15-ديسمبر-2024
تصاعد دخان جراء الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في الخرطوم

تجددت الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة بحري (أرشيفية)

تمكن الجيش من إحراز تقدم في منطقة السامراب وأجزاء من أحياء شمبات عقب معارك عنيفة ضد قوات الدعم السريع استمرت ليومين. وحسب مصادر، عززت القوات المسلحة انتشارها في السامراب بالخرطوم بحري مساء السبت.

مراقبون عسكريون: يستخدم الجيش أسلوب التطويق في الخرطوم بحري، لكن بحذر شديد

في ذات الوقت، ربط الجيش بين منطقة الكدرو العسكرية وقواعده في الحلفايا وصولًا إلى أم درمان عبر الجسر. هذه العملية جعلت قوات الدعم السريع تتراجع إلى الطرق التي تؤدي إلى محلية شرق النيل، مكتفية بالتعزيز العسكري في منطقة كافوري والمصانع الكبرى.

ويعتزم الجيش شن معارك برية في منطقة كافوري بالخرطوم بحري، حيث نشرت قوات الدعم السريع عناصرها بكثافة هناك مع تأمين مخارج النجاة نحو محلية شرق النيل من الناحية الشرقية، وفق شهود عيان.

ومنطقة كافوري من الأحياء الراقية في الخرطوم بحري، ولذلك شهدت عمليات نهب وسلب واسعة شملت غالبية المنازل الخالية من المواطنين بسبب الانتهاكات وتوقف الحياة العامة وانعدام الكهرباء. كما أن كافوري هي المنطقة التي كان يقيم فيها الرئيس المعزول عمر البشير مع عائلته، واشترى حميدتي منازل أيضًا في الحي قبل اندلاع القتال. اشتهر قائد قوات الدعم السريع بدفع الأموال بسخاء مقابل شراء العقارات في العاصمة الخرطوم.

الواقع الميداني في محلية الخرطوم بحري شمال العاصمة تحول منذ أيلول/سبتمبر 2024، عندما سيطر الجيش على جسر الحلفايا قادمًا من أم درمان، مما يسهل عليه حركة الإمداد والجنود، إلى جانب ربط الجسر مع منطقة الكدرو العسكرية في الخرطوم بحري. هذا يعني تقليص مساحة قوات الدعم السريع التي تقطعت ما بين مصفاة الجيلي وأحياء بحري دون نقاط تواصل كما اعتادت منذ اندلاع القتال منتصف نيسان/أبريل 2023.

وقعت معارك عنيفة السبت في منطقة تماس بين الحلفايا وشمبات بالخرطوم بحري، وتقدمت القوات المسلحة نحو اثنين من الأحياء في شمبات. حال استمرار التقدم، فإنها قد تسيطر على جسر شمبات الرابط بين بحري وأم درمان، ما يعني إضعاف تواجد قوات الدعم السريع في المحلية.

كان الجيش والدعم السريع قد تبادلا الاتهامات العام الماضي بتدمير جسر شمبات من اتجاه الخرطوم بحري، والذي خرج عن الخدمة منذ ذلك الوقت. وتمكنت القوات المسلحة من تحرير أحياء أم درمان ومباني الإذاعة في آذار/مارس 2024، مستفيدة من انقطاع الإمداد عن قوات الدعم السريع بين بحري وأم درمان.

تعد محلية الخرطوم بحري من المناطق الغنية بتركيز المصانع العملاقة في مجال الغذاء، والحديد والصلب، والطباعة، والمشروبات الغازية، ومطاحن الدقيق. جميع هذه المنشآت تعرضت إلى تدمير هائل، مما أفقد السودان بنية صناعية تقدر بأكثر من خمسة مليارات دولار.

تعتبر المنطقة التي تقع فيها المصانع في الخرطوم بحري من أصعب العمليات العسكرية التي تنتظر الطرفين حال تقدم الجيش لاسترداد منطقة كافوري، لأنها تقع في الجانب الشرقي من المحلية حيث تتمركز قوات الدعم السريع مع ضمان نقاط الإمداد من محلية شرق النيل.

مهد الجيش الوضع العسكري في الخرطوم بحري بعمليات نوعية استغرقت قرابة العام، قبل التحولات التي طرأت على المحلية منذ أيلول/سبتمبر 2024. نفذ جنود الجيش عمليات كمين لقوات الدعم السريع في منطقة الكدرو، كما نفذ الطيران الحربي ضربات جوية مكثفة أدت إلى تراجع جلب المقاتلين من مناطق أخرى، وهو ما يسمى في تقاليد قوات الدعم السريع "الفزع".

كل هذه التطورات تجعل من استعادة القوات المسلحة محلية الخرطوم بحري مسألة وقت، حسب المراقبين العسكريين، سيما مع تفضيل قوات الدعم السريع حماية ولاية الجزيرة وتوسيع نطاق الهجمات على مدينة الفاشر بولاية شمال كردفان.

يربط محللون عسكريون بين توسيع العمليات الحربية بالنسبة للجيش في أكثر من (16) بؤرة قتالية وبين إضعاف قوات الدعم السريع وإفقادها خاصية "الفزع"، لأنها تعتمد على حشد المقاتلين من منطقة إلى أخرى حال شعورها بالتهديد من فقدان منطقة أو السيطرة على بلدة جديدة.

خلال سيطرة قوات الدعم السريع على الخرطوم بحري، لم تكن الحياة بالنسبة للمدنيين قابلة للتطبيع نتيجة توقف الأسواق والمستشفيات، وتفشي المجاعة والوبائيات. توفي المئات جراء انعدام الرعاية الصحية، خاصة كبار السن، والأطفال، والنساء الحوامل. كما نزح أكثر من ثلث المواطنين إلى الولايات المجاورة وخارج البلاد.

لم تتمكن قوات الدعم السريع من إدارة المحلية وعرضت حياة المدنيين للخطر بمداهمة المنازل ونهب المقتنيات والسيارات والأموال والهواتف النقالة. كما أمرت بإخلاء بعض الأحياء لأغراض عسكرية واستخدمت مئات المنازل لتسكين عناصرها وقياداتها.

قبل اندلاع الحرب، كانت قوات الدعم السريع تنتشر في ثلاثة معسكرات رئيسية في الخرطوم بحري: في حطاب، وكافوري، وسلاح المظلات التابع للجيش، الذي حصلت عليه إبان حكم البشير رغم اعتراض الضباط والجنود على هذه الخطوة، لأن قوات حميدتي سيطرت على مرفق استراتيجي يقع بالقرب من جسر شمبات الرابط بين الخرطوم بحري وأم درمان.

من السيطرة على مناطق عسكرية محدودة في الخرطوم بحري، في أيلول/سبتمبر 2024، أصبح الحديث ممكنًا عن سيطرة القوات المسلحة على أكثر من أحياء الحلفايا، وجزء من شمبات، والكدرو، والسامراب. بالإمكان نشر الجيش وحداته القتالية في منطقة دردوق القريبة من منطقة السامراب، إلى جانب وضع أقدامه منذ ثلاثة أشهر على جسر الحلفايا.

يقترب الجيش من السيطرة على المدينة الثانية التي تشكل العاصمة. يستخدم جنود الجيش والقوات المتحالفة على الأرض في الخرطوم بحري أسلوبًا وتكتيكات جديدة في حرب المدن، بالاعتماد على العربات القتالية الصغيرة مع وضع الأسلحة النوعية على الكتف، من شارع إلى آخر، وتدمير الأهداف العسكرية. كما استبدل الجنود العمليات التقليدية بالعمليات النوعية، أي الاعتماد على هجوم مباغت يدمر أكبر قدر من عتاد الطرف الآخر.

إزاء هذه التطورات الميدانية، فإن سيطرة القوات المسلحة، وقياسًا بمجريات المعارك الأخيرة حتى أمس السبت 14 كانون الأول/ديسمبر 2024، باتت وشيكة على المدينة الثانية التي تشكل العاصمة المثلثة.