07-ديسمبر-2019

فلسطينيون يرشقون بالحجارة قوات الاحتلال خلال غارة إسرائيلية على رام الله (Getty)

ما إن أدت حكومة الثورة القسم حتى وجدت نفسها مباشرة أمام التحدي الاقتصادي الصعب. أسهم الغبن الاقتصادي والصعوبات المعيشية في قدح زناد توق السودانيين لحياة مدنية سعيدة تتحقق فيها ذواتهم، ومخطئٌ من يظن أن محرك هذه الثورة هو الاقتصادي فقط، والاقتصاد مهم بقدر أهمية الحياة الكريمة الخالية من الحرمان القاسي، لكن هذه الأهمية لا تتخطى أهمية شرط الحرية والحق في المصير. خاصة بعد أن بات في حكم المجمع عليه أن الحرية تنمية، والتنمية حرية. وظلت العقوبات الأمريكية ووجود اسم السودان في القائمة الأمريكية لرعاة الإرهاب تزيد من معاناة الاقتصاد السوداني، وتقلل فرص تعافيه.

لم تتردد حكومة الثورة في إدانة شرعنة واشنطن للاستيطان في الضفة الغربية، لتؤكد للعالم ولشعبها أن الثورة السودانية لا تقايض رفع العقوبات بحق الشعب الفلسطيني

منذ أيامها الأولى تحركت حكومة حمدوك في مسعى تصحيح وضع السودان العالمي، المبني على سلوك نظام أرسلته الإرادة السودانية لمزبلة التاريخ للتو، هذا الوضع الذي لا يفهم سبب استمراره بعد الثورة. رغم هذه المساعي الدبلوماسية لم تتردد حكومة الثورة في إدانة شرعنة واشنطن للاستيطان في الضفة الغربية، لتؤكد للعالم ولشعبها أن الثورة السودانية لا تقايض رفع العقوبات الأمريكية بحق الشعب الفلسطيني.

اقرأ/ي أيضًا: لنستعِد فلسطين كما استعادت ثورتنا "كولمبيا"

صحيح أن معظم حكومات العالم أدانت الخطوة الأمريكية بما في ذلك النظم العربية التطبيعية، إلا أن صدور هذه الإدانة من حكومة منتخبة بإجماع ثوري له أهمية خاصة واستثنائية، لأنها تصدر من جزيرة معزولة وسط محيط لا تمثل فيه الحكومات إرادة الشعب.

مع موجة التطبيع السياسي والثقافي والرياضي والتجاري بل وحتى المخابراتي والأمني الحالية، تزداد القتامة بخصوص مستقبل الحق الفلسطيني في الدولة المستقلة، في وقت أصبحت فيه أصوات غير خافتة تسمع في جميع أرجاء العالم العربي مطالبة بالتطبيع والاستسلام للقدر الإسرائيلي، بحجة المصلحة الشعبية، المصلحة الشعبية لشعوب لم تولد بعد.

في أي دولة عربية وصل السكان مرحلة الشعب؟ هل خرجوا حتى الآن من انقسام العروبة والشعوبية بوصفه أعلى مراحل فرقتهم، أم أنهم ما زالو محبوسين في انقسام القبيلة والعشيرة والطائفة والجهة. مجموعة الطوائف لا تصنع شعبًا وإن تعايشت في هدنة طويلة، هي دائمًا على موعدٍ مع حرب أهلية وشيكة مهما تأجلت. الشعوب العربية تولد الآن في شوارع الخرطوم وبيروت وبغداد والجزائر وصناديق اقتراع تونس، وهذه الشعوب لا ترى في ابتلاع الاستيطان لفسلطين أي مصلحة لها تعقلن السكوت عنه. ولذا من الطبيعي أن يدان الاستيطان من الخرطوم وتونس حيث الحكومات المجبرة على الإصغاء للشعب.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: طموح الجيش بالسلطة أخطر ما يهدد المرحلة الانتقالية في السودان

ما من شيء كفيل بأن ينسي الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها، حقًا مهدرًا كالحق الفلسطيني، لذلك ستظل هذه الشعوب ترفض الاحتلال والاستيطان

لا المظالم التاريخية، ولا وحدة المصير، ولا الأغاني الوطنية، ولا البرلمانات الصورية، ولا صور الحكام والشهداء في الشوارع، ولا الأرقام القياسية عن امتلاك أكبر كذا أو أول كذا، هذا جميعه ليس كفيلًا بأن ينسي الشعوب التي ناضلت من أجل حريتها، حقًا مهدرًا كالحق الفلسطيني، لذلك ستظل هذه الشعوب ترفض الاستيطان والتطبيع مع العدو الصهيوني وتجبر حكوماتها على المجاهرة بذلك.

 

اقرأ/ي أيضًا

نظام التعليم بالسودان وترسيخ التفاوتات الاجتماعية

الثورة السودانية.. حراكُ مستلهٌم من إرثٍ تليد