29-أغسطس-2020

حمدوك وبومبيو (Stripes)

أبلغ رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وزير الخارجية الأمريكي الزائر مايك بومبيو أن حكومته لا تملك التفويض الكافي لحسم قضية التطبيع، وأنه يمكن النظر في المسألة عقب استكمال هياكل السلطة الانتقالية.

موقف الحكومة الانتقالية جيد دبلوماسيًا وسياسيًا واستوعب موقف تحالفها المنقسم حيال التطبيع

هذا الموقف جيد من الناحيتين السياسية والدبلوماسية، وهو نتيجة لحوارات شملت أطراف السلطة في البلاد، فقد استبق  حمدوك الزيارة باجتماع طارئ مطول ضم إلى جانبه تحالف قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة، وأعقبه باجتماع ثان مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وانصبت الاجتماعات في ترتيب أجندة مقابلات الزيارة الأهم منذ تشكيل الحكومة الانتقالية.

اقرأ/ي أيضًا: القضية الفلسطينية كما يجب أن نفهمها

لقد جاء موقف الحكومة منسجمًا مع تحالفها السياسي، ومستوعبًا لتباينات أطرافه حيال هذه المسألة الكبيرة، وذلك أمر طبيعي بحسب طبيعة التحالف الواسع، والذي يضم قوى سياسية من اليمين مرورًا بالوسط وانتهاءً باليسار.

وكان طلب حمدوك للاجتماع الطارئ مع قوى الحرية والتغيير خطوة موفقة، ساهمت في خروج موقف الحكومة متناسقًا مع التقدير السياسي للمعترضين ومحترمًا للمؤيدين من القوى السياسية، وفي تشكيل موقف يستوعب ذلك التباين.

الحكومة تركت الباب مواربًا 

فالحكومة الانتقالية لم تقفل الباب بشكل نهائي في قضية التطبيع، إنما أرجأت المسألة لحين اكتمال تشكيل هياكل الحكم الانتقالي، وعلى رأسها المجلس التشريعي، والذي سيعهد إليه بالقضايا الكبرى مثل السلام وابتدار القوانين ومراجعتها، ومنها إجازة السياسة الخارجية للبلاد وتحولاتها وتغيير وجهتها.

اقرأ/ي أيضًا: تقاسم مقاعد الحكم الولائي.. نهش جسد الوطن المنهك

كما أن الحكومة الانتقالية سعت لدفع واشنطن لعدم الخلط بين التطبيع وقضية رفع اسم البلاد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، واستكمال رفع العقوبات المفروضة على السودان، وهو فصل مهم ومطلوب، ويتجاوز ما ظلت تروجه بعض الأصوات داخل دوائرها، حول الربط بين التطبيع وتحسين العلاقات مع واشنطن.

الدولة الوطنية منذ نشأتها اعتبرت إسرائيل دولة عدوة والتعامل معها يحتاج لتعديل عدد من القوانين قبل تعديل السياسة الخارجية

وينبغي الإشارة إلى أن قضية مقاطعة دولة إسرائيل واعتبارها دولة عدوة مغتصبة للأرض ومنتهكة للحقوق الفلسطينية التاريخية، ظلت هي بمثابة حجر الزاوية للسياسة السودانية طوال عهد الدولة الوطنية، وينبغي أن يخضع أي تعديل في هذه السياسة لمناقشة متعمقة من المجلس التشريعي بما يضمه من تمثيل واسع لكل القوى السياسية والمدنية والأهلية في البلاد، والتعديلات في عدد من القوانين على رأسها القانون الجنائي السوداني الذي يحظر ويجرم الذهاب والتعامل مع دولة إسرائيل، وقانون القوات المسلحة الذي يصنفها كدولة معادية، وقانون مقاطعة إسرائيل لعام 1958 الذي سبق الإشارة إليه في مقال سابق.

على أن تصوير الزيارة الأهم منذ آخر زيارة لمسؤول أمريكي بنفس المستوى قبل (15) عامًا، حينما زارت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها كونداليزا رايز البلاد، عقب التوصل لاتفاق السلام الشامل مع الحركة الشعبية في العام 2005، وربطها فقط بقضية التطبيع أمر غير سليم. فهذه الزيارة حملت أجندة مختلفة منها:

  • قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتفعيل قرارات إلغاء العقوبات الأمريكية.

  • بحث ما يدور داخل الحكومة الانتقالية وعلاقات أطرافها، والمهددات التي تواجه الحكم المدني، لا سيما وقد استبقت واشنطن الزيارة بقرار حظر مجموعة من مهددي الانتقال الديمقراطي من أركان النظام البائد.

  • دعم الجهود الجارية للتوصل لاتفاق حول قضية سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا، خصوصًا وأن واشنطن رعت مبادرة بين الدول الثلاث قبل أشهر.

  • ترتيبات تخص دعم السلام في المنطقة العربية بين الدول العربية وإسرائيل، وتحضيرات اجتماع السلام الذي يتم الترتيب له.

وهذه الزيارة في توقيتها الذي تمت فيه، هي زيارة لصياغة معالم سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه هذه القضايا، بعدما فاز مؤخرًا بترشيح الحزب الجمهوري لدورة رئاسية ثانية.

الخرطوم لم تلق أوراقها كاملة

وقد استوعبت الحكومة مضمون الزيارة، فهي لم تلق بأوراقها كاملة على الطاولة لأنها لن تحصد منها ثمارًا عاجلة، كما أن فترة الثلاثة أشهر القادمة ليست فترة قرارات بقدر ما هي فترة وعود، إذ ستتحول الحكومة الأمريكية وأعمالها لحكومة مؤقتة، وسينصرف الرئيس ترامب لحشد الدعم لحملته الرئاسية، قبل الانتخابات التي ستتم في 3 تشرين الثاني/نوفمبر القادم، والتي يواجه فيها المرشح الديمقراطي جو بايدن، وربما يغادر على إثرها موقعه. وساعتها سيكون أمام الحكومة الانتقالية فرصة جديدة لعرض ما تملك من أوراق ومواقف على الوافد الجديد للبيت الأبيض.

اقرأ/ي أيضًا: خفة التطبيع في السودان

وبالتأكيد لا يمكن قراءة الزيارة بمعزل عن النشاط الدبلوماسي الكثيف الذي تزامن معها من زيارات لوفود من قطر والسعودية والإمارات وإثيوبيا، فهي وإن لم تتداخل معها مباشرة، إلا أنها تتلاقى مع ترتيبات تشمل الملفات أعلاه التي ناقشناها في أجندة زيارة الوزير الأمريكي، يجري الإعداد لها ولصياغة ملامحها للفترة القادمة، ويتضح ذلك من مسار طائرة بومبيو التي ابتدرت مسارها بإسرائيل وحطت في الخرطوم، واتجهت بعدها للبحرين والإمارات.

الطريقة التي تمت بها معالجة هذه الزيارة هي الأسلوب الأنسب للتفاهم حول القضايا بين الحكومة وتحالفها السياسي

وأخيرًا، فإن الطريقة التي تمت بها معالجة هذه الزيارة، هي الأسلوب الأنسب للتفاهم حول القضايا بين الحكومة وتحالفها السياسي، ولو تم تثبيتها واتباعها في القضايا الرئيسية، ستساهم في سد الفجوات بين الطرفين وتقريب وجهات النظر، وامتصاص أي خلافات محتملة.

اقرأ/ي أيضًا

التطبيع الإماراتي.. بعيدًا عن فرية إلغاء خطة الضم

قوي الحرية والتغيير.. بين أكل الكعكة والاحتفاظ بها