ثقافة وفنون

شادن والجزار.. غنيا للسلام وأخذتهما الحرب

21 مايو 2025
محمد الجزار وشادن قرقود
محمد الجزار وشادن قرقود (تصميم الترا سودان)
عبدالرحيم حمدالنيل
عبدالرحيم حمدالنيلكاتب من السودان

حين تنتهي الحرب، ونأتي لنحصي خسائرنا، ستكون أوجاعنا الكبرى في من فقدناهم؛ البشر الذين لن تعوِّضهم أية تعويضات مالية، الناس الذين اصطادتهم آلة الحرب، أو الذين قضوا بسبب الحرب؛ من أُخرجوا من ديارهم، وفقدوا مقدرتهم على تدبير حيواتهم التي كانت تتعلق بسكنهم ومواردهم القليلة.

خسرنا في الحرب كثيرًا من الناس؛ الذين ارتقوا مباشرةً إثر إصابتهم بطلقة، أو دانة، أو رائش، أو مسيّرة، أو من تأثروا بالظروف الصعبة والمعقدة التي أفرزتها الحرب؛ من نزوح وأوبئة وفقر ومرض، وانقطاع التيار الكهربائي، وانهيار النظام الصحي في كافة البلاد.

فقدنا -وإلى الأبد- المغنية الشابة شادن محمد حسين والمغني الشاب محمد فيصل الجزار

ومن هؤلاء، فقدنا -وإلى الأبد- المغنية الشابة شادن محمد حسين، التي أصابتها دانة بمنزلهم في الخرطوم، في أيار/مايو 2023، في الشهرين الأولين للحرب، والمغني الشاب محمد فيصل الجزار، الذي توفي إثر علةٍ لم تمهله طويلًا، بمقر نزوحه في مدينة القضارف.

محمد فيصل الجزار.. حكاية فنان من المستقبل

في ذلك اليوم البعيد من سنين الجامعة، في إحدى ليالي الأُنس والسهر الحلال، التي لا أستطيع تحديد تأريخها تحديدًا، لكني أعتقد أنها كانت في عام 2005، كان صديقي ولاء الفاتح، طبيب المختبرات فيما بعد، يفتح مشغل الموسيقى في هاتفه ليشغل لنا أغنية "لو تعرف الشوق" للفنان الكبير شرحبيل أحمد. لكنها كانت بصوتٍ آخر وتوزيع موسيقي آخر.

الدهشة التي اعترتنا جميعًا لعذوبة الصوت، وجمال التطريب، والتوزيع الموسيقي البديع، زادت من ابتسامة ولاء وهو يعرِّفنا على المؤدي: "هذا محمد فيصل الجزار، زول عابر". ومنذها انتبهتُ لما يفعله هذا الفتى الأنيق بالموسيقى والتأليف والغناء.

الجزار الفتى الأسمر الوسيم، الأنيق، الذي يعتني بموسيقاه ويعكف عليها حرفًا حرفًا، لشدّ ما سيفتقد؛ صوته الجميل وتطريبه الغني

الجزار الفتى الأسمر الوسيم، الأنيق، الذي يعتني بموسيقاه ويعكف عليها حرفًا حرفًا، لشدّ ما سيفتقد؛ صوته الجميل وتطريبه الغني. دفعته الحرب إلى النزوح من الخرطوم، حيث وُلد وترعرع، وغنّى واشتهر، إلى القضارف، بعيدًا عن بيته، ومركزه الموسيقي، ومعمله الفني.

دفعته الحرب نحو بقعة جغرافية سيقضي فيها آخر أيامه في الحياة، وهو يكابد أحد الأوبئة التي تستوطن تلك المناطق، فيلفظ أنفاسه الأخيرة بعيدًا عن بيته وموسيقاه وجمهوره، وكل ما عرف في الحياة. وهو الذي كانت تنتظره مسيرة مجيدة من الموسيقى والغناء والتجديد، الذي كان طابع أعماله عمومًا.

اعتنى محمد فيصل الجزار بأغنياته وموسيقاها، كما اعتنى بهيئته وهندامه. وقدَّم شخصيته الفنية إلى المشهد بكاريزما تخصه وحده، وتطريب لا تخطئه أذن مستمعٍ مدرّب، يعرف الفرق بين الغث والثمين.

ومثلما ينفلت سهمٌ من قوس، مثلما يَخِرّ نجمٌ، أو نيزك، أو شهاب، مضى محمد فيصل جزار، ليلتحق بمغنّين سودانيين كتبوا مسيرتهم الباهرة في بضع السنوات التي عاشوها: العميري، مصطفى سيد أحمد، محمود عبد العزيز.

فرقة السودانيين

ستكون فرقة السودانيين من أهم محطات محمد فيصل الجزار، والتي قدمت غناءً وفنًا مختلفًا، تناولًا موسيقيًا جديدًا، عكف عليه الموسيقار ممدوح عبدالوهاب مؤسس الفرقة، أطل علينا محمد فيصل الجزار، رفقة شاب أمير ومحمد عثمان، بصوته العذب، عبر أغنيات جديدة ستذهب إلى الحداثة بقميص سوداني أنيق، فكانت أغنيات مثل (موال النيل) التي اوجعت المغتربين والمهاجرين السودانيين زمانًا طويلًا وتفعل حتى الآن، و(يا غريب عن ديارك مصيرك تعود).

قدَّم الموسيقار ممدوح أصواتًا جديدة، موسيقى جديدة، عكف عليها منذ تخرجه من معهد الموسيقى والمسرح في السبعينات، ليستلم محمد فيصل سعد (الجزار) المولود في 1986/1/31م في العاصمة السودانية الخرطوم. و الذي نشأ وترعرع في حي الصحافة شرق، ودرس التوزيع الموسيقي وهندسة الصوت في مصر، يستلم الجزار هذه الخبرات والمعارف من أستاذ ممدوح؛ وهو الشغوف بالموسيقى، والذي سيتبعها، ويبدأ حفر مشروعه الجمالي الباذخ، عبر رحلته القصيرة والتي لن ينتهي أثرها أبدًا على خارطة الفن السوداني.

قدمت فرقة السودانيين كثيرًا من الأغاني المسموعة بتوزيع موسيقي جديد

قدمت فرقة السودانيين كثيرًا من الأغاني المسموعة بتوزيع موسيقي جديد، مثل ملك الطيور، الليلة لاقيتو، في هواك يا جميل، قائد الاسطول، في الطيف؛ إضافة إلى أغنياتهم الخاصة مثل يا غريب عن ديارك. وفي كلٍ ظل محمد فيصل منذ انضمامه إلى الفرقة مغنيًا رئيسيًا، وحتى ذهابه إلى تقديم نفسه كفنان مستقل، بتجربته الخاصة والفريدة.

شادن قردود..حكامة السلام التي اغتالتها الحرب

لم تفكر شادن محمد حسين وهي تنتخب السلام كقضية أساسية لمشروعها الغنائي المزهر والواعد؛ أن الحرب ستأتيها في منزلها وتقطف روحها، ذلك ما حدث للبنت الخرطومية، خريجة جامعة أم درمان الأهلية كلية إدارة الأعمال، شادن قردود، التي قدمت غناءً جديدًا في قالب قديم، حيث قدمت التراث الغنائي الشعبي لإقليم كردفان الذي تنحدر منه شادن المولودة في منطقة أبوزبد و نشأت وترعرعت في مدينة الأبيض حيث درست معظم مراحلها الدراسية، ففي أيار/مايو 2023 أصابت قذيفة منزل الفنانة والباحثة في التراث، ارتقت على إثرها روحها الفنانة والمحبة للسلام، الذي أمضت سنوات حياتها القصيرة تبشِّر به وتغني له.

حكامة السلام

اطلقت شادن على نفسها لقب حكامة وهي المرأة القوية ذات الكلمة المسموعة في مجتمعها التقليدي غرب السودان، ولكن لأن الحكامات يلعبن أدوارًا في تأجيج الحروب، إذ يغنين للفراسة والبطولة ويلهبن حماس الرجال للحرب؛ آثرت شادن إضافة كلمة السلام للقب، وقد ذهبت خلال مشوارها الفني والحياتي متتبعةً أثر السلام، غناءً وبحثًا، مبشرة بقيمته، داعية المجتمع السوداني ومجتمعها المحلي لتبجيل قيمة السلام وإرساء دعائمه ونبذ الحروب، لكن الحياة الماكرة، المحتالة؛ لم تشأ أن تترك الحكاية هكذا، لتكتب سطرًا أخيرًا في حياة شادن قردود الشابة التي مجدت الحياة والسلام لتموت في حرب 15 أبريل في منزلها بمنطقة الهاشماب بأم درمان بالقرب من هيئة الاذاعة والتلفزيون حيث دارت معارك شرسة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع؛ متأثرة باصابتها بقذيفة أودت بحياتها.

تراث شعبي بموسيقى حديثة

قدمت شادن كثيرًا من الاعمال الغنائية التراثية، بموسيقى حديثة وآلات موسيقية حديثة، بكثير من المحبة والشغف اللازم لإنتاج فن مختلف وقادر على الوصول، وأنتجت أغنياتها الخاصة بذات الطريقة التي وضعتها لنفسها، في مشروع متكامل، دأبت عليه شادن يوميًا، دون كلل، في سنوات عمرها التي لم تتجاوز السادسة والثلاثين.

ثبتت شادن أقدامها على الأرض في حقلٍ صعب وشائك، بخبرتها التي لم تتجاوز المشاركات في الفعاليات المدرسية

ثبتت شادن أقدامها على الأرض في حقلٍ صعب وشائك، بخبرتها التي لم تتجاوز المشاركات في الفعاليات المدرسية، لكنها استطاعت أن تضع بصمتها الخاصة في الأغنيات الخاصة والتراثية، وبرزت كأحد ألمع الاسماء التي قدمت غناءً في هذا الجانب.

من الأغنيات التي تغنت بها " ألبل عملن جوطة، الباردة لينا، خدك السادة، الجنزير التقيل، حلاتة الصيدة".وكثير من أغنيات تراث البقارة وغرب السودان عمومًا.

خاتمة

مشروعان غنائيان محكمان، عكف عليهما اثنان من أنجب ابناء السودان، بالمحبة والشغف والدأب، في بلادٍ تغرق في الدم، وتبجِّل الحرب، فنانان سودانيان مواليد ثمانينات القرن المنصرم؛ بالكاد يقبلان على الدنيا أشواق وحنية؛ أخذتهما الحرب منا في لحظة عشم، وحوجة إلى غنائهما للسلام، وعملهما للخروج من عنق الزجاجة الملتهبة هذه.

الكلمات المفتاحية

غلاف كتاب سبع ليالٍ

صدور كتاب "سبع ليالٍ" لخورخي لويس بورخيس بترجمة سودانية

عن دار الموسوعة الصغيرة للنشر، صدر كتاب سبع ليالٍ، للكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، بترجمة من الإنجليزية إلى العربية للمترجم السوداني ناصر السيد النور.


الروائية السودانية ليلى أبو العلا

الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة "بينتر" البريطانية

نالت الروائية السودانية المقيمة في بريطانيا، ليلى أبو العلا، جائزة "بينتر" للعام 2025، وذلك تكريمًا لإبداعها الأدبي الذي يتناول قضايا الهجرة والإيمان وتجارب المرأة المسلمة في مجتمعات متغيرة، ما يعكس التزامًا واضحًا بـ"نظرة ثابتة لا تتزعزع إلى العالم"، كما جاء في بيان الجائزة.


تيتل في الغابة

التيتل

ثلاث ليالٍ متتالية والحلم ذاته يتكرر. يستيقظ الملازم أول سيد أحمد مفزوعًا ومغمومًا منقبض القلب. اليوم استجمع شجاعته العسكرية وحكى لرفيقه، الجندي الدومة فضيل، تفاصيل الحلم:


لوحة 4.jpeg

وجـــه آخـــر

صوت خطواتي الهادئة يرافقني وأنا أقطع ذلك الممر الطويل. يرنّ الآن في أذني أحد الهمسات القديمة. الممر مظلم جدًا، وخيوط الشمس الرفيعة التي بدأت تتسلل إلى السماء معلنة عن الشروق لم تكن كافية لتبدد العتمة التي سكنت في المكان.

Screenshot 2022-08-20 at 11-27-54 Heavy rains in El Fasher.png
أخبار

طقس السودان.. أسبوع مطير في معظم أنحاء البلاد

توقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، في نشرتها الأسبوعية، تفاوتًا في درجات الحرارة وتوزيع الأمطار خلال الفترة من 15 إلى 21 تموز/يوليو 2025

نازحون سودانيون
أخبار

الأمم المتحدة تحذر: تصاعد القتال والأمطار الغزيرة يُفاقمان الأزمة الإنسانية في السودان

حذّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) من تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان نتيجة تصاعد العنف والنزوح المستمر، بالتزامن مع هطول أمطار غزيرة


مركز أبحاث المايستوما
أخبار

منظمة: الحرب دمّرت مركز المايستوما في السودان

قالت منظمة صحية إن الحرب دمّرت البنية التحتية لمركز علاج الأورام الفطرية "المايستوما" في السودان، والذي كان يقدّم خدمات حيوية لآلاف الأشخاص في البلاد والعالم بأسره.

مساعدات إنسانية - جوع.jpg
أخبار

غرفة طوارئ بري تصدر توضيحًا حول شحنة مساعدات غذائية توزع في المنطقة

أصدرت غرفة طوارئ منطقة بري، شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، توضيحًا بشأن شحنة المساعدات الغذائية التي يجري توزيعها حاليًا في منطقة البراري، مؤكدة أن مسؤولية الشحنة تعود إلى منظمة نداء الوطنية، وليست من اختصاص مناديب الأحياء.

الأكثر قراءة

1
سياسة

اجتماعات واشنطن.. هل تتفق على وقف حرب السودان؟


2
أخبار

استئناف العمل بمحطة كهرباء قومية في بورتسودان بعد توقف دام 5 أعوام


3
أخبار

1.3 مليون نازح يعودون إلى منازلهم في السودان


4
أخبار

توقف محطة مياه شمال بحري بسبب انخفاض حاد في منسوب النيل


5
ثقافة وفنون

صدور كتاب "سبع ليالٍ" لخورخي لويس بورخيس بترجمة سودانية