15-مارس-2020

زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السودان حميدتي للقاهرة واستقباله بواسطة عباس كامل (فيسبوك)

تثير زيارة نائب رئس مجلس السيادة السوداني الفريق محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي" إلى القاهرة، فيما قيل إنها زيارة للتباحث مع الجانب المصري في قضايا مشتركة تستغرق يومين، العديد من التساؤلات والاستفهامات، خصوصًا عقب الترتيب الذي طرأ على العلاقة بين المكون المدني والعسكري بالحكومة الانتقالية السودانية بخصوص صلاحيات كل طرفٍ منهما في مهامه الحكومية. فما هي أهداف الزيارة غير المعلنة ولماذا يقوم بها عضو في مجلس السيادة وليس الحكومة التنفيذية؟ 

حملت الأخبار  لقاء حميدتي برئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل" محمد عثمان الميرغني بمقر إقامته في فيلا طيبة بمصر الجديدة، وأنهما بحثا مستقبل الفترة الانتقالية

الغموض سيد الموقف

حالة من الغموض تكتنف زيارة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني لمصر، فخبر الزيارة الذي نقلته صفحة مجلس السيادة الانتقالي بفيسبوك يقول إنها أتت بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال إعلام المجلس إن الهدف من الزيارة "بحث مسار العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بجانب القضايا ذات الاهتمام المشترك"، إلا أنه لم يبين أي من الملفات على وجه التحديد مما يدخل في الاهتمام المشترك بين البلدين سيتم مناقشتها. وحملت الأخبار عصر الجمعة لقاء حميدتي برئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي "الأصل" محمد عثمان الميرغني بمقر إقامته في فيلا طيبة بمصر الجديدة، وأنهما بحثا مستقبل الفترة الانتقالية وصولًا إلى إقامة انتخابات نزيهة بنهايتها.

اقرأ/ي أيضًا: التوم: إجراءات مشددة وحصر للأنشطة الجماهيرية بسبب كورونا

مخابرات السيسي ممسكة بالخيوط

الزيارة التي أتت بتنسيق مخابراتيٍ مصريٍ كامل، سبقتها تهيئة للأجواء خصوصًا عقب البرود النسبي الذي طرأ على العلاقة بين مصر والسودان في أعقاب رفض وفد السودان ضمن الاجتماع الوزاري للجامعة العربية ضم اسمه لأعضاء الجامعة الذين أيدوا موقف مصر في مواجهة إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة، وهو الموقف الذي دعا الإعلام المصري في سياقه لشن حملة على السودان واتهامه بخيانة الأمة العربية والإسلامية، إلا أن الحملة لم تستمر طويلًا، خصوصًا وأن جهات سودانية أوضحت الموقف من الحادثة في حديث خاص لـ"الترا سودان"، حيث قالت مصادر دبلوماسية رفيعة إن مصر لم تتبع الإجراءات المعهودة في رفع القضايا عبر القنوات الرسمية في الجامعة العربية، وإن طلبها فاجأ الوفد السوداني، حيث اعتذر وفد السودان عن الموافقة عليه بحجة أن القرار السوداني ملك لمؤسسات تصدر قراراتها توافقيًا، أي مجلسي الوزراء والسيادة.

سبقت زيادة حميدتي للقاهرة زيارة قصيرة لمدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل للسودان وجاءت بشكل مفاجئ ولم يعلن عنها إلا بعد وصوله الخرطوم، وجرت في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، حيث قابل عباس كل من نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان دقلو، ورئيس المجلس الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك. لكن لم تذكر الأخبار الهدف من الزيارة بخلاف التصريحات المعهودة من شاكلة "مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك".

تقوية العسكر في مواجهة المدنيين

توجيه السيسي الدعوة لزيارة مصر إلى نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو، دون غيره من أعضاء الحكومة الانتقالية، وبواسطة مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، يكشف النقاب عن ما ترغب مصر فعله بواسطة هذه الزيارة الملغومة. فلم يمض شهر على زيارة مفاجئة قام بها رئيس المجلس السيادي الفريق عبد الفتاح البرهان لدولة أوغندا، التقى فيها رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تبادلا فيها الوعود وكانت بداية لتطبيع عربي رسمي، تخوضه السودان دولة اللاءات الثلاثة، وأكثر البلدان عرضة للابتزاز بسبب وضعه الانتقالي الحالي. أحدث لقاء البرهان بنتنياهو هزةً في وضع البلاد الهش بالرغم من أنه تم على ما يبدو بتنسيق بين شقي الحكومة وضغط إماراتي، سعودي ومصري كبير.

خلفت زيارة البرهان زخمًا شعبيًا مناصرًا للمدنيين في الحكومة ورافضًا لخطوة التطبيع، مضافًا له موقف دولي من الاتحاد الأوروبي مساند للمدنيين في الحكومة السودانية الانتقالية في مقابل طموحات عسكر السودان لتصدر المشهد السياسي بالبلاد، وبات واضحًا أن نفوذ عسكر السودان الموالون لكل من مصر والإمارات والسعودية، ماضٍ في انحسار في مقابل تزايد نفوذ المدنيين السودانيين بقيادة عبد الله حمدوك وحكومته في الحكم، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على قرار السودان الوقوف على الحياد بين مصر وإثيوبيا في قضية سد النهضة، وعدم اشتراكه في موقف الجامعة العربية المساند لمصر ضد إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة.

اقرأ/ي أيضًا: جنوب السودان يحظر السفر للبلدان المتأثرة بفيروس كورونا

ما الذي تريده مصر؟

ترغب مصر من خلال دعوة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني لزيارتها، في إرسال رسائل للشق المدني بمجلس السيادة السوداني أولًا، فحواها أنها ما تزال ممسكة بأوراق مهمة في مسألة استقرار الفترة الانتقالية بالسودان، وهي سيطرتها الكاملة على عسكريي مجلس السيادة السوداني، وإرسال مصر مدير مخابراتها للسودان لتقديم الدعوة لدقلو، واستقبال الأخير في مطار القاهرة بواسطة ذات الرجل، رغم أنه بروتكوليًا كان يجب أن يستقبل نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، الرئيس المصري أو رئيس الوزراء، وهي إشارة أخرى إلى دور المخابرات المصرية.

كمت ترغب مصر من الخطوة في بعض اللين من الجانب السوداني، خصوصًا الشق المدني في الحكومة، يساعدها في تغيير موازين القوى المختلة بينها وإثيوبيا في ملف مفاوضات سد النهضة، هذا في الحد الأدنى لطموحاتها.

أما الرسالة الثانية من الزيارة، فتمثلها إشارة لقاء دقلو برئيس الحزب الاتحاد الديمقراطي محمد عثمان الميرغني، والذي كان مشاركًا حتى آخر لحظة في حكومة المخلوع البشير، ولم يكن جزءًا من قوى إعلان الحرية والتغيير، التحالف الذي قاد الثورة، حيث ذهب الحزب وتأثيره أدارج الرياح بسبب تمسكه بالمشاركة في نظام البشير، وأطيح به مع حليفه المخلوع.

رسالة مصر الثانية مفادها أن بإمكانها جمع القوى البائدة المعادية للثورة في مكان واحد، وضمن تحالف يمكن أن يشكل خطرًا على أهداف ومسار الانتقال بالسودان. ومعروف تاريخيًا قرب الاتحاديين، الأصل، مع مصر، حيث كان يعني لفظ اتحاد الوارد في تسمية الحزب، الاتحاد بين مصر والسودان في دولة واحدة.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا يغلق أبواب السودان في وجه 8 دول

أما الحد الأعلى لطموحات مصر من هذه الزيارة والغريبة والمفخخة، فهي إعادة الزخم والأهمية للمكون العسكري بالحكومة الانتقالية، حتى تمكنه من دعم موقف مصر في مفاوضات سد النهضة تجاه إثيوبيا، في الاجتماعات المشتركة بين مجلسي السيادة والوزراء السودانيين، خصوصًا وأن الاجتماعات الأخيرة شهدت غياب دقلو عنها لانشغاله بملف مفاوضات السلام بجنوب السودان.

إثارة المخاوف السودانية

نقلت مصادر سودانية متعددة وموثوقة أن لقاءً جرى بين دقلو الذي يزور القاهرة ليومين، ومدير جهاز المخابرات السوداني الأسبق صلاح قوش الهارب من العدالة في السودان، والمسحوب منه جواز السفر الدبلوماسي السوداني بواسطة النائب العام بالسودان، حيث يتخذ الرجل المتهم بقتل المتظاهرين وارتكاب العديد من الجرائم الموثقة ضد معارضين ومتظاهرين سودانيين طيلة فترة حكم النظام البائد، من مصر مأوىً له، وقالت المصادر إن اللقاء بين الرجلين تم بترتيب وتنسيق مصري، حيث تم اللقاء في منزل مدير المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، بتنسيق وتريب من المخابرات المصرية، لإثارة مخاوف القوى السياسية السودانية التي أنجزت الثورة، على مستقبل التحول الديمقراطي بالسودان، ومن المرجح أن مصر ما تزال تأوي قوش برغم أن النيابة العامة السودانية طلبت القبض عليه بواسطة الإنتربول.

وفي فيديو منشور بواسطة الحزب الاتحادي يصور لقاء دقلو للميرغني رحب أحد قادة الحزب بدقلو وزيارته للميرغني، وقال إنها تأتي لمصلحة السودان، إلا أن دقلو في كلمته ضمن ذات الفيديو أكد أن الزيارة اجتماعية وليس من ورائها أي أغراضٍ أخرى، ما يزيد المخاوف من أن أمير الحرب والسياسي السوداني المستجد الذي تعلم كثيرًا من خلال مفاوضات السلام وما قبلها، حاول من خلال كلماته إخفاء أهداف زيارته المخابراتية لمصر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كورونا يغلق أبواب السودان في وجه 8 دول

على الورق.. السودان يضم حلايب وشلاتين في خارطة رسمية