06-فبراير-2020

لم تكد تجمع أوراق صفقة القرن بعد حتى شاهدنا وسائل الإعلام العالمية والمحلية تتداول خبر لقاء السيد البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي برئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو. الزيارة الأولى التي أعادتنا الى أيام المشير جعفر نميري وحادثة ترحيل يهود الفلاشا الشهيرة التي هزت الوسط السياسي في السودان، وهي الحادثة التي يعتقد الكثير من الساسة أنها كانت أحد الأسباب التي جعلت السودانيين يثورون ضد الرئيس الراحل جعفر نميري، بجانب العوامل الرئيسية الأخرى التي أطاحت به. فما أشبه الليلة بالبارحة، بيد أن الأيام تبدلت والثورة التي أطاحت بنميري ثم البشير قد ركب عليها البرهان.

أشارت المصادر الى تورط الإمارات في ترتيب الزيارة، وهي التي تسعى إلى أن تجعل البرهان على رأس السلطة حتى ما بعد نهاية الفترة الانتقالية

في هذا المقال سأحاول أن أطرح تحليلا أتناول فيه وقائع الزيارة ومناسبتها، وموقف البرهان بالإضافة إلى آثار هذه الزيارة على مواقف الحكومة الانتقالية والقوى السياسية، ومن ثم رؤية الشارع والأجسام الثورية متمثلة في لجان المقاومة وما سيترتب بعد هذه الزيارة .

أشارت المصادر الى تورط الإمارات في ترتيب الزيارة، وهي التي تسعى إلى أن تجعل البرهان على رأس السلطة حتى ما بعد نهاية الفترة الانتقالية، من خلال تحويل مؤسسات الجيش إلى مؤسسات شبيهة بتلك الموجودة في مصر، وهو ما تسعى إليه من خلال تعاونها مع جميع دول الإقليم في توفير هذه الإمكانيات. وموسيفيني لا يختلف كثيرًا عن السيسي.

اقرأ/ي أيضًا: لقاء البرهان ونتنياهو.. تبييض لصورة العسكر وتشويه متعمد للثورة

لاشك أن الجنرال موسيفيني يمتلك علاقات استثنائية مع الكيان الصهيوني وتعتبر علاقات اقتصادية متجذرة، فأوغندا هي إحدى الدول التي زارها بنيامين نتنياهو في جولته التاريخية الشهيرة في القارة الإفريقية، ويعتبر عراب العلاقات التي تجمع الكيان الصهيوني و دولة جنوب السودان الوليدة، وموسيفيني قد يكون الرئيس الوحيد في دول الجوار مع رئيس دولة تشاد الذي عاصر فترة البشير ويعلم جيدا تعقيدات الوضع الداخلي في السوداني. وقد رأى موسيفيني أنه لا بد أن يجد له موطئ قدم في أي تحول في السودان، خصوصا أنه أحد الداعمين المفاوضات الدائرة في جوبا. وأكثر من ذلك قد يكون موسيفيني هو أحد الذين تضرروا من وجود نظام الإنقاذ، ودارت بينهما مصادمات عديدة. ويرتبط اسمه بدلالات كراهية واسعة وسط الذين قاتلوا في حرب الجنوب، خصوصا قادة الجيش، لذلك ليس من الغريب أن يجلس برهان مع قادة أسلحة الجيش ليكون مخرج اجتماعهم هو التأمين على زيارته لأوغندا.

الجيش الذي بدا شيئًا فشيئًا يتحول إلى النموذج المصري يمثل خطرًا على التحول الديمقراطي، فكل قلاع صلاح قوش التي بناها و التي أدار عبرها مؤسسات الدولة حتى السقوط، وربما بعد السقوط ، قد آلت الى الجيش و الدعم السريع، وصار الدعم السريع يمتلك نفس آليات الجيش، و السؤال هنا ليس أيهما أقوى، بل هل ستبقى الفترة الانتقالية دون خروقات جديدة من قبل المؤسسة العسكرية التي بدأت شيئًا فشيئًا تتغول على الوثيقة الدستورية، التي يمثل لقاء برهان نتنياهو خرقًا صريحًا لها.

لم تحقق زيارة حمدوك للولايات المتحدة تقدما كبيرا في مسعى رفع  السودان من قائمة  الدول الراعية للإرهاب

نصوص الوثيقة الدستورية تنص بوضوح على أن العلاقات الخارجية هي من صميم  اختصاص الجهات التنفيذية، ولا صلة لمجلس السيادة بها. إذن تنطوي زيارة برهان هذه  على شيء من التحدي، ويحركها دافع قوي جعله يخرق الوثيقة ليسافر الى مقابلة نتنياهو، الذي يريد أن تحلق طائراته فوق سماء السودان، ويستفيد من هذا الزخم الإعلامي من أجل حملته الانتخابية، وما الوعود التي غرد بها حول مسألة رفع العقوبات الأمريكية غير سراب يحسبه البرهان ماء.

لم تحقق زيارة حمدوك للولايات المتحدة تقدما كبيرا في مسعى رفع  السودان من قائمة  الدول الراعية للإرهاب، الملف الذي يظل حجر عثرة أمام الحكومة الانتقالية ويعيق تحقيق الاستقرار الاقتصادي. وما قام به وزير الخارجية الأمريكي في اتصاله مع البرهان ودعوته لزيارة للولايات المتحدة نذير شؤم قد يحول المشهد السياسي في مقبل الأيام، إذ يمكن أن ترفع أمريكا اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لكن مقابل شروط أهمها التطبيع مع الكيان الصهيوني الذي قد يكون المناخ مناسبا له لأن يعزز وجوده في المنطقة عبر البوابة السودانية.

لابد للقوى المدنية من خطوة نحو تأمين موقفها السياسي من جراء هذا العبث الذي لا يتناسى فقط عدالة القضية الفلسطينية، بل يتضارب مع موقف الحكومة التنفيذية الذي أعلنته في اجتماع جامعة الدول العربية، وهذا لعمري هو بداية انشقاق قد يقود الى كارثة دستورية ستؤدي الى إخفاق الفترة الانتقالية، وانسداد الأفق. وهنا يبرز سؤال كيف ستتمكن القوى المدنية داخل السلطة والقوى السياسية من تلافي هذه الأخطاء الجسيمة؟

اقرأ/ي أيضًا: البرهان ونتنياهو.. التطبيع لرعاية انقلاب عسكري؟

إحدى الإجابات تكمن في استكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، هذه الهياكل هي التي ستضمن استمرار الفترة الانتقالية، وتأسس لحكومة مدنية تعبر عن إرادة قوى الثورة، وتضمن حماية الفترة الانتقالية. وإن أي تلكؤ في تشكيل المجلس التشريعي ستكون عاقبته مزيدًا من الخروقات التي قد تؤدي الى إجهاض الفترة الانتقالية، بل تقوض عملية السلام أيضًا. لذلك يظل الخيار الوحيد أمام القوى السياسية هو الإسراع في التوصل الى اتفاق يسمح بتشكيل المجلس التشريعي الذي يجب أن يضم قوى الثورة الحية والتي جاء ردها ولقاء البرهان مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني واضحًا وهو أن لا مصالحة مع هذا الكيان المغتصب. ويأتي ردة فعل لجان المقاومة انطلاقًا من قيم الثورة، التي تؤسس لخطاب سياسي يقوم يعلي من شأن الحرية والعدالة، ويدين القهر واغتصاب الأرض. لذلك أرى ضرورة التوجه نحو الكتلة المدنية الحقيقية من أجل استكمال هذا البناء، والا فإن خيارين لا ثالث لهما سيلوحان في الأفق: إما ثورة جديدة أو انقلاب عسكري ستهزمه ثورة جديدة لا محالة، وهو ما يتنبأ به الكثيرون من قيادات اللجان، الذين سيغير لقاء برهان-نتنياهو نظرتهم وتعاملهم مع مؤسسات الحكم الانتقالي بلا شك.

 

اقرأ/ي أيضًا

أسطورة فك عزلة السودان من بوابة إسرائيل

عزمي بشارة: من يريد حكم السودان بغطاء إسرائيلي لا يمكن أن يكون ديمقراطيًا