سياسة

شكوى السودان ضد الإمارات بمحكمة العدل.. خطوة سياسية أم مسار قانوني؟

11 أبريل 2025
وزير العدل في محكمة العدل الدولية (شكوى السودان ضد الإمارات)
علاء الدين مضوي
علاء الدين مضويصحفي من السودان

قررت محكمة العدل الدولية، الخميس 10 نيسان/ أبريل الجاري، تأجيل الاستماع للشكوى التي تقدمت بها الحكومة السودانية ضد دولة الإمارات إلى موعد يحدد لاحقًا، بعد أن نظرت في الدعوى القضائية، التي رفعها السودان الشهر الماضي، تتهم فيها الإمارات "تسليح قوات الدعم السريع"، وهو اتهام نفته الإمارات.

وفي أولى الجلسات أمس الخميس، ذكر السودان أمام محكمة العدل الدولية أن دولة الإمارات كانت "القوة الدافعة" للإبادة الجماعية في دارفور، بحق قبيلة المساليت نتيجة لدعمها المباشر لقوات الدعم السريع.

وقال وزير العدل السوداني، معاوية عثمان، أمام المحكمة إن "الدعم الذي قدمته الإمارات العربية المتحدة، وهو دعم يستمر اليوم لقوات الدعم السريع والميليشيات الحليفة لها، يبقى المحرك الرئيسي للإبادة الجماعية التي تجلت في عمليات قتل واغتصاب وتهجير قسري ونهب".

تورشين: في حال قبول الشكوى فإن الإمارات ستكون مدانة لوجود الأدلة الدامغة والكافية في الإبادة الجماعية

وطالب الوزير من المحكمة إجبار الإمارات على وقف دعمها لقوات الدعم السريع التي شنت حربًا ضد الجيش السوداني منذ الخامس عشر من نيسان/أبريل 2023.

 رفض الإمارات

ورفضت دولة الإمارات الاتهامات التي تقدم بها السودان لمحكمة العدل الدولية، وقالت إنها "لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية"، وأشارت إلى أنها "لا تدعم أي طرف" في الحرب الأهلية السودانية، وأنه لا يوجد دليل يدعم ادعاءات السودان.

 ورأت في بيانها للمحكمة، أن الشكوى تفتقر إلى أي أساس قانوني أو واقعي، وتمثل محاولة أخرى لصرف الانتباه عن الحرب الكارثية في السودان، كما شككت في اختصاص محكمة العدل الدولية في هذه المسألة.

وأكدت ممثلة الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ريم كتيت، الخميس، أن الاتهامات المقدمة من جانب القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات زائفة.

وقالت ممثلة الإمارات: "فكرة أن الإمارات هي التي تؤجج الصراع في السودان بعيدة عن الواقع، وهذه الدعوة هي مثال لإساءة استخدام هذا الطرف للمؤسسات الدولية من أجل مهاجمة الإمارات في كل المناسبات من خلال التضليل وتقديم معلومات غير صحيحة".

أدلة دامغة

عضو الوفد السوداني أمام محكمة العدل الدولية د. محمد الزين بخيت، قال لـ"الترا سودان": "إن بلاده وجدت خلال فترة الحرب أن دولة الإمارات متورطة في دعم مليشيا الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة عبر دول الجوار".

وأشار إلى أن أيّ تهمة تقدم بها السودان موجودة بالأدلة الدامغة، ومدعمة بتقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان التي أثبتت تورط الإمارات في دعمها لقوات الدعم السريع.

وأوضح، أن السودان رأى أن تكون الإبادة الجماعية ضد قبيلة المساليت مدخلًا لمحكمة العدل الدولية باعتبارها جهة الاختصاص.

وتابع: "بعد إثبات اختصاص المحكمة في الدعوى سيتم النظر في الشكوى، لأن الإمارات تعترض على المحكمة بأنها جهة غير مختصة، وقدمت مرافعة سياسية لا تستند على أيّ أدلة قانونية".

وكشف عضو الوفد، عن تقديم الإمارات لقرار قديم عن اعتراضها على اختصاص المحكمة باللغة العربية مترجم مرتين بشكل مختلف، وقال إن المحكمة طلبت من الإمارات توضيح اعتراضها على اختصاص اللجنة بشكل واضح خلال يومين.

وأكد الزين، أن الإمارات موقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية في سنة 1948، التي أصبحت نافذة في 1951، ووقعت عليها 153 دولة، وتنص المادة 9 من الاتفاقية في حال نشوب نزاع بين دولتين يحال النزاع إلى محكمة العدل الدولية.

ولفت إلى أن السودان تقدم بطلب "التدابير المؤقتة" لمنع الطيران والسلاح والمرتزقة التي تدعم بها الإمارات "مليشيا الدعم السريع" منذ تمردها ضد الدولة السودانية.

وصفت المحكمة التحفظات التي قدمتها الإمارات في سياق دفاعها بأنها عمومية تتطلب الكثير من التفاصيل والتحديد

تخوف السودان

ويتخوف السودان من أن تعمل دولة الإمارات على عرقلة الشكوى رغم الأدلة الدامغة التي تقدم بها الوفد أمام محكمة العدل الدولية، من خلال استعانته بفريق خبراء من بريطانيا وفرنسا والنرويج وإيطاليا.

وقال مصدر دبلوماسي لـ"الترا سودان": "الشكوى المرفوعه أمام محكمة العدل الدولية، القصد منها إصدار أمر مؤقت بوقف تزويد السلاح إلى قوات الدعم السريع".

وأشار المصدر الذي فضل حجب اسمه، إذا تم قبول الشكوى سيتم مناقشتها بعد ذلك، ويمكن أن يستمر التقاضي لسنوات قبل إصدار حكم إدانة ضد الإمارات.

 وتخوف المصدر، من تدخل الإمارات بشكل غير أخلاقي للتأثير على سير القضية، وقال: "الإمارات يدها لاحقة وسوف تجد في كل موقع من يستجيب للإغراءات".

أدلة وتحفظات

ويقول مدير التقاضي الاستراتيجي في المجلس العربي والخبير القانوني والباحث في العلاقات الدولية، المتعصم الكيلاني، إن الدعوة المقدمة من السودان أمام محكمة العدل الدولية ضد الإمارات العربية المتحدة، يمكن تلخيصها في شقين، أولًا: أنها كافية للسير في الدعوى، وثانيًا: هناك تحفظات إماراتية عمومية.

وقال الكيلاني لـ"الترا سودان": "الدعوى هي اتهام الإمارات بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية في العام 1948، من خلال تقديم الدعم المالي والعسكري لقوات الدعم السريع التي يزعم أنها ارتكبت إبادة جماعية ضد قبيلة المساليت في دارفور، في العام 2023.

وأضاف: هناك مؤشرات كافية لفريق الإدعاء السوداني للاستمرار والسير في عملية الشكوى ضد دولة الإمارات، ووصفت المحكمة التحفظات التي قدمتها الإمارات في سياق دفاعها بأنها عمومية تتطلب الكثير من التفاصيل والتحديد.

وأشار الكيلاني، إلى أن هناك تحديًا يتعلق في اختصاص المحكمة، وأن فريق الإمارات سيقدم طعونًا في صحة اختصاص المحكمة، لأنها عند انضمامها أبدت الإمارات آنذاك تحفظًا على المادة لـ(9) التي تعطي محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في النزاعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق الاتفاقية.

وأوضح أن هذا التحفظ قد يؤدي إلى اعتبار المحكمة غير مختصة بالنظر في الدعوى المقدمة من قبل السودان.

وأكد أن جلسة الخميس مهمة جدًا، لأن فريق الإدعاء السوداني قدم بيانات عديدة تثبت تورط دولة الإمارات في حرب السودان من خلال تزويدها للدعم السريع بالأسلحة والعتاد الحربي الذي مكنها من ارتكاب الإبادة الجماعية في غرب دارفور، وارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة.

ولفت إلى أن الحيثيات التي تقدم بها وفد السودان، منها أن أجهزة المخابرات السودانية رصدت شحنات الأسلحة تأتي من دولة الإمارات إلى مطارات تشاد، ومن ثم تشحن للدعم السريع في دارفور تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وأيضًا تم الإشارة إلى مستشفى ميداني بمنطقة أم جرس كان يقدم خدمات لتلك "المليشيا"، كما تم التطرق إلى شركات الذهب التي تقوم باستخراجه من الأراضي السودانية إلى الإمارات مقابل تأمين الإمدادات بالأسلحة والذخائر، فضلًا عن الأدلة المرتبطة بـ"المرتزقة الكولمبيين"، ومن جنسيات أخرى تم القبض عليهم من قبل قوات الجيش السوداني، ويحملون وثائق ترتبط بدولة الإمارات.

وقال الخبير في القانون الدولي، في حال أقرت محكمة العدل الدولية أنها تمتلك الاختصاص في النظر في القضية سيتم استصدار ما يسمى "التدابير المؤقتة"، وذلك بناءً على طلب السودان، وستلزم الإمارات بوقف دعمها لقوات الدعم السريع، لمنع مزيد من الأعمال الوحشية التي تقوم بها المليشيات، كما يمكن أن تفرض المحكمة تعويضات مالية ضد دولة الإمارات للحكومة السودانية ولضحايا الانتهاكات الناتجة عن الدعم لقوات الدعم السريع.

ورأى الكيلاني، أن الدعوى سيكون لها تأثير دبلوماسي وسياسي بين الإمارات ودول العالم، خاصة فيما يتعلق بالتزاماتها بحقوق الإنسان والقانون الدولى، وأيضًا سيفتح الباب لاحقًا لتعزيز جهود دولية لمحاسبة المتورطين في تلك الانتهاكات بعد أخذ الحكم من محكمة العدل الدولية.

ونبه المعتصم، إلى أن المحكمة قد لا تنظر في الدعوى القضائية، وقال: "قد يكون هناك تحدٍ خاصة وأن المحكمة العدل الدولية لا تملك أدوات التنفيذ لقراراتها، ولكن التنفيذ أخلاقي ناشئ من احترام الدول لقرارات المحكمة وأجهزتها القضائية".

تورط الإمارات

من جهته، يقول المحلل السياسي طارق عمر، إن انكار الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع أمر متوقع، لأنها متورطة في انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في عدد من الدول.

وأكد عمر لـ"الترا سودان": "الإنكار لا يعفيها من المسؤولية الجنائية والأخلاقية لتورطها في حرب السودان المثبت بالأدلة، من خلال حركة سير طائراتها من الإمارات إلى مطارات أم جرس وانجمينا في دولة تشاد ومطار نيالا في دارفور، محملة بالأسلحة والمؤن لمليشيا الدعم السريع، وتهريب الذهب من السودان إلى الإمارات".

 وأشار إلى أن وجود قيادة الدعم السريع المقيمين في أبوظبي يعزز علاقة حكومة أبوظبي بالدعم السريع، مبينًا أن المرافعة التي تقدم بها السودان أمام محكمة العدل الدولية في جريمة الإبادة الجماعية لقبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور ستؤدي إلى إدانة الإمارات.

محاكمة سياسية

وبدوره، يرى الباحث والمختص في الشؤون المحلية والقضايا الأفريقية د. محمد تورشين، أن الدعوى التي تقدم بها السودان ضد الإمارات العربية المتحدة في محكمة العدل الدولية، أراد من خلالها محاكمة الإمارات محاكمة سياسية وأخلاقية، دون الرغبة الجادة في محاكمة الإمارات قضائيًا عن كل الجرائم التي حدثت للشعب السوداني.

وقال تورشين لـ"الترا سودان": "المحكمة لن تقبل الدعوة بسبب مسألة الاختصاص، لأن الإمارات عندما وقعت على جريمة الإبادة تحفظت على المادة التاسعة، وبالتالي محكمة العدل الدولية ستكون غير مخولة للنظر في القضية، وربما يكون هذا الأمر صادم لكثير من السودانيين".

وأضاف: "إذا كان الجانب السوداني جادًا ويسعى لتحقيق العدالة، كان ينبغي عليه أن يلجأ لمحكمة الجنايات الدولية، لوجود ملف مفتوح أحيل من قبل مجلس الأمن الدولي، وهناك لجنة من الخبراء والمدعي العام للمحكمة أشارت مرات عديدة للجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في حرب السودان".

المعتصم الكيلاني: الدعوى هي اتهام الإمارات بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية في العام 1948

وتابع: "لكن يبدو أن النظام في السودان غير جاد في التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية، بسبب عدم تسليم متهمين في جرائم الإبادة الجماعية مثل البشير وأعوانه".

وزاد: "الجانب السوداني لم يكن يرغب في إدانة القيادة السياسية للإمارات قضائيًا، وحاول الدخول في مغامرة بأن يتم النظر في القضية أو رفضها."

وتوقع تورشين، أن تكون مسألة الرفض كبيرة، وقال في حال قبول الشكوى فإن الإمارات ستكون مدانة لوجود الأدلة الدامغة والكافية في الإبادة الجماعية، وفي هذه الحالة يمكن أن تفرض المحكمة قدرًا من التعويض الجماعي للمتأثرين والمتضررين بالحرب.

الكلمات المفتاحية

ترحيل اللاجئين.jpg

حرب السودان.. حالات اختفاء قسري لمهاجرين من دول الجوار

قال مدافعون حقوقيون إن هناك حالات اختفاء قسري لمهاجرين من دول إرتريا وجنوب السودان وإثيوبيا واليمن في السودان، خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع.


الخمور السودانية

حملات الخمور ونظام الحكم.. هل يناور الدعم السريع داخل "تأسيس"؟

أثار مقطع فيديو نشرته منصات موالية لقوات الدعم السريع بشأن الحملات ضد بائعات الخمور في منطقة تقع بإقليم دارفور جدلًا بين السودانيين، عما إذا كانت هذه القوات تعتزم الاستمرار في تطبيق قوانين سادت خلال نظام البشير، ولا تزال مستمرة في الولايات الخاضعة لسيطرة الجيش.


كامل إدريس

رئيس الوزراء السوداني يقترب من إنهاء أزمة "المالية" و"المعادن" 

يقترب رئيس الوزراء كامل إدريس من الوصول إلى "تفاهمات" مع قادة الحركات المسلحة، وأبرزهم جبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، حول أزمة وزارتي "المالية" و"المعادن" وفق مصدر قال إن هناك إمكانية لاستمرار ممثليهم في الحقائب الوزارية خلال التشكيل الوزاري المرتقب.


الجيش السوداني (Getty).jpg

المثلث الحدودي... فصل جديد في حرب السودان

دخل الصراع المشتعل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع فصلًا جديدًا، بعد تدخل مباشر واتهامات صريحة للجنرال الليبي خليفة حفتر بمساعدة قوات الدعم السريع في السيطرة على المثلث الحدودي، عند أقصى شمال غرب السودان.

آثار القصف بمسشتفى المجلد
أخبار

شبكة أطباء السودان: مقتل طبيبة في قصف على مستشفى المجلد بغرب كردفان

قُتلت طبيبة سودانية تُدعى مودة رحمة الله، جراء قصف نفذته القوات المسلحة السودانية على مستشفى المجلد بولاية غرب كردفان، استهدف قوات تابعة للدعم السريع كانت متمركزة داخل المستشفى، بحسب ما أعلنت شبكة أطباء السودان.

وزارة الخارجية السودانية.png
أخبار

الخارجية السودانية: نعتزم تقييم العلاقات مع الدول التي لا تدعم الشرعية

جددت وزارة الخارجية السودانية الاتهامات للتحالف المدني لقوى الثورة "صمود" بالعمل ضمن الذراع السياسي لقوات الدعم السريع


الجيش 2.jpg
أخبار

الجيش يدمر مركبات قتالية قُرب بابنوسة والدعم السريع يتوعد بـ"بركان الغضب"

قال مرصد "كردفان" الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 إن مسيرات تابعة للجيش دمرت 13 عربة قتالية ومدفع 120 لقوات الدعم السريع حول مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان ضمن عمليات عسكرية جارية في المنطقة حاليًا.

مني أركو مناوي.jpg
أخبار

حرب التسريبات.. حاكم إقليم دارفور يهدد باللجوء إلى الإعلام

نشر حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي ورئيس حركة تحرير السودان المسلحة المتحالفة مع الجيش في الحرب ضد قوات الدعم السريع، تغريدة على منصة (إكس) الأحد 22 حزيران/يونيو 2025 قائلًا، إن من يسربون محاضر الاجتماعات ويزورون الحقائق يفعلون ذلك لاغتيال الشخصيات.

الأكثر قراءة

1
أخبار

الدعم السريع تتهم الجيش بقصف مستشفى المجلد ومقتل 34 مدنيًا


2
أخبار

الخارجية السودانية تحذّر من تداعيات العدوان الأميركي على إيران


3
أخبار

الشرطة لـ"الترا سودان": اكتمال كافة الترتيبات لتأمين امتحانات الشهادة السودانية


4
مجتمع

الرصاص الطائش.. أجواء الحرب تلاحق المدن الآمنة في السودان


5
أخبار

الصحة السودانية تقترب من الانتقال إلى مقرها في العاصمة الخرطوم