15-نوفمبر-2022
لجأت أعداد ضخمة من الجنوب-سودانيين في السودان عقب اندلاع الحرب الأهلية في الدولة الوليدة (NRC)

لجأت أعداد ضخمة من الجنوب-سودانيين في السودان عقب اندلاع الحرب الأهلية في الدولة الوليدة (NRC)

تزور "سارة" عيادة طبية تقع في حي الشجرة غربي الخرطوم لتلقي العلاج، فالسيدة التي هربت من قرية صغيرة بمقاطعة ملكال في جنوب السودان، فقدت زوجها ووالديها في رحلة بحثهم عن العلاج في الخرطوم.

ويواجه مئات الآلاف من لاجئات جنوب السودان في السودان صعوبات اقتصادية في التكيف مع الحياة، في ظل شح المعينات التي تقدمها المنظمات الدولية والمحلية، واقتصارها على أغطية من الأمطار وبعض الأواني المنزلية.

تبحث اللاجئات في السودان عن إجابة لدى المنظمات ووكالات الأمم المتحدة عن المساعدات الشهرية

تقول سارة لـ"الترا سودان": "لم نأخذ شيئًا من المنظمات، وحتى لو تلقينا معلومات عن وصول مساعدات يلعب زعماء مجتمعات اللاجئين دورًا في تحويلها إلى فئات أخرى، وقد تكون هناك نوايا جهوية لمساعدة الأهالي".

ومع ارتفاع التضخم تزايدت الصعوبات التي تواجه اللاجئين الجنوبيين في السودان، ولا يزال نحو (1.5) مليون لاجئ ينتظرون مساعدات من وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.

أنفقت سارة ما يقارب (20) ألف جنيه للذهاب إلى عيادة الطبيب غرب العاصمة السودانية، والتي حصلت عليها من عملها الخاص في بيع الشاي والقهوة في شارع رئيسي بحي الشجرة.

بينما تلاعب سارة طفلتها الصغيرة، كانت "أنانيتا" صديقتها تقوم بتوزيع الشاي على الزبائن، والذين جلسوا تحت شجرة في ساحة عامة في هذا الحي الواقع غرب الخرطوم.

تمتلئ حياة اللاجئات الهاربات من الحرب الأهلية في جنوب السودان بالقصص المأساوية لنساء واجهن ظروفًا قاسية، فمثلًا تقول "أنانيتا" أنها فقدت والدتها أثناء رحلة الفرار من ملكال إلى السودان إبان اندلاع الحرب في الدولة الوليدة قبل خمس سنوات.

ترى هذه الفتاة أن العمل في بيع الشاي والذهاب إلى كوخ صغير مؤقت قرب مبنى تحت التشييد في العاصمة الخرطوم، أفضل من انتظار العنف في قريتها بملكال.

قالت وهي تحمل كوبًا من القهوة السوداء: "في قريتنا في ملكال يتعرض السكان حتى اليوم إلى هجمات قبلية. لا ندري ماذا يريدون؟ نحن نريد العيش في السلام. عندما استنفذ يأس السلطان طلب القتال لحماية قبيلة الشلك من الهجمات الانتقامية"، تضيف سارة.

https://t.me/ultrasudan

تجلس سارة شاردة الذهن في بعض الأحيان قرب "أنانيتا" التي تعمل في خدمة زبائن أغلبهم طلبوا القهوة، وقد تمتد ساعات العمل لهاتين السيدتين أكثر من (12) ساعة يوميًا، وأثناء هذا العمل تسرد "أنانيتا" قصص الفارين من قريتها من ملكال من هجمة مجموعات قبلية ترفض بقاء "الشلك" في المقاطعة.

تقاطع سارة هذه الفتاة متسائلة عن دور المنظمات في مساعدتهن، واستطردت قائلة: "الأسبوع الماضي ذهبت إلى مكتب شؤون الأجانب في أم درمان وحصلت على بطاقة اللجوء، لكن نحن نسأل عن مصير المساعدات الشهرية".

تسأل سارة وهي تبحث عن إجابة: "هل سنحصل على (300) دولار أمريكي شهريًا؟ ربما تكون (500) دولار!"، ثم تضحك. والضحك قد يكون محاولة للسيطرة على اليأس الذي تبدد إلى هذه السيدة.

كان بإمكان لاجئات جنوب السودان في السودان اللائي يبحثن عن الأمان من العنف رفقة أطفالهن، أن يحصلن على مساعدات مقدرة، لكن عندما تسرد سارة كيفية التعامل تجد نفسك أمام حالة من اليأس.

تقول: "نحن لم نتعلم جيدًا؛ لا نجيد القراءة والكتابة. يأتي شخص ثم يكتب المعلومات الشخصية والوضع الاقتصادي والاجتماعي ويوصلها إلى المنظمات، ولا نحصل على شيء سوى الوعود الكاذبة. الشخص الذي قرر مساعدتنا في إيصال المعلومات صادق لكن هناك تلاعب أو تأثير قبَلي في تحويل المساعدات إلى بعض المجتمعات التي لديها سطوة".

حتى وإن قررت سارة وأنانيتا العيش بأمان في الخرطوم والتكيف مع حياتهن القاسية، فإن الذكريات الأليمة لا تفارقهن، يتذكرن كيف أن القرويين المسلحين يهاجمون قريتهن في ملكال ويشعرن بالقلق على من بقي هناك من عائلاتهن.

تأخذ سارة على عاتقها مهمة تعليم أطفالها في مدرسة حكومية. بالنسبة لهذه الأم فإن العثور على تعليم مجاني قد يكون ترفًا لا يمكن تحقيقه مقارنة مع وضعها الاجتماعي والاقتصادي.

لاجئة: ربما نحن في أمان نسبي لكننا نواجه حياة قاسية وسيئة

توفي زوجها أثناء تلقيه العلاج في مستشفى بالخرطوم، وانخرطت هي في مهنة بيع الشاي والقهوة لإعالة الأطفال، وعندما يداهمها الملل تُقلب أزرار هاتفها وتسمع الأغنيات بلغة من ثقافتها المحلية، ثم تنتقل إلى الأغاني السودانية.

تقول سارة: "نحن غير سعداء! ربما نحن في أمان نسبي لكننا نواجه حياة قاسية وسيئة، ولا ندري متى ينتهي هذا الجحيم".