12-أغسطس-2020

قوى الحرية والتغيير (التغيير)

تتعالى أصوات الانتقادات التي تواجه حكومة حمدوك من قبل الشارع الذي ربما خابت توقعاته العالية في حكومة الثورة. ورغم أن الكثيرين يرمون أسباب ضعف الأداء الحكومي على عاتق تركة الإنقاذ الثقيلة، إلا أن البعض يرى أن إشكالات متعلقة بطريقة إدارة الأزمات الموروثة هو أحد أهم عوامل الضعف، بحيث يلاحظ عدم تجانس واضح بين أداء الوزارات المختلفة بسبب غياب الرؤية المشتركة، إضافًة إلى الاختلافات البينة بين الأطراف التي تمثلها الحكومة.

من الغريب أن تتصاعد أصوات نقد الحكومة من حاضنتها السياسية والتي يفترض أنها تتحمل جزءًا من اللوم على فشل الأداء الحكومي

من الغريب أن تتصاعد أصوات نقد الحكومة من حاضنتها السياسية والتي يفترض أنها تتحمل جزءًا من اللوم على فشل الأداء الحكومي، خاصةً وأن طريقة تكوين الحكومة تمت مواجهتها بكثير من النقد والاعتراض من قبل الشارع وبعض المراقبين والمهتمين. فالدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني احتفظ بحالة مستمرة من النقد للحكومة، لدرجة أن وصف الوضع بأنه يتقاصر عن طموح الثورة، ورغم توضيحه الدائم أن حالة النقد لا تعني عدم دعم حزبه للحكومة، إلا أن تجاوزه لكون أن أداء التحالف الحاكم وتجاذباته هو أحد معوقات عمل الحكومة لا يمكن تفسيره.

اقرأ/ي أيضًا: الاعتراض على أولونج.. مخاوف لا يدعمها اتفاق السلام

بينما كان الحزب الشيوعي هو أول من اتخذ موقفًا مباشرًا ضد الكثير من السياسات التي أقرتها الحكومة، خاصةً الاقتصادية منها، ولكن الحزب كان قد أعلن قبلًا عدم مشاركته في الحكومة، محققًا القليل من الاتساق على الرغم من مشاركته في بعض الهياكل المكونة للسلطة الانتقالية. أما حزب الأمة فقد تصاعد هجوم رئيسه الصادق المهدي على الحكومة على الرغم من أن الحزب كان قد اتخذ مؤخرًا قرار المشاركة في الحكومة أسوةً بحزب المؤتمر السوداني، وكأنما هذه الأحزاب ترغب في المشاركة في الحكومة دون تحمل كلفة المشاركة، فتلقي بأعضائها المختارين في طاقم الحكومة الانتقالية، ثم تتخذ موقفًا آخرًا مهاجمًا لها لا مقومًا ولا مساندًا، مزاحمة قوى أخرى مؤثرة ولكنها أكثر استقلالًا كلجان المقاومة.

ما يزيد الأمر سوءًا أن التحالف السياسي الحاكم باتفاقه على وجود خلل في هياكله، إلا أن الخلافات بين الأطراف المكونة له تحول دون الوصول إلى حد أدنى من الاتفاق بينها -حدًا يسمح بحفظ التوازن لصالح القوى ذات المصلحة في التغيير بحسب المسار الذي تم رسمه لعملية الانتقال في السودان.

ومن المعروف الحراك الثوري السوداني الذي استمر اشهرًا عدة، قاوم فيها الشباب ببسالة عنف السلطة الغاشمة وحيلها الرامية لكبح جماح الشارع، كان قد وصل لغايته الأساسية بإسقاط  عمرالبشير وعناصر الصف  الأول من حكم الإنقاذ على الأقل، ولكن الخطوة التالية في اتجاه تحديد خليفة الإنقاذ لقيادة عملية الانتقال مرت بمرحلة عسر عصيبة جدًا، عسر اقتضى الوصول لصيغة تشاركية مع العسكر الذين وإن كانوا جزءًا من النظام السابق، إلا أنهم ورثوا السلطة تلقائيًا بعد انقلابهم على قادتهم، وبالتالي راودتهم أحلام المشاركة في عملية الانتقال، تدفعهم مطامع شخصية مدعومة بمصالح إقليمية. فتمسكوا بالبقاء داخل القصر وأظهروا أنهم لن يتنازلوا عن مواضع في السلطة استولوا عليها بوضع اليد، وإن استدعى الأمر تنفيذ مجزرة مأساوية.

اقتضت سلمية الثورة الوصول إلى تسوية غير عادلة. ومن المعروف أن التسويات تقطع الطريق أمام التغيير الجذري فتبطئه وتنزع عنه إحدى أهم أسلحته ألا وهي الشرعية الثورية. ولكن القوى الثورية التي قبلت التسوية على مضض كانت تستند على سلاح وحدة التحالف الثوري الكبير غير قابل للانهزام أمام العسكر.

وفي ظل معطيات واضحة تم التوافق على وثيقة الحكم ومن ثم إعلان الحكومة. ولكن  الآن وبعد عام من تكوين الحكومة الانتقالية، لا يمكن وصف حال التحالف الحاكم للسودان غير أنه مربك جدًا، فالقوى السياسية التي كان يفترض أنها الحاضنة السياسية للحكومة والتي كان يجب أن توفر لها الدعم والسند اللازمان لاستمرارها، هي اليوم إحدى أضعف حلقات التحالف الحاكم. وكأنها تريد أن تثبت ما يقوله عنها عطا البطحاني في كتابه عن إشكاليات الانتقال السياسي في السودان؛ أن ظاهرة التناحرات وتشكيل المجموعات والتكتلات والانشقاقات وقصر النظر لدى الطبقة السياسية والسعي المحموم لتعظيم الفائدة الشخصية والحزبية العاجلة على المصلحة الوطنية الآجلة، هي سمة بنيوية من سمات الطبقة السياسية في السودان. فخلافات التحالف السياسي الحاكم فيما بينها وخلافاتها مع الحكومة، لا يمكن تفسيرها لا كونها تعبير عن فشل الساسة في قراءة الواقع الذي صنع الانتقال، فالكثير من الانتقادات التي توجه للحكومة كانت نتاج واقع صنعه التحالف السياسي بالمشاركة في وضع الوثيقة والاتفاق مع العسكر ومن ثم اختيار أعضاء الحكومة.

اقرأ/ي أيضًا: الانتقالية وحاضنتها.. والخروج من المتاهة السياسية

كما أن الكثير من الخلافات والانشقاقات تعبر بصورة واضحة عن عدم المقدرة على التوافق، والارتكان إلى المواقف التي تدعم المواقف الشخصية أكثر من كونها خلافات حول مبادئ حقيقية.

عملية الانتقال ومستويات الصراع فيها تفرض على القوى ذات المصلحة في نجاح عملية الانتقال في السودان، الدفع في اتجاه واحد حتى لا يرتد الوضع عليه

تقتضي المسئولية السياسية والتاريخية التعالي  على الخلافات الصغيرة لصالح تقوية قوى التحالف الثوري، خاصة وأن تعقيدات عملية الانتقال ومستويات الصراع فيها تفرض على القوى ذات المصلحة في نجاح عملية الانتقال في السودان، الدفع في اتجاه واحد حتى لا يرتد الوضع عليها. ولن يتم الأمر إلا بوقفة مسؤولة مصحوبة بنقد جاد لمسار التحالف السياسي، ثم تحمل مسؤولية القرارات المتتابعة التي أفضت إلى الوضع الحالي، بالإضافة للاستعداد لتحمل كلفة المشاركة في الحكومة الانتقالية لكل الأطراف التي قررت المشاركة، فكعكة الوقوف بعيدًا ومعارضة الحكومة، لا يمكن أكلها والاحتفاظ بها في نفس الوقت.

اقرأ/ي أيضًا

رسالة مفتوحة لوزير العدل بخصوص قانون المعلوماتية

شرق السودان.. ارتداد أم خطوة إلى الأمام؟