27-ديسمبر-2020

(الترا سودان)

هل تقف الإعاقة كعقبة أمام تحقيق الحلم والطموح؟ التقرير التالي يستعرض تجارب حقيقية لفتيات سودانيات من ذوي الإعاقة، كسرن الصورة النمطية للفتاة ذات الإعاقة، وتمكنَّ بالعزيمة والإرادة من دخول دائرة الإنتاج ومجال الأعمال، عبر إنشاء مشاريع إنتاجية خاصة.

مريم.. تصنع أجمل الحلى النسائية ولا تراها 

تستقيظ مريم إبراهيم ذات الـ(20) ربيعًا كل صباح وتقوم بواجبات يومها دون انتظار مساعدة من أحد، تؤدي مهام يعجز عنها مالكو البصر، وتستعد للذهاب للمركز القومي لتأهيل المكفوفين لمواصلة دراستها ويومها الاعتيادي.

مريم بعزيمتها وإصرارها على النجاح حولت المستحيل، إلى فعلٍ يومي اعتيادي

وعلى الرغم من أن المسافة للمركز بعيدة، فإن مريم اعتادت الحضور من حي المعمورة بالخرطوم، إلى المؤسسة بحري، يوميًا، بالمواصلات العامة، لوحدها وهي لا تبصر الطريق. وبنهاية اليوم تعود عبر ذات الطريق، في رحلةٍ تبدو اعتيادية لمن يبصر، لكن مريم بعزيمتها وإصرارها على النجاح حولت المستحيل، إلى فعلٍ يومي اعتيادي. 

اقرأ/ي أيضًا: افتتاح النسخة الثانية من دوري السيدات

وتطمح مريم إلى دراسة علم النفس مستقبلًا، فهي تستعد لخوض امتحانات الشهادة السودانية، ولا تكاد تدخر جهدًا في الدراسة وأداء الواجبات، تقول "علم النفس هو علم الحياة، يعجبني كثيرًا، أرغب بتقديم المساعدة للآخرين والتخفيف من آلامهم". 

"الإعاقة ليست مشكلة وعائق في استمرار الحياة"، بهذه العبارة كانت إجابة مريم عن تحديات الإعاقة، وتابعت قائلة إنها وجدت الدعم والسند الكافي من العائلة والمحيطين بها، ولم تشعر يومًا بأنها ناقصة في شيء. مع ذلك، أكدت إن قليل من تحديات الحياة تواجهها وتضطر لتقبل مساعدة الآخرين، وأردفت "الإعاقة البصرية قضاء وقدر، ولا اعتراض على حكم الله". 

حولت مريم إعاقتها إلى فنٍ إبداعي جميل، وشاءت الصدف في 2013 أن تلتقي ببائعة الأطعمة الشهيرة عوضية كوكو، والتي قامت بتنظيم ورشة لمدة أسبوعين لتعليم المكفوفات فن صناعة الإكسسوارت النسائية، وكانت مريم إحدى الدارسات، تقول إنها وجدت نفسها تمتلك الموهبة، وساعدتها الورشة بتعلم المبادئ الضرورية وصقل موهبتها.

تصف مريم نفسها بالمحترفة في مجال صناعة الإكسسوارات، فعملها يقف شاهدًا على مقدرتها وتفوقها، وقالت إنها عند شراء معدات الصناعة تسأل البائع عن ماهية الألوان قبل اختيارها، ثم تبدأ في عمليات التنسيق والزخرفة حتى مرحلة خروج الإكسسوار بشكله النهائي.

وقالت مريم، إن أسعار المواد الأساسية باهضة، وأكدت أنها وجدت الدعم والمساندة، قائلة "هذا مشروعي المهم في الحياة ولن أفارقه"، وتنوي مريم مستقبلًا تطوير وتوسيع العمل عقب الانتهاء من امتحانات الشهادة السودانية. 

تقوى.. تنشئ مشروعها الخاص

نصف يوم، هو الزمن الذي استغرقته المحررة للوصول إلى تقوى محمود ذات الـ(20) عامًا، كانت الرحلة بمشاقها أكثر متعة حين التقيتها بمنزلها الكائن في الحارة (68) أم درمان. استقبلت تقوى "الترا سودان" بترحابٍ كبير وقدمت الحلوى وقطع التمر والماء، في دليلٍ قاطع على أن الإعاقة ليست تحديًا يمنعها من ممارسة الحياة الطبيعية بشكلٍ اعتيادي.

عرّفت تقوى نفسها بأنها درست بمدرسة خاصة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، تتذكر تقوى أسماء معلميها جيدًا وتستحضر وجوههم بابتسامة جميلة.

تؤكد تقوى أنها تعلمت صناعة الإكسسوار من خلال متابعة اليوتيوب، ويقول والدها إن أختها الصغرى كانت تعينها على مشاهدة فيديوهات تعليمية لفن صناعة الإكسسوار النسائي، وأن ما تركز عليه تقوى تتقنه سريعًا. 

كانت تشاهد المقاطع وتعود لتطبيق ما تعلمته منها بمنتجات ذات طابع سوداني معاصر، وتستغرق في صناعة طاقم نسائي كامل أقل من ساعة لإنجازه. 

يقول والدها، إن تكلفة المواد الخام صارت باهظة الثمن، وتكون عمليات البيع فوق التكلفة المادية الأساسية بقليل، لأن الهدف من وراء المشروع -الحديث لوالد تقوى- هو أن تواصل الابنة في العمل وتدخل دائرة الإنتاج. 

اقرأ/ي أيضًا: عام الموت.. أبرز السودانيين الراحلين في 2020

وتعرض تقوى أعمالها في كثير من معارض البلاد المختلفة، كان آخرها معرض "الشباب ينتج" برعاية وزارة الصناعة والتجارة، حيث جرى تكريمها كواحدة من أهم مبدعات السودان، وتعد أول سودانية من ذوي الاحتياجات الخاصة تنشئ مشروعها الخاص. 

والدة تقوى: تقوى تعيش حياتها بشكلِ عادي مثل الآخرين، وهي محبوبة من الجميع

وتقول والدة تقوى، إن تقوى تعيش حياتها بشكلِ عادي مثل الآخرين، وهي محبوبة من الجميع، وأكدت إنها كانت الطالبة المثالية في سنوات الدراسة. وتابعت بالقول إن ممارسة العمل ساعدتها في التداخل مع الناس وتحسين النطق، وكانت تذهب لحلقات تحفيظ القرآن الكريم، وعندما يعرض التلفاز آياتٍ قرآنية تعرف السورة على الفور، وعند ممارسة العمل لا تجلس إلا والمصحف الشريف إلى جوارها، لتقرأ ما تيسر من آيات الذكر.

اقرأ/ي أيضًا

اللاجئون.. الوجه الحقيقي للحرب في في إقليم تيغراي

الحرب.. توظيف سيئ لخيال أسوأ