14-أكتوبر-2019

مصير غامض يواجه السودانيين في مصر (العربي الجديد)

تفاعل السودانيون مع قصة الطالب السوداني وليد عبد الرحمن التي ضجت بها منصات التواصل الاجتماعي، بعد ظهوره في إحدى الفضائيات المصرية يسجل اعترافاً بالمشاركة في المظاهرات المصرية، حيث اشتعل الشارع السوداني بالتضامن مع وليد، وسارت مواكب احتجاجية أمام السفارة المصرية في الخرطوم. ولم تكد قضية وليد قد أغلقت تمامًا حتى بدأت تتكشف خيوط عن وجود سودانيين آخرين داخل معتقلات الأمن المصري.

لا أحد يعرف على وجه الدقة كم عدد السودانيين المعتقلين في مصر، ومن منهم أطلق سراحه، ومن منهم ما يزال يقبع في السجون والمعتقلات المصرية

من بينهم الشاب منير ريمون منير، 32 عاماً، الذي يسكن حي الخرطوم 3 العريق، وهو كثير السفر إلى مصر بسبب عمله في التجارة، وجواز سفره يحمل العديد من التأشيرات من وإلى مصر.  والذي أمضي 21 يومًا في معتقلات الأمن المصري.

الاعتقال على الطريقة السيساوية أو الخطف

كانت نبرات صوت الشاب منير تحمل كل انفعالاته بما حدث، وهو يحكي لـ(ألترا سودان) تفاصيل اعتقاله، وهذه هي الحكاية: "وصلت يوم الثلاثاء 17 أيلول/سبتمبر، نزلت في فندق في حي عابدين. في يوم الخميس 19 أيلول/سبتمبر، أكملت شراء البضاعة وشحنتها إلى السودان، وتبقت لي بعض المعاملات. في يوم الجمعة 20 أيلول/سبتمبر شاهدت من على شرفة غرفتي بالفندق مظاهرات ميدان التحرير، يوم السبت 21 أيلول/سبتمبر نزلت لاستلام حوالة مالية، وفي طريق عودتي إلى مكان إقامتي استوقفني بعض الرجال على عربة "هايس"، وأجبروني على الذهاب معهم، أنا وشخصين آخرين، وتوجهوا بنا إلى قسم شرطة عابدين القريب من الفندق الذي أقيم فيه، لدى وصولنا إلى القسم تحفظوا على هواتفنا بعد تسجيل بياناتنا".

اقرأ/ي أيضًا: كيف هزم السودانيون السيسي؟ 

يضيف منير: "بعدها أمرونا بوضع عصابات على أعيننا، وذهبوا بنا إلى مكتب جانبي، أخبروني هناك أنهم من الأمن الوطني، وتحروا معي عن سبب مجيئي إلى مصر، واتهموني بالمشاركة في المظاهرات، ونفيت صلتي بالأمر. أكملوا التحري معنا ثم أخبرونا بأنه سيتم ترحيلنا، ولكن لم يخبرونا إلى أين، كان معي سوداني آخر يحمل الجواز البلجيكي، اسمه الباقر. بعدها جرى ترحيلنا بواسطة عربة شرطة بها "قفص" خلفي، سارت لمسافة ساعة، إلى أحد المعتقلات عرفت من المصريين أن معتقل طرة ذائع الصيت، استقبلنا طابوران من منسوبي الأمن الملثمين، استقبلونا بالضرب، والشتائم، وفي كل مرة كنت أخبرهم بأنني سوداني، ولا علاقة لي بالمظاهرات.

التهم جاهزة ... "انت إخوان"

ريمون الذي لا تزال آثار الصدم بادية على ملامحه، بتأثر قال "أمرونا بالاستلقاء على البطن مع وضع اليدين خلف الظهر، لمدة ساعة، بعدها أعطونا ماء، ثم وجبة مكونة من رغيف وحلاوة "طحنية". ممنوع التحدث مع الآخرين، مع الإبقاء على عصابات العين". يكمل ريمون: "في الساعة الثانية صباحاً استدعوني إلى مكان ما للتحقيق، كنت أجلس على الأرض والضباط ومعاونوهم يجلسون على مكتب. سألوني عن اسمي، ولماذا أتيت في يوم 17 أيلول/سبتمبر تحديدًا، واتهموني بالانتماء للإخوان، قلت لهم أنني قبطي مسيحي ولا علاقة لي بالإخوان المسلمين، لكنهم أصروا على ادعائهم، كنت أشاهدهم يدونون أشياء لكن بطبيعة الحال لا أعرف ما هي. وفي المرة التالية جرى التحقيق بواسطة ضباط آخرين وفي كل مرة كنت أخبرهم بأنني لا علاقة لي بالتظاهرات. وكانوا طوال الوقت يفتشون في هاتفي، وكان مفتوحاً وتطبيق المراسلة الفورية واتساب الخاص بي يعمل".

ويضيف منير، "حققوا معي أربع مرات، كان الأمر مروعاً، طريقة كلامهم مخيفة، وألفاظهم المسيئة، وإساءاتهم لي بصفتي سوداني. قضينا 11 يومًا في معتقل طرة قبل أن نخرج، أخذونا من المعتقل إلى إدارة الجوازات التي أخبرتنا أن الأمن الوطني قرر ترحيلنا إلى بلداننا، نقلونا بعدها إلى قسم شرطة قصر النيل، ووضعونا في زنزانة معزولة كان برفقتي السوداني صاحب الجواز البلجيكي الباقر، وعدد من الأجانب الآخرين".

أخبرنا الضباط بأن علينا تدبير تذاكر سفرنا بطريقتنا، وأنه بإمكاننا أن نجري مكالمات هاتفية لذلك الغرض، بينما يمنعنا العساكر من إجراء أي مكالمة بعد ذهاب الضباط، قضينا قرابة الـ 10 أيام أخرى، قبل أن يتمكن الباقر من تدبر مكالمة هاتفية مع أسرته، ويسمحوا لهم بزيارة قصيرة لا تتجاوز الدقيقتين. تكفل الباقر بتذكرة سفري، بعدها أخذونا مباشرة إلى المطار بعد تقييدنا، ولم يطلقوا سراحنا إلا في صالة المغادرة، وسلمونا جوازات سفرنا. ووجدت عددًا من السودانيين ينتظرون ترحيلهم، وآخرين جرى نقلهم إلى جهات مجهولة ولا أحد يدري ماذا حدث لهم".

ريمون والباقر ليسا الوحيدين في معتقلات السيسي

لم تكن قصة اختفاء الطبيب البيطري "مهند عبدالرحمن محمد حامد" في ظروف غامضة في القاهرة الأيام الماضية أقل غرابة من قصة رفيقه منير. عبد الرحمن الذي يعمل بوزارة الزراعة السعودية في العاصمة الرياض، كان في زيارة قصيرة إلى القاهرة، برفقة والدته التي تقيم في مدينة ينبع السعودية، نزل في أحد الفنادق بحي عابدين. في يوم الخميس 3 تشرين الأول/أكتوبر أوصل والدته إلى المطار فهي مغادرة إلى ينبع، بينما سيغادر هو بعد ساعات على متن الخطوط السعودية إلى الرياض مكان عمله.

سجل خروج من الفندق، مساء الخميس 3 تشرين الأول/أكتوبر بعد أن حصل على تصريح ركوب الطائرة عبر الإنترنت، فمواعيد الوصول لطائرته هي الـ 11 مساء، وانقطع أثره بعدها. لا أحد يعرف إن كان قد وصل إلى المطار أم لا.

هرع شقيقه أحمد إلى القاهرة للبحث عنه، أمن المطار أخبره بأنهم لا يعلمون عنه شيئاً، ضباط الجوازات قالوا لم يختم جوازه للخروج. كان هاتفه مغلقاً، قبل أن يفتح ويغلق مرة أخرى. بمجهودات أخيه وبعض معارفهم، بمعاونة السفارة السودانية استطاعوا العثور على الطبيب البيطري مهند، في أحد مراكز الاعتقال، وقاموا بجهود حثيثة ساهمت في إطلاق سراحه لغادر إلى "ينبع" بالمملكة السعودية.

تفتح قصتا الطبيب مهند عبد الرحمن والشاب منير ريمون باب التساؤل مشرعًا أمام السفارة السودانية في القاهرة، ووزارة الخارجية السودانية لضمان سلامة السودانيين المقيمين بمصر

لا أحد يعرف على وجه الدقة كم عدد السودانيين المعتقلين في مصر، ومن منهم أطلق سراحه، ومن منهم ما يزال يقبع في السجون والمعتقلات المصرية، وقصتا الطبيب مهند عبد الرحمن والشاب منير ريمون تفتحان باب التساؤل مشرعًا أمام السفارة السودانية في القاهرة، ووزارة الخارجية السودانية لضمان سلامة السودانيين المقيمين بمصر، وأقدارهم المفتوحة في مواجهة نظام سلطوي مسعور ومذعور.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

كيف هزم السودانيون السيسي؟ 

اعتقال أجانب في مصر من بينهم أردنيان بتهم "الشمّاعة"!