فيضان النيل يهدد المزارعين السودانيين ويعمق أزمة الأمن الغذائي

في منطقة الجريف بالخرطوم، لم يكن المزارع طارق محمد إبراهيم يتوقع أن تغمر المياه أرضه الزراعية هذا العام، بعد أن حرمته الحرب من الزراعة لثلاث مواسم سابقة.

يقول إبراهيم، الذي يزرع محصول البرسيم والخضروات، في تصريح لـ"الترا سودان": "بعد عودتنا إلى مزارعنا بعد مغادرة قوات الدعم السريع المنطقة، فرحنا بذلك وقررنا زراعة البرسيم والخضروات بكميات كبيرة لتوفير حاجة الأسواق من الخضروات". وأضاف: "في وقت الحصاد، غرق جميع المحصول وأصبحنا نقلب أكفنا على ما أنفقنا". وتابع: "استدنت من التجار التقاوى على أمل أن أسدد ديوني من المحصول، ولكن بعدما غمرته المياه، لا أدري من أين أسدد ديوني وأحصل على مصاريف أولادي".

مزارع: "استدنت من التجار التقاوى على أمل أن أسدد ديوني من المحصول لكن بعدما غمرته المياه لا أدري من أين أسدد ديوني وأحصل على مصاريف أولادي"
 

 

تواجه الزراعة في السودان عقبات وتحديات كبيرة خلال فترة الحرب الدائرة في البلاد منذ العام 2023، ولا تجد أزماتها المتعددة مخرجًا وحلًا حتى تظهر عقبة أخرى.

وبعد استعادة الجيش السوداني للعاصمة الخرطوم في أواخر آذار/مارس الماضي،  كانت أمنيات المزارعين تحقيق موسم زراعي ناجح يساعد في تعويض ما سبق من مواسم، لا سيما بعد أن دمرت قوات الدعم السريع أغلب المشاريع الزراعية، أما بالاتلاف أو السرقة، وتكبد المزارعون خسائر كبيرة، ثم جاء الفيضانات التي شهدتها الخرطوم خلال الأيام الماضية ودمرت ما تبقى من أمل لدى مزارعي الولاية بعدما أغرقت المياه أراضيهم وأدخلتهم في خسائر جديدة.

أراضٍ شاسعة

لم يكن طارق إبراهيم وحده من المزارعين الذين تضرروا من فيضان النيل الذي غمر أراضي شاسعة في ولاية الخرطوم. وجد المزارعون أنفسهم أمام كارثة طبيعية غير متوقعة، رغم عدم هطول أمطار غزيرة تجعلهم يحتاطون للفيضان.

كانت المفاجأة بالنسبة لهم أن تأتي الفيضانات بعد افتتاح سد النهضة، الذي أكد الخبراء بأن تشييده يحمي السودان من مخاطر الفيضانات الموسمية. لكن ما حدث كان العكس تمامًا.

من جهته، قال المزارع بابكر الحسن من مزارعي مدينة شندي بولاية نهر النيل: لـ"الترا سودان": "اضطررت إلى بيع محصولي من البصل بسرعة، خوفًا من تعرضي للخسارة".

وأضاف أن عددًا كبيرًا من المزارعين اضطروا إلى بيع محاصيلهم بعد ورود أنباء عن فيضانات في المناطق المنخفضة، مما قد يؤثر على الزراعة. وأشار إلى أن هذا الوضع أدى إلى انخفاض أسعار بعض المحاصيل، مثل البصل، في الأسواق.

6 ولايات

اجتاحت المياه 6 ولايات، بعد ارتفاع منسوب النيل الأزرق الناتج عن فتح بوابات سد النهضة.

وامتدت الفيضانات إلى أحياء واسعة جنوب الخرطوم مثل فتيح العقلين والكلاكلة والشقيلاب وتوتي وأبوروف والحتانة وود رملي شمالي بحري، بينما حاول السكان يائسين إقامة متاريس ترابية عن طريق جوالات التراب لصد المياه لكنها لم تحمِ منازلهم ومزارعهم. كما اجتاحت المياه محليات قيسان جنوب الدمازين وسنار والمتمة بولاية نهر النيل.

الأوضاع تحت السيطرة

على الرغم من تفاقم الكارثة وتأثيراتها الخطيرة على المواطنين والمزارعين في بعض مناطق ولاية الخرطوم، إلا أن اللواء قرشي حسين، مساعد المدير العام للدفاع المدني للطوارئ والكوارث، أكد انخفاض مناسيب النيل في عدد من المحطات النيلية. وأكد أن الأوضاع تحت السيطرة تمامًا في ولاية الخرطوم.

وقال اللواء قرشي لـ"الترا سودان": إن الوضع الآن تحت السيطرة ومستقر مع انخفاض في مناسيب النيل، على الرغم من المياه الواردة من الهضبة الإثيوبية وحزان الرصيرص.

وتوقع اللواء قرشي أن يبدأ فيضان النيل في الانحسار تدريجيًا في الأيام القادمة.

وأشار إلى أنه حتى الآن، لم ترد أي بلاغات عن وفيات أو إصابات أو انهيارات لمنازل بشكل واضح في جميع ولايات السودان.

واستدرك قائلًا: على الرغم من ذلك الحذر موجود والقوات وغرف الطوارئ في كل الولايات على هبة الاستعداد، وبحمد لله الأمر مستقر، على حد قوله.

وأشار إلى أن هناك ارتفاعًا في مناسيب النيل خلال الأيام الماضية، مما أدى إلى زيادة في منسوب المياه وحصر بعض المناطق الهشة.

وأوضح أن هناك جسورًا واقية في ولاية الخرطوم تقف عليها قوات الدفاع المدني، موزعة في ارتكازات معروفة في المناطق الهشة لسد الثغرات ومعالجة أي كسور بشكل فوري.

وتفقد الأربعاء الأول من أكتوبر الجاري، المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم بالإنابة، كمال عوض الكريم، عددًا من مناطق الهشاشة على ضفتي النيلين الأبيض والأزرق شملت الرميلة، والعزوزاب، ودعجيب وتوتي.
وأكد عوض الكريم أن الوضع "مستقر حتى الآن ما لم تطرأ تطورات جديدة"، مطمئنًا المواطنين بالتزام محلية الخرطوم بالتنسيق مع وزارة البنى التحتية، بمعالجة أي طارئ محتمل عبر نظام الإنذار المبكر في غرفة طوارئ الخريف بالمحلية.

ودعا المسؤول السوداني المواطنين إلى ضرورة الإبلاغ الفوري عن أي ارتفاع في مناسيب النيل بمناطق الهشاشة والتواصل مع غرفة الطوارئ لضمان تجاوز مرحلة الفيضان بأقل الأضرار.

عدم التزام إثيوبيا

يعتقد خبراء وسياسيون أن حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد تتحمل المسؤولية عن إدارة سد النهضة دون التشاور الكافي مع الحكومة السودانية بشأن الملء وعملية التشغيل، مما تسبب في أضرار جسيمة للأراضي الزراعية في السودان. كما ينتقدون إثيوبيا لعدم وفائها بوعودها بتزويد السودان بالكهرباء الرخيصة من السد.
وقال عضو وفد التفاوض السوداني حول سد النهضة بروفيسور أحمد عكود في تصريح صحفي سابق، إن ملء السد لأقصى منسوب في أيلول/سبتمبر الماضي "بغرض الاحتفال" أجبر إثيوبيا على تصريف كميات ضخمة من المياه في توقيت غير مناسب، وهو ما تسبب بالفيضان.

تحقيق عاجل

من جهته، طالب د. أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة، بتحقيق عاجل حول فيضان سد النهضة وتعويض المتضررين.

وأشار إلى أن الفيضان الذي حدث مؤخرًا أدى إلى أضرار بالغة للمواطنين، وأن الحكومة مطالبة بالاعتذار للمواطنين وفتح تحقيق حول الموضوع.

كما طالب د. المفتي في تصريح لـ"الترا سودان": بضرورة اتخاذ ترتيبات هندسية تستوعب كل تدفق للمياه غير المرغوب فيه من سد النهضة، وقال إن ذلك يمكن إن يكون عملًا هندسيًا ضخمًا يوجه المياه الزائدة إلى مناطق مناسبة في سهل البطانة أو صحارى أم درمان.

ودعا الحكومة بالشروع فورًا في تنفيذ هذه الترتيبات الهندسية، وقال إن ذلك سيجعل من الدكتور كامل إدريس، رئيس الوزراء، أعظم الرجال الذين حكموا السودان.

خطأ بشري

وفي وقت سابق من أيلول/سبتمبر الماضي، افتتحت إثيوبيا سد النهضة الإثيوبي الكبير، أكبر سد في أفريقيا، بهدف تعزيز الاقتصاد. معلنة أن السد، الذي بلغت تكلفته نحو 5 مليارات دولار، والواقع على رافد النيل الأزرق لنهر النيل بالقرب من حدود إثيوبيا مع السودان، سينتج أكثر من 5 آلاف ميغاواط من الكهرباء.

وفي العام الماضي، تضرر نحو نصف مليون شخص من الفيضانات في السودان، فيما حذرت الأمم المتحدة، من أن تكرار حدوث الفيضانات هذا العام يعمق الاحتياجات الإنسانية وإن آلاف الأسر تحتاج إلى الدعم والمأوى بشكل عاجل.

والاثنين 29 أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة الزراعة السودانية أنها سجلت ارتفاعًا كبيرًا في منسوب النيل الأزرق، مضيفة أن ذلك يتزامن أيضًا مع "زيادة كبيرة في إيراد النيل الأبيض" من المياه.

المدير التنفيذي لمحلية الخرطوم: "الوضع مستقر حتى الآن ما لم تطرأ تطورات جديدة"
 

 

وسبق أن أصدرت وزارة الري السودانية -الأحد الماضي- ما وصفته بـ"إنذار أحمر"، تحذيرًا من احتمال حدوث فيضانات في 5 محافظات على طول نهر النيل، مشيرة إلى ارتفاع منسوب المياه في رافديه الرئيسيين، النيل الأزرق والأبيض.

وحثت الوزارة السكان في ولايات الخرطوم، ونهر النيل، والنيل الأبيض، وسنار، والنيل الأزرق على توخي الحذر، إذ قد تؤثر الفيضانات على الأراضي الزراعية والمنازل.

وأكدت الوزارة أنها شكلت غرفة عمليات طارئة لمتابعة الوضع، مشيرة إلى أن الوارد من النيل الأزرق بدأ في الانخفاض مؤخرًا، ومن المتوقع أن تتراجع المناسيب تباعًا.