22-يوليو-2018

السخرية باتت سلاح الشارع السوداني في مواجهة سياسات الحكومة (الجزيرة)

لم يشتهر السودانيون عموماً بين شعوب العالم بخفة الدم والنكات السياسية، حيث تخالط ملامحهم مسحة جدية أقرب للحُزن، كما يُنظر إليهم على الدوام، إلا مؤخراً حين اشتدت الأزمة الاقتصادية، وأحكمت الضائقة المعيشية عليهم بالخناق، فلم يعد أمامهم من سبيل سوى السخرية من كل شيء، وتفريغ الشحنات الداخلية بالضحك، وأحياناً الرقص إن دعا الأمر، ربما لأنه "شر البلية ما يُضَحك".

لم يشتهر السودانيون بالنكات السياسية، إلا أنه مع اشتداد الضائقة المعيشية، لم يعد أمامهم سوى السخرية في مواجهة سياسات الحكومة

كثيراً ما يواجه الشارع السوداني تصريحات المسؤوليين بسخرية لاذعة، وهي تصريحات أيضاً من فرط غرابتها تبعث على الدهشة والمسخرة، ولعل أشهرها حديث وزير الصحة بولاية الخرطوم مأمون حميدة، عندما تحدث عن أكل الضفادع والاستفادة منها، وقال حين كان يخاطب المجلس التشريعي: "الضفادع تحتوي على بروتينات وهي مثل السمك، أكلها حلال". واُعتبرت تلك فتوة دينية وطبية، ربما كان القصد منها الهروب من مواجهة غلاء اللحوم والدواجن، وحتى لا يرى الناس حرجاً من إضافة صنف جديد للمائدة السودانية!

اقرأ/ي أيضًا: السخرية.. متنفس الخائفين وسلاح المقهورين

حينها علق الكاتب الصحفي الساخر، الفاتح جبرة، على تصريح وزير الصحة، بالقول: "ربما يخرج علينا في الغد من يدعونا إلى أكل الصراصير لأنها تحتوي علي نسبة من الفيتامينات، أو النمل لأنه يساعد على تقوية الجهاز المناعي للإنسان، أو (الضب) لاحتواء لحمه على نسبة عالية من الأحماض الأمينية!".

وأضاف جبرة في مقال صحفي: "لعل السيد الوزير أراد أن يقول لجموع الشعب الفُضل، الذين تأثروا بالأمطار والسيول، إن الأمطار ليست كوارث، وإن هذه المستنقعات التي في الأسواق والأحياء فيها رزق قد ساقه الله إليهم ليعوضهم عن البروتين بعد أن صارت لحوم الضأن والأبقار في غير متناول العامة".

كأنها كوميديا سوداء في أعظم تجلياتها، أو هي مفارقات الواقع السياسي، تضفي قدراً من التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بجانب أن تصريحات المسؤولين نفسها باعثة للسخرية، لدرجة أن رسامي الكاركتير، والأمر بائن، لا يشعرون البتة بالإفلاس وهم يلتقطون عشرات الأفكار كل يوم ويعيدون تجسيدها بسهولة.

وتعود النكات للواجهة مجدداً كمتنفس في حديث شهير للرئيس عمر البشير عن أنه لولا نكات متداولة على "الواتساب" لانفجر الناس من الغم، إذ قال نصًا: "لولا نكات الواتساب لكان الواحد انفجر"! 

وقد واجه السودانيون ارتفاع أسعار الخبز مؤخراً بعد أن أصبح رغيف الخبز بجنيه، بموجة من السخرية، وتم معالجة شكل الرغيف ببرامج التصميم ليصبح بمثابة عملة سودانية من فئة واحد جنيه، حتى عندما يُسأل الموظف كم راتبك؟ يجيب: "ألف رغيف"!

وانسحبت الموجة الساخرة إلى صفوف الوقود وصرافات البنوك بسبب شح الأموال، حيث أصبحت تلك التجمعات عبارة عن أسواق للمضاربات وسبل كسب العيش، وعقد الزيجات.

وقد حكى الرئيس بنفسه طرفة عن فترات حكمه المتطاولة وما لحق بالناس من معاناة، قائلاً: "هنالك أناس سئموا من حكومة الإنقاذ، وكان أحد هؤلاء في المسجد والإمام يدعو: ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، فقال الرجل للإمام :هو سلط وانتهى، سله التخفيف"! 

وعطفاً على ذلك طالت السخرية كثيراً وزير المالية والاقتصاد الوطني محمد عثمان الركابي، الذي اعترف أمام البرلمان بتدهور الأوضاع الاقتصادية، محاولاً تشخيص الأزمة على طريقته، فكتب الناشط السياسي سيد الطيب تدوينة على صفحته بفيسبوك قال فيها ساخراً: "المحلل السياسي والمراقب الدولي مستر الركابي تحدث عن مشاكل الاقتصاد السوداني وأكد أنها تكبر مثل كرة الثلج ولا يوجد حلول لها، وأن جميع دول العالم امتنعت عن التعامل مع السودان". 

ونصح سيد الطيب وزير المالية قائلاً: "ياريت المراقب الدولي مستر الركابي يقول الكلام ده لوزير المالية السوداني الفريق الركابي ولو ما عندو حلول ينصحه بالاستقالة".

وكما يبدو فإن النكتة السياسية مهمتها وضع المجتمعات في صورة الواقع الذي يعيش فيه، والتعبير عن مستوى الاحتجاج بطريقة أخف، وربما أعنف، وأحايناً تتبناها السُلطة على مضض لإبطال مفعولها، لكنها مؤخراً باتت موجعة، وتتجاوز الخطوط السياسية الحمراء، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكثر من اشتهر بالمقاطع الدرامية التي تتفاعل مع الواقع السياسي والاجتماعي الفنان عوض شكسبير، حتى أنه لا يترك حادثة لا يعيد تجسيدها بصورة كوميدية، مثل شح السيولة في البنوك وصفوف الوقود والحرب على الفساد، أو من وصفهم الرئيس البشير بـ"القطط السمان"، ليطلق شكسبير ذات السؤال الذي أصبح يتردد على أفواه الكثيرين: "السمان منو؟" أي "من السمان؟" كأنه بذلك يشير إلى الحكومة نفسها.

ومما يتداوله الشارع العام بعد فشل محاولات إعادة مشروع الجزيرة الزراعي لسيرته الأولى، وهو الذي كان يصدر منه القطن والقمح بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، يُحكى أن لجنة إحياء مشروع الجزيرة، توقفت عن مُزاولة عملهان لأنها أدركت أن "الذي يُحيي ويميت هو الله" وعليه فهذا عمل "يخالف الشرع والفطرة السليمة"! 

وقد ظل الشارع السوداني يردد في الأيام الماضية أن زيادة أسعار السلع الاستهلاكية جاءت في إطار سياسة محاربة السمنة وأمراضها، وذلك بإجبار المواطن على تقليل الوجبات أو إلغائها! 

إلا أن خطابات الرئيس البشير ظلت تثير جدلاً في الشارع السوداني، لبساطة اللغة التي ترد فيها، والوعود التخديرية التي تزول بزوال المؤثر، أي لحظة صعوده للمنصة والحماس الجماهيري. وأشهر لازمة في خطابات الرئيس: "حنوفر ليكم ونشيد ليكم "، بعدها يبدأ الرئيس فاصل من الرقص، أو ما تسمى بـ"العرضة السودانية"!

وأغرب ما في خطابات كثير من المسؤولين أنها تفتقر للمنطق، ولعل أشهرها حديث عضو الحزب الحاكم، ربيع عبد العاطي، لقناة الجزيرة قبل سنوات، حول دخل الفرد السوداني، حين أشار إلى أن متوسط دخل الفرد في الشهر كان 500 دولار واليوم 1800 دولار، ما يعني أنه لا يوجد سوداني فقير. وفي السياق نفسه رد نائب رئيس الجمهورية السابق الحاج آدم يوسف على سؤال الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية بأنه "يعتبر محمدة"!

النكتة السياسية مهمتها وضع المجتمعات في صورة الواقع الذي يعيش فيه، والتعبير عن مستوى الاحتجاج بطريقة أخف، وربما أعنف

لم يكتف الشاع السوداني بالسخرية من خطابات المسؤولين، وإنما ظهرت موسيقى راب حافلة بالمفارقات السياسية، وصور المعاناة وهجرة الشباب إلى الخارج بحثاً عن الاستقرار، وهي مقاطع يقوم بإنتاجها الشباب بإمكانيات متواضعة، وتعبر عن وجهات نظرهم في كثير من القضايا، مثل انقطاع المياه والكهرباء المتواصل، والبطالة، وارتفاع الأسعار، وزحام المواصلات، وانخفاض قيمة الجنيه السودان مقابل العملات الأجنبية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أزمة الوقود في السودان.. إنكار رسمي وطوابير ماراثونية وسخرية مؤلمة

السودان.. ضد الشعب في لقمته