23-سبتمبر-2021

(فيسبوك)

 شهد شرق السودان منذ سقوط النظام السابق أوضاع أمنية شديدة التعقيد، متمثلة في الاقتتالات القبلية المتكررة، خاصة مدينة بورتسودان التي شهدت حوالي سبع نزاعات قبلية. وهذه النزاعات -بحسب متابعين- لا تعبر عن إشكاليات قبلية متجذرة، إنما هي صنيعة لجهات تستخدم الفوضى لتقويض الانتقال السياسي كما أشار نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي وصف هذه النزاعات بأنها "مفتعلة" من قبل جهات لم يسمها.

يحاول الأهالي في الأحياء التي شهدت نزاعات جنوبي بورتسودان في "دار النعيم" و"فلب" تجاوز مرارات وآثار الاقتتالات العبثية

عدم وجود أسباب اجتماعية متجذرة لهذه النزاعات تؤكدها أنماط العيش المشترك بين مجتمعات شرق السودان، كأنما فرضت عليهم هذه الحروبات من حيث لا يدرون. ويحاول الأهالي في الأحياء التي شهدت نزاعات جنوبي بورتسودان في "دار النعيم" و"فلب"، تجاوز مرارات وآثار الاقتتالات العبثية، لذلك أطلق شباب حي دار النعيم دورة رياضية، أسموها "دورة نهضة شباب دار النعيم"، والتي استمرت لأسبوعين، وكان حفل الختام وتوزيع الجوائز في السابع عشر من أيلول/سبتمبر الجاري.

الانتقال من النزاعات للملاعب

لم تمنع مشاعر الحزن ومرارة فقد الأستاذ الأمين صالح لأخيه وابن خالته اللذان راحا ضحايا لهذا النزاع -من أن يفكر لمصلحة متسامية مثل هذه الدورة الرياضية، إذ لاحظ صالح -بحسب إفادة لـ"الترا سودان- وجوم الناس وخاصة الشباب الصغار، والذين أصبحت حكاياتهم وقصصهم كلها تدور حول النزاع وكواليسه، وهي حكاوي مليئة بالتحديات وقصص ما حدث من قتل وحرق. لذا كان لا بد أن يخرج الناس من هذا الجو المشحون.

اقرأ/ي أيضًا: صور| مبادرة نبذ العنصرية بدارفور.. حكاية النضال بالفن

وفي المقابل فإن خطابات ومبادرات السلام الاجتماعي لم تعد مهضومة لأنها لا تلامس شيئًا مما يحدث، ويقول محمد يعقوب أحد أعضاء اللجنة المنظمة: " فكرة الدورة الرياضية طرحها الأستاذ الأمين بهدف أن يخرج الناس من أجواء النزاعات وحكاويه إلى أجواء التنافس الرياضي والفِرَق والملاعب وصفارة الحكم؛ وهذا ماحدث بالفعل".

تفاعل منقطع النظير 

وبمجرد إعلان اللجنة المنظمة عن الدورة عبر صفحات "فيسبوك"، وجدت تفاعلًا كبيرًا ورعاية عدة جهات لهذه الدورة، مثل "منتدى الرواد" في بورتسودان والذي تكفل بجوائز الدورة فضلًا عن تجار قد تكفلوا بتكاليف الدورة.

وخلال الدورة التي انطلقت في 27 آب/أغسطس 2021، وانتهت في 10 أيلول/سبتمبر، لعبت ثمانية فرق وانتهت بفوز الفريق المسمى "مانشستر يونايتد" تيمنًا بالفريق البريطاني.

وشرَّف الدورة نجم المنتخب السوداني المخضرم الكابتن حامد بريمة، كما شارك نجوم دوليين وكباتن فرق على المستوى القومي منهم "البعيو، أمير حسون، مهند بابكر، خالد كنيش، محمد بدوي"، حيث لعبوا ضمن الفرق المتنافسة وكان لذلك رد فعل إيجابي في نفوس لاعبي فرق الحي.

الأطفال.. عشم باكر

 لما للحروب في المدن من تأثير سلبي على كل الفئات وخاصة الأطفال، فلم تغفل اللجنة المنظمة من إشراك الأطفال في الدورة، حيث شارك الأطفال بفريق، وهذا الأمر أعطى للدورة بعدًا جماليًا آخرًا. كما تم تدشين منظمة متخصصة في رعاية الأطفال "عشم باكر".

وفي نهاية الدورة يقول مؤسسها نافع إبراهيم: "إن مثل هذه المنافسات الرياضية هي أساليب غير مباشرة ليتجاوز الأطفال المتأثرين سلبًا بالحرب أو الجانحين المحتملين، وذلك بخلق أجواء تنافسية. وروح الرياضة تهذب نفوسهم وتستعيد توازنهم النفسي".

اقرأ/ي أيضًا: أبواب أوروبا الموصدة في وجه المهاجرين.. هل تحطمها موجات جديدة؟

حتى الفئات الجانحة دون سن العشرين والتي تحاول اعتراض الغرباء الذين يمرون بالحي كمقتضى تأمين في ظرف النزاع؛ تم إدماجهم في أعمال تنظيم الدورة، وأصبحوا يقدمون الضيافة والترحاب لضيوف الدورة، حيث يقول أحد القيادات الاجتماعية في المنطقة الأستاذ عبدالناصر محمد: "هذه الدورة أحدثت تحولًا إيجابيًا كبيرًا خاصة وسط الأطفال والأحداث".

كسر العزلة

وكانت بعض الجهات والمسؤولين بالدولة والقوات النظامية، تصدِّر صورة شائهة لحي دار النعيم على خلفية النزاعات المتجددة، حتى أنها منعت منظمات إنسانية دولية من الوصول لهذا الحي وحالت دون حضور المنظمات للدورة، فضلًا عن تحفظ الكثيرين من الوصول للحي باعتباره منطقة خطرة بسبب الاقتتال القبلي، لكن شيئًا فشيئًا، ومن خلال الإعلام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ يتوافد الضيوف، وكان آخرهم والي الولاية في حفل الختام فضلًا عن إذاعة وتلفزيون الولاية.

احتفاء كبير على مواقع التواصل بالدورة الرياضية في دار النعيم

وعقب المباريات كان ضيوف الدورة يتجولون في الحي ويجلسون في المقاهي ويجدون الترحاب والاحتفاء من شباب الحي حتى أن أصحاب المحلات كانوا يصرون على عدم دفع الضيوف لقيمة القهوة أو الشاي في المحلات. فكانت صفحات الضيوف والمتابعين على فيسبوك تضج احتفاءً بحي دار النعيم ودورته الرياضية، وكيف استطاع هؤلاء الشباب الذين عانوا من الاقتتال القبلي، تحويل مشاعر الغبن والانتقام إلى مشاعر متسامحة ومتقبلة للآخر بواسطة الأنشطة الرياضية، في مثال لهزيمة الظلام بإيقاد مزيد من الشموع، يزرعون الحب والأمل رغم المرارات والأزمات كعادة النفوس الكبيرة، حيث يتعافى الحي الجريح بفضل وعي شبابه.

اقرأ/ي أيضًا

فيضان 2021.. ملامح مأساة متجددة

في اليوم العالمي للشباب.. من يصنع المستقبل؟