ولو بشكل مؤقت، يعتقد أعضاء الحراك السلمي في السودان أن إحياء ثورة ديسمبر في ذكراها السادسة يجب أن يكون نشطًا على منصات التواصل الاجتماعي. للعام الثاني على التوالي، تطل الذكرى وبلدهم يشهد حربًا عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
تحل اليوم الذكرى السادسة لثورة ديسمبر التي انطلقت في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018
تحل اليوم الخميس 19 كانون الأول/ديسمبر 2024 الذكرى السادسة لثورة ديسمبر التي انطلقت في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، مع الوضع في الاعتبار أن هناك مدنًا سبقت شرارة الاحتجاجات في عطبرة، مثل الدمازين والفاشر مطلع ومنتصف نفس الشهر.
في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، أضرم متظاهرون النار في مقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم آنذاك. هشيم النار الذي أكل دار الحزب بمدينة عطبرة، انتقلت شرارة الاحتجاجات لاحقًا ليسقط حزب البشير في العاصمة الخرطوم بعد أقل من عام، بتتويج اعتصام مدني قرب وزارة الدفاع السودانية في السادس من نيسان/أبريل، ليجد الرئيس عمر البشير نفسه معزولًا عن السلطة الحاكمة صباح يوم 11 نيسان/أبريل 2019.
في عطبرة الواقعة شمال البلاد بولاية نهر النيل، الأراضي الغنية بالذهب، كان احتجاج مجموعة تلاميذ مدرسة الصناعة وسط المدينة كافيًا لإطلاق الشرارة وتفعيل الاحتجاجات لتعم كافة أنحاء المدينة العمالية.
الاحتجاج الذي بدأ من أجل ارتفاع قطعة الخبز إلى واحد جنيه من (500) قرش قرب المدرسة الصناعية في عطبرة أثناء وجبة الإفطار لم يكن الدافع الأولي للتظاهرات ضد حكم البشير. فسنوات من الفساد الحكومي وسوء الإدارة وتعذيب المعارضين في السجون والصراعات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ساندت المحتجين في ذلك اليوم في عطبرة.
ينسب النشطاء في المجتمع المدني إلى عطبرة إطلاق شرارة قوية في ثورة ديسمبر، ولا يغفلون أدوار مدن أخرى مثل الدمازين التي سبقت الجميع عندما تظاهر الطلاب أيضًا في 13 كانون الأول/ديسمبر 2018، وكأن السودانيين في ذلك الوقت قرروا كتابة نهاية حكم البشير الذي استمر (30) عامًا إلا قليلًا لنحو عام.
دفع العطبرارويون بشرارة ثورة ديسمبر نحو مقر الحزب الحاكم في المدينة، بعد أن ظل لسنوات طويلة وكأن المساس بهذا المقر يقود إلى مقصلة الإعدام. ومع ذلك، خلال ساعتين فقط، تحول إلى كوم من الرماد، وأنهى سطوة أمنية لحزب استمر في سلطة شبه مُطلقة شاهدها ثلاثة أجيال على الأقل.
يرى عضو لجان المقاومة وعضو الحراك السلمي جنوب الخرطوم، المعز محمد، أن ثورة ديسمبر لن تنطفئ بفعل الحرب؛ لأن الجميع يؤمنون أن القتال سينتهي يومًا بين الجيش والدعم السريع، وتبقى أهداف الثورة قابلة للتنفيذ دون سقوط بالتقادم.
يعزو المعز محمد، في حديث لـ"الترا سودان"، الانتكاسة التي لحقت بثورة ديسمبر إلى "التقاليد السياسية القديمة" التي طغت على مشهد ما بعد حكم البشير، عندما قرر المدنيون الانخراط في التفاوض مع العسكريين لقسمة السلطة والمهام، وكأنهم اختزلوا الثورة في مجرد حكومة تنفيذية، رغم أن الثورات يجب أن تبحث عن تغييرات اجتماعية واقتصادية تساندها.
وتابع: "رغم الثورة، بقي السلاح والمال بيد طرف واحد، بينما غرق المدنيون في خلافات أدت إلى انقسامات حادة. ولا حل لتمرير ثورة ديسمبر إلى الأمام إلا بوحدة قواها التي تؤمن بأهدافها مكتملةً".
من مدينة عطبرة إلى الخرطوم، ومن هناك إلى احتجاج الطلاب من جامعة الخرطوم قرب القصر الرئاسي في 21 كانون الأول/ديسمبر 2018، لتبدأ قوى الأمن المساندة للبشير في إطلاق الأعيرة النارية على المتظاهرين.
ساعد خطاب المحتجين المنتشر إبان التظاهرات على ضرورة السلمية وتحييد القوات الأمنية والعسكرية على حدوث تحول في الشارع بزيادة الأعداد يومًا بعد يوم، حسب إيمان فتح الرحمن، الفتاة التي تقيم في بورتسودان، وتتحسر على عسكرة الحياة من ثورة شعبية واسعة النطاق في يوم من الأيام.
تعتقد إيمان فتح الرحمن، في حديث لـ"الترا سودان"، أن المجتمع الدولي ودول الجوار ساهموا أيضًا في انتكاسة ثورة ديسمبر بالتحالف مع العسكريين وذبح مشاريع المدنيين في الحكم الراشد والمواطنة، والقضاء على النزاعات المسلحة، ونشر ثقافة السلام، وتحقيق العدالة.
وترهن فتح الرحمن استعادة جذوة ثورة ديسمبر بالعودة إلى منصة التأسيس، وتوحيد قوى الثورة أولًا على أهدافها، وعدم السماح للتحالفات السياسية الضعيفة بتصدر منصتها، ورفع أعضاء لجان المقاومة، أولئك الذين يتمتعون بالكفاءة السياسية والنزاهة والحرص على ديسمبر، للعمل مع المواطنين بصورة لصيقة يوميًا.
وتضيف: "تموت الثورات عندما يطرق الثوار أبواب النخب السياسية التقليدية"، كما قال الشهيد عبد السلام كشة. وتؤكد إيمان فتح الرحمن أن إحياء ثورة ديسمبر على الشبكات الاجتماعية لا يعني أن الثوار برحوا مواقعهم في الشارع.