شجرة الحوصلة
13 يونيو 2025
وصلنا إلى البيت المنشود بعد حلول الظلام بقليل. أبهرتني فخامة البنيان، فلم أكن أتوقع في كل الأحوال أن الرجل الذي يقصده صديقي عمر للاستعانة بقدراته يسكن في قصر بهذا البهاء. عند البوابة الخارجية استقبلنا رجل بسمات كهنوتية؛ رأس أصلع ولحية كثة مستديرة وعينان ناعستان، مرتديًا بدلة سوداء كاملة مع قميص أبيض ورباط عنق أسود. عبر بنا مسافة قصيرة خلال حديقة مزهرة إلى أن أوصلنا إلى بوابة أخرى داخلية، وجدنا أمامها رجل آخر بسمات بوذية يرتدي جلبابًا واسعًا أصفر اللون، وبيده مسبحة طويلة. استلمنا الأخير وقادنا إلى الداخل. قطعنا مسافة قصيرة داخل بهو أسطواني عملاق ثم فجأة وجدنا أنفسنا أمام رجل يجلس على كرسي فخيم، وأمامه على الأرض مجموعة من الرجال والنساء.
جلسنا قرابة النصف ساعة صامتين، والرجل يحدق في الوجوه أمامه، وعلى وجهه تعابير جامدة، خمنت أنها واحدة من طرائقه للتأثير على زبائنه قبل البدء الفعلي في العمل. المهم، أخيرًا دخل الرجل الكهنوتي الأصلع ومعه الرجل الآخر بوذي السمات، اقتربا من الشيخ وتبادلا معه كلامًا قليلًا ثم وقف الأصلع عن يمنيه بينما وقف الآخر عن يساره. تحدثت امرأة أولًا وقدمت شكوى باكية عن زوجها ونساء أخريات شريرات يردن خطفه منها، طمأنها الشيخ بهمهمات قصيرة وطلب منها ترك اسمها واسم زوجها قبل انصرافها. تكلم بعدها شاب طفولي الوجه، شكا من تعطله عن العمل لسنوات طويلة منذ تحرجه، وعن يأسه ورغبته في الانتحار. قدم له الرجل وعظًا مختصرًا عن ضرر الانتحار، ووعده بحل مشكلته خلال أسبوع، وطلب منه أن يبقى حتى انتهاء المجلس. تحدثت بعده امرأة مسنة، وشكت من حال ابنها المريض ورغبتها في رؤيته معافى قبل وفاتها؛ بكت بحرقة، فوعدها الرجل خيرًا، وطمأنها أن ابنها الآن الآن يتماثل للشفاء، وحين تعود إلى المنزل ستجده طيبًا تمامًا.
قال: بعد ثلاث سنوات من الآن سينتهي العالم، ستلتهمه الحوصلة ويتبدد إلى الأبد
بعد حين من الزمن، وبعد أن بدأت أشعر بالملل وأتشاغل بعد ثريات السقف المتدلية فوق رؤوسنا؛ حان دور صديقي عمر، فنهض واقفًا وقال بصوت قوي: يا شيخنا فريد الدين. لكن قبل أن يكمل جملته صوبه الرجل الكهنوتي الأصلع: قل يا أستاذ فريد الدين.. الأستاذ لم يبلغ المشيخة بعد. التفت عمر نحوي منزعجًا، فتبسمت شامتًا، بلع شماتتي وقدم شكواه، وكيف أنه "مقصود في الشغل" ولا يستقر به المقام في بلد، وكل سنة ينقل إلى أقاصي الدنيا، وحين يعود إلى العاصمة لا يمكث شهرًا حتى يعاد مرة أخرى إلى المناطق الملتهبة، تكلم بمرارة حتى خفت أن ينفجر باكيًا. طمأنه الشيخ أو الأستاذ بكلمتين فقط: قضي الأمر. قالهما وحول بصره نحوي متسائلًا: وأنت؟ أحسست بقشعريرة حين التقت نظراتنا. لكني قلت في ثبات: أنا مرافق فقط. وأشرت إلى عمر. لكنه سألني مرة أخرى: لابد أن شيئًا ما يجول بخاطرك وتود معرفته، أسأل ما بدا لك.
أحسست في كلماته نبرة تحدٍ واستهزاء، وبما أنه لم يكن لدي أي شيء شخصي لأطلبه منه فقررت أن ألعب معه لعبة مختلفة. قلت له: أنا شخصيًا لا أطلب شيئًا، فحياتي تمضي بالشكل الذي أريده ولا يتحكم فيها لا زوجة ولا رب عمل، لا أب أو أسرة.. أنا حر، لكني لو تسمح أحب أن أسألك عن شأن عام. عدل من جلسته لأول مرة، وأشار نحوي بيده بما فهمت أنه يعني تفضل. قلت: أتساءل إن كان العالم سينتهي قريبًا؟ يعني هناك حروب في مشارق الأرض ومغاربها، وهناك تهديد دولي مستمر باستخدام الأسلحة النووية، فهل تتوقع أن ينتهي العالم أو يتبدد قريبًا؟ أجابني الأستاذ أو الشيخ بقوله: لا أتوقع، بل الأمر محتم أن العالم سيتبدد في غضون ثلاثة أعوام من الآن، لن تنهيه الحروب المشتعلة هنا أو هناك، ولن تدمره الأسلحة النووية، بيد أنه إلى زوال بفعل أوان اكتمال نمو شجرة الحوصلة. أشفقت على نفسي وأحسست بالازدراء تجاه المدعو الأستاذ، بيد أنه قبل أن أترجم إحساسي هذا إلى كلام قال لي: تزدري هذا الكلام بالطبع، وتحس بسخف أقوالي، هذا ما أراه يتشكل بداخلك.. لكني سأريك الآن كيف سيموت العالم. استقام فجأة وتقدم خطوتين من كرسيه الفخيم، بدا لي شابًا وسيمًا أنيقًا في بدلته الزرقاء الكاملة وحذائه الأسود اللامع. دفع يديه في الهواء ثم حركهما فتشكلت أمامه شاشة إلكترونية ممتلئة بالعلامات الزرقاء والخضراء. جاس بأصابع يديه الاثنتين في تشيكلات الشاشة الهلامية المتكونة أمامه، فظهرت خريطة كونية للكرة الأرضية وبقية الكواكب التي تحوم معها وحولها في الفضاء، حرك أصابعه مرة أخرى فانحسرت الكواكب، وتمددت الكرة الأرضية حتى أخذت شكلها الخرائطي المعروف، أشار بأصبعه إلى نقطة وسط أحد المحيطات وقال: هذه جزيرة عين الشيطان، لم تسمعوا بها من قبل لكنها موجودة. حرك يديه مرة أخرى فتقلصت الخريطة وقفزت الجزيرة إلى الأمام حتى ملأت الشاشة الإلكترونية. بدت الجزيرة جرداء ليس فيها شيء سوى الصخور الملساء، وموج المحيط يضرب هادرًا على شواطئها. حرك الأستاذ – الشيخ يديه فبدا وكأن الرؤية تغوص في باطن أرض الجزيرة. قال: ركزوا على هذا الشكل. تكون أمامنا شكل أسطواني بدا أقرب إلى جذع الشجرة، تعلوه أوراق شجرية صفراء اللون. قال الأستاذ: هذه هي شجرة الحوصلة، أنها في آخر مراحل نموها، وما سيحدث بعد ثلاثة أعوام سأريكم له الآن. حرك يديه فأظلمت شاشته الإلكترونية لثوانٍ ثم شعت من جديد، وظهرت مجموعة من الصور الموزعة في مربعات صغيرة تظهر جزيرة الشيطان. قال الأستاذ: تابعوا هذه الصور، فهي تبين مراحل نمو وصعود شجرة الحوصلة. في الصورة الأولى بدأت الشجرة بالبروز والاقتراب من قشرة الأرض من باطنها. في الصورة التي تليها بدت الأوراق الصفراء وكأنها تغطي أرض الجزيرة بأكملها. في الصورة الثالثة بدا وكأن أرض الجزيرة تفتت في الفضاء متطايرة. في الصورة الأخيرة ملأت الشاشة شجرة عملاقة صفراء الأوراق كأنها تنمو في المحيط بينما اختفت الجزيرة تمامًا. قال الأستاذ: هذه هي الحوصلة وقد نمت كشجيرة واستقبلت شعاع الشمس بأوراقها الجائعة.. شاهدوا ما يلي. أزاح الصور بيده وأبدلها بصورة أخرى زرقاء يتضح من ترقرقها المائي أنها تعكس قاع المحيط. أشار بيده إلى ما يشبه الكيبلات العملاقة وقال: هذه جذور الحويصلة بدأت في التمدد، انظروا. حرك يديه فتتالت الصور. الجذور العملاقة تضرب في جميع الاتجاهات، تملأ مساحة المحيط فتتدفق المياه نحو الأراضي اليابسة في كل أنحاء العالم. تخرج الجذور من المحيط إلى الأرض فتبدأ بالتشقق والانقسام. تظهر فجأة قارة أستراليا وهي تتحول إلى جزئيات متكسرة ومتطايرة، ثم تليها بقية القارات قارة قارة، الأرض بأكملها تخترقها الجذور العملاقة وتفتتها وتحولها إلى جزيئات متكسرة عائمة في الفضاء. أخيرًا يحرك الأستاذ يده فتظهر شجرة الحوصلة من جديد وهي منتصبة وحيدة في الفضاء، وجذورها تسافر في اللامكان. قال: بعد ثلاث سنوات من الآن سينتهي العالم، ستلتهمه الحوصلة ويتبدد إلى الأبد. قلت لنفسي: كذاب ومنافق.
قال الأستاذ: كذاب ومنافق من ظن أن الفناء ألعوبة.
الكلمات المفتاحية

صدور كتاب "سبع ليالٍ" لخورخي لويس بورخيس بترجمة سودانية
عن دار الموسوعة الصغيرة للنشر، صدر كتاب سبع ليالٍ، للكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، بترجمة من الإنجليزية إلى العربية للمترجم السوداني ناصر السيد النور.

الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة "بينتر" البريطانية
نالت الروائية السودانية المقيمة في بريطانيا، ليلى أبو العلا، جائزة "بينتر" للعام 2025، وذلك تكريمًا لإبداعها الأدبي الذي يتناول قضايا الهجرة والإيمان وتجارب المرأة المسلمة في مجتمعات متغيرة، ما يعكس التزامًا واضحًا بـ"نظرة ثابتة لا تتزعزع إلى العالم"، كما جاء في بيان الجائزة.

التيتل
ثلاث ليالٍ متتالية والحلم ذاته يتكرر. يستيقظ الملازم أول سيد أحمد مفزوعًا ومغمومًا منقبض القلب. اليوم استجمع شجاعته العسكرية وحكى لرفيقه، الجندي الدومة فضيل، تفاصيل الحلم:

13 إصابة بينها حالتا وفاة بضربات الشمس بولاية البحر الأحمر
كشفت اللجنة الفنية للطوارئ الصحية بوزارة الصحة ولاية البحر الأحمر، عن تسجيل 13 حالة إصابة بضربات الشمس، بينها حالتا وفاة بولاية البحر الأحمر.

سيول مفاجئة تتسبب بنزوح عشرات الأسر في شمال دارفور
أعلنت مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أن السيول الناجمة عن أمطار غزيرة اجتاحت بلدة دار السلام في ولاية شمال دارفور خلال يومي 14 و15 تموز/يوليو الجاري

زيادة جديدة في الدولار الجمركي تحدث سخطًا في أوساط المستوردين بالسودان
قال متعاملون في التخليص الجمركي، إن الحكومة نفذت زيادة جديدة في التعرفة الجمركية الخاصة بعمليات الاستيراد، برفع القيمة من ألفي جنيه إلى 2400 جنيه اليوم الأربعاء.

الهلال والمريخ يعتذران عن خوض نهائي كأس السودان
أعلن ناديا الهلال والمريخ في بيان مشترك، أمس الثلاثاء، اعتذارهما عن خوض مباراة نهائي كأس السودان، المقررة في 26 تموز/ يوليو الجاري على ملعب بورتسودان، مبررين ذلك بجملة من التحديات التي رافقت مشاركتهما في البطولات خلال فترة الحرب.