12-يونيو-2022
نساء سودانيات

يشمل العمل غير المأجور للنساء الخدمات التي تقوم بها المرأة في المنزل (OCHA)

يعرف العمل غير المأجور للنساء، بأنه الخدمات التي تقوم بها المرأة في المنزل، من كنس وطبخ ونظافة وتربية للأبناء، دون نظير مادي. ومؤخرًا بدأ هذا المصطلح يتداول بكثرة في الأوساط النسائية والكيانات النسوية، واختلفت وجهات النظر والمدارس التي تتحدث عنه. 

وتدعو جماعات نسوية حول العالم، إلى اعتبار عمل المرأة المنزلي عملًا يتطلب أجرًا من الدولة، وانتشر هذا المفهوم في دول العالم الثالث، ومن بينها السودان، ليثير جدلًا في الأوساط النسوية، وتحديد قيمة الأجر الذي يجب على الدولة دفعه للنساء، نظير خدماتهن المنزلية، فيما ترى كثير من النساء أن العمل المنزلي واجب عليهن. وما بين رفض البعض لهذا المفهوم، وموافقة آخرين، تتعدد وجهات النظر والرأي.

مودة ورحمة

تنظر كثير من المدارس النسوية، إلى عمل المرأة المنزلي، بدون أجر، إلى إنه أقرب إلى وظيفة يؤديها العامل دون أجر، نظرًا للمجهود الشاق الذي تبذله المرأة، والسنوات الطويلة التي تقضيها في العمل. 

تدعو جماعات نسوية حول العالم إلى اعتبار عمل المرأة المنزلي عملًا يتطلب أجرًا من الدولة

وفي هذا الإطار، تقول المهتمة بقضايا النساء سجود السجاد، إن المدارس تختلف في وجهات النظر، حيث ترى مدارس أن لا بد من إعطاء المرأة مقابلًا ماديًا، وهي المدارس المادية عمومًا، وتقول مدارس أخرى بأن عمل المرأة في المنزل، جزء من رسالتها وقيمتها في الحياة. 

وتقول السجاد، بأن المدارس المادية ترى أن عمل المرأة يمكن أن تؤديه في روضة خارجية "على سبيل المثال" وتتقاضى عليه أجرًا ماديًا. وتكمل: "من وجهه نظري، أنظر إليه من باب الأخذ والعطاء، لأن الاسرة منظومة متكاملة تتبادل فيها الأدوار وتقوم على المودة والرحمة والتكاتف بين أفرادها، وليس انتصار جنس على آخر".

وترى السجاد، أن على الدولة والمؤسسات الخاصة أن تولي قضايا المرأة اهتمامًا أكبر، وخاصة إعطاء إجازات الأمومة، وأن تخصص غرفة في كل مؤسسة لحضانة الأطفال، مع توفير الدولة للمساعدات للأسر والأمهات ذوات الحاجة، أما الأمومة -كما تقول السجاد- فلا يجب الحديث عن الأجر المادي فيها، مع التأكيد على فائدة الأمومة، من حيث إنها تؤدي دورًا تؤجر عليه من الله، وتساعد في رفد المجتمع بأشخاص فاعلين، يساهمون في البناء، دون انتظار مقابل مادي.

قضية للنقاش

وبحسب مختصين، تختلف أوضاع النساء داخل المنازل وطبيعة العمل، ونوعه واختصاصه، مع صعوبة تحديد مقدار العمل المبذول جسديًا بين امرأة وأخرى.

وبحسب ما تقول الناشطة السياسية تقى كمال الدين، فإن في دول العالم الأول، يعطى الرجال غير العاملين، أجرًا، فالقضية مرتبطة بطبيعة اقتصاد تلك الدول، في حين تكمن مشكلة عدد من المدارس النسوية بالنسبة لتقى في أنها منفصلة عن الواقع، وتعلل ذلك بالقول: "تستورد المدارس الراديكالية الإشكالات وحلولها الموجودة في الغرب، دون النظر إلى المشكلات الاجتماعية والسياسية الموجودة في واقعهم".

https://t.me/ultrasudan

وترى تقى أن إعطاء النساء أجرًا، قضية إيجابية، لكن يجب النظر إلى الواقع، والبحث عن تمكين النساء اقتصاديًا، ومعالجة المشكلة الحقيقية.

وضربت تقى مثالًا بالمرأة في غرب البلاد، حيث تختلف قضاياها عن المرأة في الوسط والشمال والشرق لأنها تعمل في الزراعة، وتقول تقى: "يجب على الدولة البحث عن تخفيف المعاناة عنها، وتقليل ساعات العمل، ومشاركة الرجل معها في العمل، عن طريق الدراسات، والعمل على تغيير العادات والتقاليد التي تغير واقع المرأة إيجابيًا".

وتكمل: "تقوم الأسرة على تقسيم الواجبات والحقوق بينها، ويطالب الرجل بما هو متاح له، أن يقدر عمل المرأة، التي ليس مطلوبًا منها إعداد القهوة والطعام، إنما هي تفعل ذلك كمعروف منها". وتضيف بأن وجود المرأة في الأحزاب فئوي، مثل وجود أمانات للمرأة، وعلى الدولة عبر الدراسات والبحوث، أن تسعى لتمكين المرأة اقتصاديًا، ولتصبح عضوًا فعالًا في المجتمع".

عوائق وتحديات

المقصود بالعمل غير المأجور هو عمل النساء في المنازل، وما توفره لعائلاتهن من تربية الأطفال ومهام الطبخ والنظافة، وقبل الخوض في عمل النساء غير المأجور، يجب أن نعرف ماذا يعني الأجر، وعلى أي أساس يتم تحديده بالنسبة للأعمال المدفوعة، لنعرف إذا ما كان بإمكاننا تطبيق نفس المقاييس على العمل المنزلي.

وتقول المهتمة بقضايا النساء عصماء الدخري، إن هناك عدة متغيرات يتم من خلالها تحديد الأجر المناسب لكل عامل، وهي متباينة في الوظيفة الواحدة، ومتباينة فيما يخص سوق العمل. ومن أمثلتها للوظيفة الواحدة عدد الساعات، الحد الأدنى، الخبرة..إلى آخره.

وأشارت إلى أن أحد عوائق تحديد أجر النساء في المنازل، طبيعة المجال الخاص التي تختلف عن السوق المحدد بساعات عمل معينة ونواتج ملزمة. وتضيف " عمل النساء في المنازل له فوائد اقتصادية كبرى، فيما يخص تربية الأطفال، وفيما يخص تهيئة الجو المناسب للعمال الآخرين، ونجد أنه قبل الثورة الصناعية، التي حددت مجالًا موحدًا للنساء والرجال في الإنتاج، لم يوجد مصطلح العمل غير المأجور، إذ أن مقاييس فائدة العمل وأهميته، لم تكن تحدد بالمقابل المادي، بل بمدى مساهمته في المجتمع ونفعه للدولة"، على حد قولها.

وتمضي بالقول: "إذا نظرنا إلى طبيعة العمل المنزلي والعمل خارج المنزل، نجد أن كليهما مفيدان ولا يصح وضعهما تحت مقياس واحد يكون للعمل خارج المنزل فقط، وهو الأجر". وبحسب ما ترى الدخري، فإن مقياس النفع هو ما تعاملت به الشريعة الإسلامية مع عمل النساء في المنزل، فجعلته عبادة لتحث المرأة على الإتقان والإخلاص فيه، وجعلته يعدل عمل الرجل خارج المنزل، وأعطته نفس الثواب، لأن هذا هو مقياس المسلم في الأعمال.

عصماء الدخري: مقياس النفع هو ما تعاملت به الشريعة الإسلامية مع عمل النساء في المنزل

وأردفت: "صك مصطلح عمل غير مأجور هو عبارة خطيرة، عادة ما يتم تمريرها لتحقير ربات البيوت، خصوصًا مع معرفة صعوبة قياس الأجر بالنسبة للمجال الخاص، ففي هذا التحقير الضمني والأفق المسدود لرفعه، يتم دفع النساء لسوق العمل، خصوصًا في ظل رأسمالية جعلت المقياس الأوحد لقيمة عمل الفرد هي أجره".

ما تزال قضية العمل غير المأجور للنساء، موضع نقاش وجدل بين المدارس النسوية والفكرية، في وقتٍ يرى فيه مختصون أن حكومات العالم الثالث عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها حتى تجاه موظفيها، ناهيك عن الإيفاء وتقديم المساعدات المادية للنساء نظير أعمالهن المنزلية، التي تختلف في حجمها وتكلفتها من سيدة إلى أخرى.