28-مارس-2021

تنفيذ حكم بالجلد على امرأة سودانية تحت ظل قانون النظام العام في العهد البائد - أرشيفية

أثارت تصريحات مدير شرطة ولاية الخرطوم، المطالبة بعودة قانون النظام العام بشكلٍ جديد يتسق مع شعارت الثورة، استهجانًا واسعًا في الأوساط النسائية. وتعقيبًا على تصريحات مدير شرطة ولاية الخرطوم، أصدرت وزارة الداخلية بيانًا جاء فيه "ليس هناك اتجاه بإعادة إنتاج تشريعات تواضع الشعب على رفضها، باعتبارها مقيدة للحريات العامة، ولا تتفق مع متطلبات التغيير، وعلى رأسها قانون النظام العام، والذي لن يعود بأي صورة من الصور".

تشهد شوارع الخرطوم، منذ أيام، حملات منتظمة تنشط في الدعوة لجلد النساء

وتعليقًا على عودة قانون النظام العام، أصدرت المفوضية القومية لحقوق الإنسان، بيانًا أدانت فيه تصريح مدير شرطة ولاية الخرطوم، وطالبت المفوضية، السلطات السودانية بالتدخل الفوري لمنع الآثار والانتهاكات التي من المحتمل وقوعها، عقب التصريح.

وفي ذات الاتجاه، تشهد شوارع الخرطوم، منذ عدة أيام، حملات منتظمة من مجهولين، تنشط في الدعوة لجلد النساء. وتعالت أصوات رجالية، بضرورة جلد كل فتاة ترتدي زيًا فاضحًا في الشارع العام. وامتدت المطالبة بالاعتداء على النساء في الشوارع، بحرق وجوه النسوة وتشويههن، بهدف المحافظة على قيم وأخلاق المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: "تاء مربوطة".. بودكاست لحديث النسوية السودانية اليومي

وكانت السلطات الرسمية، ممثلة في وزير العدل، أصدرت قرارًا قبل أشهر يقضي بحل مؤسسة النظام العام، وإلغاء قانون العمل به.

تراجع أوضاع النساء

وترى الناشطة النسوية تغريد عووضة، إن حملات جلد النساء في الشوارع ليست بالمفاجأة، وهي حوادث متوقعة، وبحسب عووضة، فأن أوضاع النساء في دول الربيع العربي، شهدت تدهورًا عقب الثورة وفي الفترات الانتقالية، كما حدث في دولتي مصر وتونس.

بيان وارة الداخلية عقب حديث مدير شرطة ولاية الخرطوم
بيان وارة الداخلية عقب حديث مدير شرطة ولاية الخرطوم

وترجع تغريد عووضة ما يحدث، للنظام القمعي الذي استمر ثلاثين عامًا، ومشروعه الآيديولوجي الذي كان يبني عليه القوانين واللوائح الإدارية في مؤسسات الدولة. وكشفت عن سريان جميع القوانين: "قانون الأحوال الشخصية، قانون المرأة والطفل" التي تحمل خطاب الوصاية تجاه النساء.

 هذا بالنسبة للقوانين، أما بالنسبة للحريات بعد الثورة، تقول عووضة، إن حكومة ما بعد الثورة لم تجرِ أية تغييرات هيكلية في بنية القوانين، والمشرع لمؤسسات ما بعد الثورة لا يزال يملك النظرة ذات المركزية الذكورية، والتي تؤسس لمفهوم الوصاية وعدم أهلية النساء. 

اقرأ/ي أيضًا: "جوَّانا أمل".. أطفال ومتطوعون يحاربون السرطان معًا

وتابعت حديثها قائلة: "النساء موجودات في الفضاء الخاص ويحاكمن بقانون الأحوال الشخصية، والفضاء العام غير آمن للنساء"، وقالت إن القوانين الحالية غير عادلة تجاه النساء، وحكومة الثورة لا تزال تستخدم قوانين العهد المبُاد.

استنكار جلد النساء

واستنكرت الكاتبة والصحفية، سهير عبدالرحيم، حوادث جلد النساء، ووصفتها بالخطيرة، وقالت بأن العالم يتجه لإدانة تعذيب المتهمين جنائيًا، وجلد النساء تعذيب لهن. 

سهير عبدالرحيم: لا يوجد قانون يبرر العنف اللفظي، فما بالكم بالعنف الجسدي

وزادت سهير عبدالرحيم بالقول: "لا يوجد قانون يبرر العنف اللفظي، فما بالكم بالعنف الجسدي، وفي العهد البائد لم يكن الجلد يتم في الشوارع، بالرغم من التحفظات تجاه قانون النظام العام، وكان جلد النساء يجري عبر الطرق القانونية من محكمة ونيابة وتحرٍ". 

وطالبت سهير عبدالرحيم، أجهزة الدولة الرسمية بالتدخل الفوري لوقف هذه الظاهرة.

سلوك مخالف للقانون

وقال المحامي نبيل أديب في حديث لـ"الترا سودان"، إن السودان نجح مؤخرًا في التوقيع على اتفاقية مناهضة التعذيب، ولا يمكن العودة لجلد النساء، مرةً أخرى.

ووصف أديب الممارسة بالحاطة من كرامة المرأة. مشيرًا إلى أن قانون النظام العام كان مبنيًا على أخطاء مفاهيمية، ويخلط بين التجريم والتحريم، والقانون يتدخل في التجريم عندما يهدد مصلحة المجتمع. والسلوك الشخصي لا يقابل بالعقاب، إنما -بحسب نبيل أديب- بالتربية والمؤسسات المجتمعية والتوعية. 

وعزا نبيل أديب التفلتات السلوكية الفردية لعدم احترام القانون، بسبب إصدار قوانين قهرية وظالمة طيلة ثلاثين عامًا، مما يولد شعورًا باحتقار القانون وسهولة مخالفته.

الوصاية الذكورية

وتعود الناشطة النسوية تغريد عووضة، لتقول: "بعد الثورة شهدنا تراخيًا للقبضة الأمنية، أما بتواطؤ أو بصورة غير مقصودة، لعدم وجود موجهات جديدة للتعامل مع قضايا الحريات، وتشير عووضة إلى غياب الرؤية، مما وضع الفتيات في مواجهة مع العقلية القديمة.

اقرأ/ي أيضًا: الفشل يُلاحق دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة

ووفقًا لتغريد، فإن الحكومة الحالية لا تملك مشروعًا فيما يختص بقضايا الحريات والحقوق والنساء. وتشير إلى عدم تحقيق المطالب النسوية، متمثلة في الجسد الآمن والحياة العادلة، وجلد النسوة نابع من غياب مشروع تجاههن، ومن تراخي القبضة الأمنية، فأعطى مساحة -والحديث لتغريد عووضة- لكل فرد للتعبير عن ذاته. 

تغريد عووضة: المجتمع قائم على الوصاية الذكورية

وتمضي عووضة قائلة: "المجتمع قائم على الوصاية الذكورية، ومع غياب قانون النظام العام؛ أصبح متوقعًا ما يحدث من جلد للنساء".

وأعادت ظاهرة جلد النساء في الشوارع، ما حدث من وقائع مؤسفة أبان فترة تنفيذ قانون النظام العام، الذي حوكمت بموجبه مئات النساء السودانيات، وتعرضن للجلد والانتهاكات، الجسدية والمعنوية.

اقرأ/ي أيضًا

تعليم الرُحَّل.. نظرة عن قرب

أنثروبولوجيا العطر في الثقافة السودانية