08-يناير-2025
االفريق محمد حمدان دقلو - ارشيفية

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"

مع تعثر جهودها في وقف إطلاق النار، ربما فضلت إدارة الرئيس جو بايدن مغادرة البيت الأبيض بعد إجراء تطورات كبيرة على الملف السوداني إثر إعلان عقوبات مباشرة طالت قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، مع الإعلان رسميًا على أن قواته ارتكبت في السودان جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

مع تعثر جهودها في وقف إطلاق النار ربما فضلت إدارة الرئيس جو بايدن مغادرة البيت الأبيض بعد إجراء تطورات كبيرة على الملف السوداني

وكانت وزارة الخزانة الأميركية، فرضت في أيلول/سبتمبر الماضي، عقوبات مماثلة على الرجل الثاني في قوات الدعم السريع وشقيق القائد حميدتي، عبد الرحيم حمدان دقلو، مشيرة إلى انتهاك قواته لحقوق الإنسان وارتكابها أعمال عنف باستهداف المدنيين وممارسة العنف الجنسي.

وفي آب/ أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على شقيق حميدتي، والشخص الثالث من حيث التراتبية في قيادة قوات الدعم السريع، القوني دقلو، لتورطه في شراء وتوريد السلاح لقوات الدعم والإسهام في استمرار الحرب في السودان وتمددها.

وقبل ذلك بنحو ثلاثة أشهر، في أيار/ مايو 2024، فرضت واشنطن عقوبات على قائدين من قادة الدعم السريع، هما قائد هيئة العمليات العسكرية، اللواء عثمان حامد الشهير بـ"عثمان عمليات"، وقائد القوات في وسط دارفور، علي يعقوب، الذي قُتل لاحقًا في مواجهات مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور.

 وبعد فرض عقوبات أمس الثلاثاء 7 كانون الثاني / يناير على القائد حميدتي، تكون قيادات الدعم السريع بأكملها قد نالت نصيبها من العقوبات الأميركية.

عدة رسائل

الكاتب والمحلل السياسي، نضال عبدالوهاب، يرى أن عقوبات واشنطون ضد حميدتي، تأتي في توقيت تشرع فيه الولايات المتحدة في تنصيب حكومة جديدة منتخبة برئاسة دونالد ترامب، بالتالي سيتم نقل ملف حرب السودان بأكمله للحكومة الجديدة في عملية أشبه بجرد الحساب.

ويقول نضال في افادة لـ"الترا سودان"، إن الإدانة الواضحة التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، تنقل ملف السودان محملًا باتهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي جرائم تستوجب المحاسبة جنائيًا على مستوى المحاكم الدولية.

ويضيف نضال، إن توقيت العقوبات، يعني أيضًا رسالة واضحة لمن يتحدثون عن تشكيل حكومة مؤيدة لقوات الدعم السريع يكون مقرها المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات، وفحوى هذه الرسالة أن "الحكومة التي تنوون تأسيسها مسنودة بمجرمين". وما يعني أيضًا قطع الطريق على محاولة تبيض وجه "قادة الدعم السريع" أمام المجتمع الدولي.

إدانات

منذ اندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023، واجهت قوات الدعم السريع إدانات محلية ودولية واتهامات بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" اتهمت الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها بارتكاب عمليات تطهير عرقي وعمليات قتل، قد تشير إلى ارتكاب إبادة جماعية ضد قبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور، وذلك في الفترة من نيسان/أبريل إلى تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وفي الفترة ما بين تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وتشرين الأول / أكتوبر 2024 ارتكبت قوات الدعم السريع، مجازر مروعة في عدة بلدات صغيرة داخل ولاية الجزيرة وسط السودان.

وتتويجًا للإدانات الدولية المتلاحقة لقوات حميدتي فرض مجلس الأمن الدولي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 عقوبات على قائدين بارزين من هذه القوات لمشاركتهما في زعزعة استقرار السودان بارتكاب العنف وانتهاك حقوق الإنسان هما قائد العلميات عثمان محمد حامد (عثمان علميات) وقائد القوات في غرب دارفور عبدالرحمن جمعة بارك الله.

الأصمعي باشري: هناك تقرير مهم يجب أن يقدمه بايدن للكونغرس في 17 كانون الثاني /يناير الجاري يكشف فيه مدى التزام الإمارات بوقف تسليحها للدعم السريع ممكن أن يكون متأخر جداً

وفي إفادة لـ "الترا سودان"، يرى الصحفي المختص بالشأن السوداني، الأصمعي باشري، أن العقوبات الأميركية على محمد حمدان دقلو  (حميدتي)، والدعم السريع كمؤسسة اقتصادية أيضًا، وتوجيه تهمة  ارتكاب إبادة جماعية، خطوة مهمة، لكن يجب أن لا نعطيها قدرًا من التأثيرات، لاسيما أن هناك  دولًا ومسؤولين كبار استطاعوا أن يستمروا عقودًا طويلة في مواجهة العقوبات الأميركية. ولنا في عمر البشير مثالًا.

ويردف الأصمعي بالقول "في تقديري أن الرئيس الأميركي في اللحظات الأخيرة من مغادرة البيت الأبيض، ليس هناك زمن يمهله لإحداث تغييرات كبيرة في قضايا معقدة كما في حرب السودان. ويتابع مستدركًا "لكن هناك تقرير مهم يجب أن يقدمه بايدن للكونغرس في 17 كانون الثاني /يناير الجاري يكشف فيه مدى التزام الإمارات بوقف تسليحها للدعم السريع ممكن أن يكون متأخر جداً، لأن عهد بايدن سوف ينتهي يوم 20 من الشهر الجاري. لذلك جاءت العقوبات على شركات تتبع للدعم السريع مقرها الإمارات".

ويتابع الأصمعي "لكن مؤكد أن للعقوبات تأثيرات كبيرة على الواقع الميداني للحرب وزيادة الكلفة في التسليح والتموين. كما أن لها أيضًا تأثيرها السياسي على مشروع الدعم السريع، إذا كان على مستوى الحلفاء السياسيين، أو الدول الداعمة".

رسائل إضافية

أشار بيان وزارة الخارجية الأميركية بشأن العقوبات المفروضة على قائد قوات الدعم السريع إلى أن الولايات المتحدة لا تدعم أيًا من طرفي النزاع في السودان، وأن هذه العقوبات ضد حميدتي وقوات الدعم السريع لا تشير إلى دعم للقوات المسلحة السودانية أو محاباتها، "فقد وجهت هذه الأخيرة ضربات جوية وهجمات مدفعية ضد المدنيين، وتواصل عرقلة عمليات تسليم إيصال المساعدات الإنسانية".

 وأكد البيان أن الطرفين المتحاربين يتحملان "مسؤولية أعمال العنف والمعاناة التي تشهدها السودان ويفتقران إلى الشرعية لحكم السودان بشكل سلمي في المستقبل".

د. راشد الشيخ: طبيعة العقوبات الأميركية تجاه قائد "المليشيا" هي عملية تجريم في شكل عقوبات شخصية

المحلل السياسي الدكتور راشد الشيخ، يقول لـ"الترا سودان"، إن طبيعة العقوبات الأميركية تجاه قائد "المليشيا" هي عملية تجريم في شكل عقوبات شخصية، وبطبيعة الحال تعني هذه العقوبات عمليًا إخراج "المليشيا" من أي دور سياسي أو أمني في المستقبل.

ويضيف: "وهذا يعني أيضًا محاولة عزلها عن دول المحور الوظيفي وتحديدًا الإمارات، ومن ثم تشكيل مفاهيم جديدة للتعامل مع الأزمة السياسية في السودان".

الكاتب نضال عبد الوهاب، يعود للقول إن العقوبات تعد أيضًا تتويجًا لجهود إيقاف استيراد السلاح لقوات الدعم السريع بواسطة لجنة الشؤون الداخلية في الكونغرس الأميركي.

ويضيف أن العقوبات رسالة أيضًا لـ"تنسيقية تقدم"، وتضعها أمام الإجابة عن سؤال ما مصير اتفاق أديس أبابا الذي وقعته مع هذا "المجرم؟"، حسبما قال. وهل لاتزال العناصر الداعمة لحميدتي داخل التحالف مستمرة أم أن يجب أن تذهب؟  

والعقوبات، بحسب نضال، تذهب أيضًا إلى بريد القوات المسلحة السودانية، إضافة إلى بريد "تنسيقية تقدم"، بأن "راجعوا مواقفكم".

تدخل الحرب في السودان عامها الثاني، ويواجه طرفاها، وبشكل أخص قوات الدعم السريع، اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، والتسبب في مجاعة تهدد كامل البلاد في ظل ترد صحي وغياب للدواء وانتشار للأوبئة والأمراض.

الخبير في الشأن السوداني ناصر السيد النور، يقول إن العقوبات التي فرضتها الخزانة الأميركية على قائد الدعم السريع والشركات المتهمة بتمويل الحرب الجارية في السودان لم تكن الأولى من نواعها ضد أطراف الصراع.

ويتابع، في حديثه لـ "الترا سودان" "على الرغم من أن مثل هذه العقوبات قد لا يكون لها تأثير مباشر على مجريات الحرب إلا أنها تمثل إدانة سياسية صادرة عن دولة كبرى متحكمة في الاقتصاد والسياسية الدولية مما يعني التضييق على طرف الصراع على المستوى الدولي".

ناصر السيد النور: الرسالة يمكن أن تقرأ في سياق تذكير الولايات المتحدة لأطراف الصراع بوجودها وقدرتها الهائلة على التأثير في الصراع، ولكن في الوقت الذي تصدر فيه القرار وإدارة بايدن تغادر واشنطن فالرئيس المنتخب دونالد ترامب يصعب التنبؤ بما سيتخذه من سياسات

ويشير ناصر إلى أن بيان الخزانة الأميركية "عدد الأسباب التي دعت إلى فرض العقوبات لما ارتكبته قوات الدعم السريع من إبادة إثنية والتسبب في النزوح والقتل وغيرها من أعمال وحشية، أكد وزير الخارجية الأميركي على ارتكاب الدعم السريع لها".

ويرى ناصر أن الرسالة يمكن أن تقرأ في سياق تذكير الولايات المتحدة لأطراف الصراع بوجودها وقدرتها الهائلة على التأثير في الصراع، ولكن في الوقت الذي تصدر فيه القرار وإدارة بايدن تغادر واشنطن فالرئيس المنتخب دونالد ترامب يصعب التنبؤ بما سيتخذه من سياسات وقرارات بشأن الصراع القائم.

وفقًا لأحدث بيانات وتقارير الأمم المتحدة تسببت الحرب في السودان في مقتل أكثر من 20 ألف شخص، وتشريد أكثر من 13 مليون مواطن داخليًا وفي دول الجوار.

وتتضافر الجهود الدولية خلال العام الجديد 2025 ومن ضمنها المبادرة التركية لتقريب وجهات النظر بين السودان والإمارات، لوضع حد لأكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم.. فهل تكون العقوبات الأخيرة بداية لطي صفحة الحرب في السودان؟