في انتظار التدوين.. "عروس الرمال" مدينة الأبيض تنزف ببطء

"على قلق، في كل يوم مع مواعيد إفطار رمضان، صرنا ننتظر قذائف قوات الدعم السريع، التي لم تتوقف منذ أحد عشر يومًا، تبث الرعب والخوف بين سكان المدينة. لن تستطيع أن تخمن في أي مكان ستسقط قذيفة اليوم، فكل الأمكنة قيد "التدوين". هكذا تحدثت المواطنة فتحية التوم، من مدينة الأبيض لـ"الترا سودان"، وأضافت: "فقدنا أعزاء كثر منذ بداية الحرب، عانينا كثيرًا جدًا في الأبيض، وحين استبشرنا خيرًا بفك الحصار عنها بدأ كابوس القذائف المدفعية اليومية، وبلا توقف".

فتح الرحمن حمودة : القصف مستمر بشكل عشوائي لمدة أحد عشر يومًا متواصلة والثابت عند أذان المغرب مع موعد إفطار رمضان

الصحفي المتخصص في شؤون إقليم كردفان، فتح الرحمن حمودة، يقول لـ"الترا سودان"، إن هجمات الدعم السريع الأخيرة على مدينة الأبيض عن طريق القصف المدفعي، هي الأعنف منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023، ويرجع ذلك إلى تمكن الجيش السوداني من فك الحصار عن الأبيض، ما دفع قوات حميدتي إلى الالتجاء إلى القصف المدفعي المستمر من مسافات بعيدة.

ويضيف حمودة: "تمكن الجيش من فك الحصار عبر طريق الأبيض كوستي، في حين انسحبت قوات الدعم السريع من مدينتي أم روابة والرهد وتمركزت في الاتجاهات الجنوبية الغربية لمدينة الأبيض من جهة، ومن الاتجاه الشمالي من الجهة الأخرى في مناطق بارا وما جاورها".

ويتابع حمودة قائلًا: "القصف حتى يوم أمس مستمر لمدة أحد عشر يومًا متواصلة، ويأتي في شكل عشوائي وأزمان غير محددة، لكن الثابت دائمًا عند أذان المغرب مع موعد إفطار رمضان، وهناك فترات صباحية يتم فيها التدوين وأخرى مسائية، مشيعًا الرعب في كل أنحاء المدينة".

المواطن عمر عبدالحليم، قال لـ "الترا سودان"، إن مدينة الأبيض بعد فك حصار الدعم السريع جزئيًا عن طريق متحرك الصياد التابع للجيش في الثالث والعشرين من شباط/فبراير الماضي، شهدت حالة من الانفراج النسبي، إذ توفرت السلع الغذائية مع فتح طريق الأبيض – كوستي، كما انتعشت الحركة التجارية في أسواق المدينة، قبل أن تعود مرة أخرى للركود مع القصف المدفعي اليومي لقوات الدعم السريع.

ويضيف عبدالحليم: "تواجه المواطنين الآن مشكلة كبيرة في توفر السيولة النقدية، إضافة إلى معاناة أهل الأبيض من انقطاع التيار الكهربائي والماء منذ شهر أيار/مايو 2024، أضف ذلك المشاكل الصحية المتعلقة بندرة الأدوية ونقص الكوادر الطبية في المستشفيات العاملة".

تشتهر مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، والملقبة بـ"عروس الرمال"، بكونها تضم أكبر سوق للصمغ العربي في العالم، وأيضًا تعرف بموقعها الاستراتيجي بين الطرق الرابطة بين ولايات دارفور في غرب السودان، وولايات وسط السودان، وربطها بميناء البلاد الرئيسي في بورتسودان شرقي البلاد.

على مدى عامين استطاع وحدات الهجانة التابعة للجيش السودان، الدفاع عن مدينة الأبيض وصد عشرات الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع، التي خططت منذ بداية الحرب للسيطرة على المدينة المهمة من الناحية الاستراتيجية في حربها الدائرة ضد الجيش السوداني.

الصحفي فتح الرحمن حمودة، يرجع لجوء قوات الدعم السريع إلى قصف مدينة الأبيض بهذه الكثافة اليومية، إلى إن المدينة تشهد لأول مرة هذا التجمع الكبير من المجموعات التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية، مثل كتائب البراء والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح وغيرها من حلفاء الجيش.

ويضيف حمودة: "أيضًا في الغالب أن الدعم السريع تحاول إنهاك الجيش في الأبيض، في محاولة للسيطرة الكاملة على المدينة، وبالتالي منع الجيش من التقدم صوب دارفور، ومدينة الفاشر تحديدًا، وعزلها في الوقت ذاته عن القوات الموجودة في وسط وشمال البلاد".

تقول المواطنة فتحية التوم في إفادتها لـ"الترا سودان": "لقد صبرنا طيلة الأشهر الماضية على الحصار والمواجهات المتقطعة داخل المدينة، لكنا الآن، مع القصف المدفعي اليومي، فقدنا كل طاقة للتحمل.. ندعو الله فقط أن تتوقف هذه الحرب اللعينة اليوم قبل الغد".