يتخذ رئيس الوزراء الخطوات الدستورية اللازمة لإقالة وزير الصحة الاتحادي صاحب القبول الواسع والشعبية الكبيرة وسط السودانيين، الدكتور أكرم على التوم، من منصبه بالوزارة.

اقرأ/ي أيضًا: مفوضية اللاجئيين تبعد (14) ألف لاجئٍ سوداني من بؤرة توترات بإفريقيا الوسطى

انفجرت بعدها التغريدات والمنشورات المنتقدة للخطوة والتي رأي فيها البعض تغولًا من مجلس السيادة على سلطات رئاسة الوزراء، كما رأى البعض في الدكتور أكرم التوم نموذجًا لوزراء الثورة ولا يستحق الإقالة، خصوصًا في ظل جائحة كورونا، والتي تتصاعد أرقامها يوميًا في السودان رغم الخطوات الجادة والجريئة التي قام بها الدكتور التوم ووزارته لوقف انتشارها وتفشيها وسط السودانيين، الأمر الذي نسبه مراقبون لتقاعس القوات النظامية عن أداء دورها في ضبط الإغلاق العام، وإلى عدم تعاون الشق العسكري مع وزارة الصحة في اجراءاتها.

كما رأى البعض إن إقالة الوزير إنما تسبب بها هزه لعش الدبابير أو ما سموه تحجيمه لمافيا الدواء في السودان.

لم يمض الكثير من الوقت حتى قامت حسابات مجلس السيادة الانتقالي بحذف البيان، الأمر الذي أثار الكثير من الأسئلة بخصوص من ولماذا قام بنشر البيان. خرج بعدها وزير الثقافة والإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة الانتقالية، فيصل محمد صالح، في بيانٍ صحفي متلفز لينفي الخبر الوارد في بيان مجلس السيادة الانتقالي جملةً وتفصيلًا، مؤكدًا ما ورد في بيان قوى الحرية والتغيير، والذي صدر قبلها بيوم نافيًا الخبر الذي تسرب يومها عن إقالة الوزير.

لم تمض سويعات على بيان صالح، حتى أعادت صفحة مجلس السيادة نشر بيانها المحذوف في خطوة غير مسبوقة طرحت الكثير من الأسئلة الصعبة على أذهان السودانيين، وربما أقلقت البعض على مصير الشراكة الهشة ما بين المكون العسكري والمكون المدني في الحكومة الانتقالية السودانية.

بعدها بقليل نشر المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بيانًا يوضح فيه إن الاجتماع الذي تم كان لمناقشة جندٍ آخر، وإنه في خاتمة الاجتماع وفي خطوة مفاجئة غير منصوص عليها في أجندة الاجتماع، طرح أعضاء من السيادي  تقريرًا يحتوي على انتقادات لأداء وزير الصحة ويطالب بإقالته، الأمر الذي قال البيان إن رئيس الوزراء رد عليه حالًا بأنه سيطلع على التقرير بغرض حل المشاكل المذكورة فيه.

انتشرت شائعات كثيرة عن من هم خلف المطالبة بإقالة أكرم التوم، فالبعض ذكر ملاسنات ساخنة بينه وبين عضو مجلس السيادة، الأستاذ صديق تاور، والفريق أول ركن شمس الدين الكباشي، والذي ذُكر أنه هو من كان خلف إعادة نشر البيان المحذوف. وكان قد صرح الناشط والكاتب السوداني محمد حمد محمود، في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن القيادي بقوى الحرية والتغيير، الطبيب أمجد فريد، والذي وصفه بالرجل الرابع في حكومة حمدوك، هو المسؤول عن محاولات إقالة أكرم التوم، وأنه هو من ينسق ويقود الحملة القائمة لفصل الوزير، وهو من دعا الأجسام التي اجتمعت بمكتب حمدوك لتقييم أداء الوزير.

اقرأ/ي أيضًا: "سونا": وفاة ثمانية سودانيين في ولايتين أمريكيتين بفيروس كورونا الجديد

أمجد فريد بدوره نفى ذلك على صفحته الخاصة، واصفًا الحديث بأنه مجرد أكاذيب، وذلك على الرغم من تردده أكثر من مرة وعلى أكثر من لسان، وقد بدى غاضبًا عندما تساءل الزميل بـ"ألترا سودان"، أبوبكر عبدالرازق، عن طبيعة منصبه الغامض في الحكومة الانتقالية، حيث رد مهاترًا بأنه منصبه "متأمر على كل شيء قدير"، ثم عاد بعدها ليقول بأنه ليس ملزم بالإجابة على هذا السؤال، وأن الإجابة على مثل هذه الأسئلة هي من مهام الناطق الرسمي باسم الحكومة، والسكرتير الصحفي لرئيس الوزراء.

تجمع المهنيين والعديد من لجان المقاومة قاموا بإصدار بيانات شجبت سلوك مجلس السيادة ووصفته بغير المسؤول

الجدير بالذكر إن تجمع المهنيين السودانيين كان هو الآخر قد أصدر بيانًا يبدي فيه استغرابه من ما يحدث في الصفحات الرسمية للمجلس السيادي، ويشجب ويدين التغول على سلطات رئيس الوزراء، ويطالب بتوضيح عاجل من المجلس لملابسات البيان الذي وصفه بالركيك والمستهجن، كما أعلن التجمع عن تجديد دعمه لوزير الصحة الاتحادي، وتقديره لمجهوداته في مكافحة كورونا.

أصدرت أيضًا عددًا من لجان المقاومة بيانات مشابهة، موضحة أن الوزير يمثل خطًا أحمر لقوى التغيير، وإن ما يجري في أروقة المجلس السيادي الانتقالي لا يليق بالثورة السودانية.

اقرأ/ي أيضًا

عن سخرية "أمجد فريد" ومقتضى وأدب الوظيفة العامة

منع راكبين سودانيين من دخول البلاد بعد وصولهما مطار الخرطوم بطائرة شحن تركية