24-سبتمبر-2015

الخرطوم خلال احتجاجات أيلول/سبتمبر 2013

ضائقة اقتصادية غير مسبوقة تسبب فيها الحصار المضروب على الحكومة، إضافة إلى الفساد الذي ظل يأكل كل شيء مدة ربع قرن، ونفاد صبر أجيال انسدَّ أمامها الأمل؛ من استفزازات مسؤولين ظلت تتكرر على مدى أعوام، وهم يتحدثون عن أن الشعب كان قبل مجيئهم "مجموعة من الشحاتين"، وأن لا أحد كان يمتلك قبل حكمهم غير "قميص واحد"، ليبلغ الاستفزاز قمته بحديث رئيس الدولة عن أنه لولاهم لما سمع السودانيون بالبيتزا والهوت دوغ! كل ذلك مع استصحاب التوتر الذي أحدثته أخبار سقوط "7" مواطنين قتلى في قمع تظاهرات اندلعت قبلها بثلاثة أيام، في نيالا، كبرى مدن ولاية جنوب دارفور، احتجاجًا على تردِّي الأمن.

ظهر الاثنين 23 أيلول/سبتمبر 2013، اشتعلت التظاهرات في ودمدني

تلك كانت الخلفية التي أعلنت فيها الحكومة السودانية، في مؤتمر صحفي يوم الأحد الثاني والعشرين من أيلول/سبتمبر 2013، رفع الدعم عن المحروقات، ما يعني ارتفاع أسعار السلع المرتفعة أصلاً، لكن ما مثَّل النقطة التي فاض بها الإناء، كانت الطريقة التي أُعلن بها القرار من قبل الرئيس، إذ بدا وكأن الحكومة لا تبالي كثيراً برضا أو عدم رضا المواطنين عن القرار.

في ظهر الإثنين 23 أيلول/سبتمبر، اشتعلت التظاهرات في ودمدني، كبرى مدن وسط السودان، عقب تنفيذ قرار زيادة أسعار المواد البترولية. جوبهت تلك التظاهرات بإطلاق النار من قبل القوات النظامية، ما تسبب في مقتل "13" مواطنًا في ذلك اليوم، ثم انطلقت حملة اعتقال طالت الناشطين السياسيين والحقوقيين. وفي يوم 24 أيلول/سبتمبر، شهدت العاصمة الخرطوم خروج عشرات الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع المدن الثلاث؛ أم درمان وبحري والخرطوم، هاتفين ضد قرار رفع الدعم عن الوقود، ومطالبين برحيل النظام.

كان حصاد تظاهرات الخرطوم، التي استمر زخمها حتى نهاية أيلول/سبتمبر، أكثر من "80" قتيلاً وفق الإحصاء الحكومي، وأكثر من "200" بحسب إحصاءات مستقلة، جلّهم من الأطفال وطلاب المدارس، الذين نعتهم الخطاب الرسمي في ما بعد بـ"المتفلتين وأفراد العصابات"، و"الخونة وقطاع الطرق" بحسب تعبير الرئيس البشير في حوار مع صحيفة "عكاظ" السعودية "نشر الاثنين 12/10/2013".

في البداية رفضت الحكومة الاعتراف بقتل المتظاهرين، متحججة بأن "هناك مندسين هم من يقتلون المتظاهرين"، وأن كل حالات الوفاة التي وقعت تمت "بأيدٍ آثمة قصدت إشعال الفتنة في البلاد"، بحسب تصريحات المسؤولين في تلك الأيام، قبل أن يشكك إبراهيم محمود حامد، وزير الداخلية، في مؤتمر صحفي في الثلاثين من أيلول/سبتمبر، في حدوث القتل من الأساس، معلقًا على صور القتلى قائلًا إن "معظم الصور المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي هي من مصر" متجاهلًا اختلافات جوهرية في اللافتات والطرز المعمارية والسحنات وغيرها من الدلائل. 

كان حصاد تظاهرات الخرطوم، التي استمر زخمها حتى نهاية أيلول/سبتمبر، أكثر من "80" قتيلاً

إلا أن الحكومة بعد ضغوط عالمية عادت واعترفت بسقوط حوالي "80" قتيلًا وإن ظلت تنكر قتلهم حتى اليوم وتتهم "طرفًا ثالثًا" بذلك. لكن الصحفي، بهرام عبد المنعم، يعبِّر عن وجهة نظر شعبية تقف نقيضًا لهذا الزعم، حين يقول لـ"ألترا صوت" إن "القوات النظامية هي التي فتحت النار على المتظاهرين مرتدية أزياء مدنية للتمويه". وهو الرأي الذي صرَّح به بهرام أمام وزير الداخلية السوداني في مؤتمره الصحفي المذكور، ما تسبب في تعرضه للمساءلة.

ومثل كثيرين، يربط الشاب محمد الفكي سليمان، وهو ناشط سياسي معارض، بين "هبة سبتمبر" وثورات سابقة شهدها السودان. "السودانيون أزالوا بالعمل المدني نظامين عسكريين من قبل" يقول سليمان، وهو يعني ثورة 21 تشرين الأول/أكتوبر 1964 التي أطاحت حكم الجنرال عبود، وانتفاضة 6 نيسان/أبريل 1985 التي أنهت حكم المشير جعفر نميري. وإن كانت "هبة سبتمبر" لم تدرك النجاح الذي حصدته الثورتين السابقتين، فيعود ذلك إلى "ضعف أحزاب المعارضة وغياب المشروع النظري لديها لإسقاط وصناعة البديل" كما يقول لنا الصحفي علاء الدين محمود، أحد الشباب الناشطين في معارضة النظام. 

ما حدث في أيلول/سبتمبر 2013، هو – باتفاق كثيرين استطلعناهم - هبة شعبية قادها الشباب لإسقاط النظام، لكن تم خذلانهم من الأحزاب المعارضة والأجسام المنَظَّمة التي خشيت أن يزيحها نجاح الانتفاضة من المشهد السياسي السوداني.

أدت هذه الهبة إلى نتائج متباينة، منها جلوس المعارضة التقليدية والحكومة إلى طاولة حوار لاقتسام السلطة قبل أن يطاح بكلتيهما، كما أدت إلى شروخ في جسد الكيان الحاكم بخروج المعترضين على القمع الدامي للانتفاضة، مثل غازي صلاح الدين، الذي كون حزبًا جديدًا. ومن النتائج، أو المكاسب بحسب وصف علاء الدين محمود، أنها "أثبتت أن الانتفاضة الشعبية ممكنة جدًا". 

وأيضًا جعلت الرئيس البشير، كما يقول بهرام عبد المنعم، يسعى للخروج من مأزقها بتوجيهه وزارة العدل، في الأيام الماضية، بتعويض أسر الضحايا، في محاولة يائسة لتفادي إحالة الملف إلى مجلس حقوق الإنسان.

ومهما يكن من أمر، تأتي الذكرى الثانية لـ"هبَّة سبتمبر"، ولا يزال الكثير من حقائقها مخفيًا. وإن كانت لها مآسيها ومكاسبها؛ فهي تظل إشارة على استحالة استكانة الشعوب إلى الأبد.