22-يوليو-2018

مثل السيسي المصالح الإقليمية للسعودية والإمارات في زيارته للسودان (Getty)

دون موعد معلن وبكثير من الثقة هبطت طائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مطار الخرطوم نهاية الأسبوع الماضي، ولم تكن الزيارة خاطفة كالعادة، وإنما استمرت يومين، تخللتها لقاءات مغلقة وأخرى مفتوحة، شملت الصحافة وبعض قادة الحزب الحاكم، والرجل الثاني الأقوى في المؤسسة العسكرية السودانية الفريق بكري حسن صالح.

يمثل الرئيس المصري في زيارته للسودان المصالح الإقليمية للسعودية والإمارات، اللتين أثارت اتفاقيات قطر وتركيا مع الخرطوم غضبهما

وكانت زيارة السيسي للخرطوم مُقررة في تشرين الأول/أكتوبر من نهاية العام الجاري، إلا أن دوافع خفية قدمت موعدها، وهى على ما يبدو نفسها الدوافع التي تمت مناقشتها بصورة سرية، بعيدًا عن الأضواء، رغم أن الإعلام الرسمي اكتفى بالقول إن الزيارة تهدف إلى الاتفاق حول مشروعات الربط الكهربائي والسكة الحديد وتعزيز العلاقات الثنائية.

 ومع ذلك حملت القضايا المطروحة على طاولة الزيارة، إزجاء رسائل حول أمن البحر الأحمر، وبصورة مفاجئة تقريبًا، حيث أعرب البشير والسيسي في البيان الختامي المشترك، عن اهتمامهما البالغ بأمن منطقة البحر الأحمر، وضرورة التشاور والتنسيق المستمر، "تعظيمًا للمصالح ومنعًا للتدخلات الأجنبية السالبة والتسابق الإقليمي للسيطرة على المنطقة، بما يتعارض ومصالح شعوبها".

وعلى ما يبدو، فإن الرئيس المصري مثّل في هذه الزيارة المصالح الإقليمية للسعودية والإمارات، اللتين أثارت اتفاقيات قطر وتركيا مع السودان غضبهما. وقد اتفقت تركيا مع الخرطوم بخصوص مدينة سواكن على البحر الأحمر لإعادة ترميمها على الطراز العثماني القديم، وذلك أثناء زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسودان نهاية العام الماضي، أما بالنسبة لقطر فقد اتفقت مع الحكومة السودانية على بناء أكبر ميناء في البحر الأحمر بقيمة 4 مليار دولار.

اقرأ/ي أيضًا: الصومال الواقف ضد مشروع التقسيم الإماراتي.. البحر الأحمر ليس لكم

وقد طغت تداعيات الزيارة أيضًا على تصريحات المسؤولين في البلدين، وكان الحدث الأبرز هو منع الإعلام "الأجنبي" من تغطية الزيارة واقتصار التغطية على القنوات الفضائية السودانية والصحف المحلية، وفيما بعد مُنعت كل القنوات الفضائية، بما فيها السودانية، من إطلاق خدمة البث المباشر. ورجح مراقبون أن يكون المنع تحسبًا للحرج الذي ربما يسببه تواجد قناة الجزيرة للمسؤولين المصريين، حيث تكررت واقعة إبعاد مايكرفون الجزيرة من منصة وزير الخارجية المصري سامح شكري في الخرطوم، أكثر من مرة، ولقي هذا التصرف وقتها استنكارًا واسعًا من قبل الأوساط الصحفية.

وبدا لافتًا للحضور الذين تمت دعوتهم لتغطية تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، صباح الجمعة، تولي المراسم المصرية إجراءات دعوات الصحافيين السودانيين والتدقيق في هوياتهم، ومنع القنوات الفضائية من تسجيل كلمة السيسي. وفجر رئيس تحرير صحيفة "مصادر" السودانية، عبد الماجد عبد الحميد، أزمة إعلامية بعد منعه من حضور اللقاء، رغم أنه كان مدعوًا له. وقال عبد الماجد إنني "تلقيت دعوة رسمية من القصر الجمهوري لحضور اللقاء النوعي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاشرة من صباح يوم الجمعة، بفندق كورنثيا بالخرطوم"، لكنه أوضح بعد ذلك أنه تلقى اتصالًا هاتفيًا يخطره بعدم الحضور، قائلاً إنه "في الساعات الأولى من صباح اليوم تلقيت إخطارًا هاتفيًا من جهة رسمية بالحكومة السودانية طلبت مني عدم الحضور لمكان لقاء الرئيس المصري بالخرطوم، وذلك بحجة أن الجانب المصري رفض إدراج اسمي ضمن قائمة الذين تمت دعوتهم لحضور اللقاء".

وأضاف  أنه أخطر اتحاد الصحفيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات بالإجراء الذي وصفه بالمعيب والغريب لتقاليد العمل الصحفي في السودان، بما هو "تدخل سافر من دولة أخرى في تقييد حركة الصحفيين السودانيين داخل بلادهم".

من جهتها أعلنت نقابة الصحفيين السودانيين عن رفضها منع رؤساء تحرير وكتاب من حضور اللقاء، وقالت النقابة في بيان صحفي تلقى "ألترا صوت" نسخة منه، إن الطاقم الأمني المرافق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارته للخرطوم منع بعض الكتاب ورؤساء التحرير والمثقفين السودانيين من حضور لقاء معه صباح الجمعة الماضية. وكشف البيان عن اتصالات أجراها اتحاد الصحفيين السودانيين مع الجهات ذات الصلة في الخرطوم، توصل بموجبها إلى أن الجانب المصري رفض وجود عشرة أسماء في لقاء الرئيس السيسي، وهم من كبار رؤساء التحرير والكتاب والمثقفين، بعد تلقيهم دعوة رسمية.

كانت زيارة السيسي للخرطوم مُقررة في تشرين الأول/أكتوبر من نهاية العام الجاري، إلا أن دوافع خفية قدمت موعدها

واعتبرت النقابة ما أقدمت عليه الجهات المصرية سلوكًا منافيًا للتطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين، حيث إنه تم منع تلك الأقلام غالبًا بسبب مواقفها الرافضة للحصار المفروض ضد دولة قطر من قبل السعودية والإمارت ومصر والبحرين.

وفي السياق نفسه، فقد عبر السيسي عن عدم رضاه عن بعض ما يكتب في وسائل الإعلام المصرية بخصوص السودان، مشيرًا إلى أن  ذلك لا يخدم مصالح البلدين والشعبين.

اقرأ/ي أيضًا: سواكن السودانية.. محطة جديدة لحروب الإمارات لاستعمار موانئ البحر الأحمر

وكتب الصحفي السوداني فيصل محمد صالح، عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، تدوينة حول واقعة منع عبد الماجد من حضور لقاء السياسي، قائلًا: "مُنع الصحفي عبد الماجد عبد الحميد من حضور لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعد أن تمت دعوته رسميًا، وتم إبلاغه أن منعه تم استجابة لرغبة الوفد المصري. هذه فضيحة وطنية بجلاجل يجب ألا تمر ببساطة". ويعتبر عبد الماجد من الأقلام التي ظلت تناصر القضية الفلسطينية، بجانب كتاباته الرافضة لحصار قطر.

بدوره، وصف الكاتب والمحلل السياسي  ياسر محجوب الحسين، السيسي في زيارته الأخيرة للخرطوم، بـ"مقاول التفكيك والتمحور"، وتساءل في مقالة صحفية حول الترتيب المفاجئ للزيارة؛ وإذا ما كان السيسي يرمي من ورائها إلى وضع علاقات البلدين في إطار تحالف أمني يخدم النظامين، أم أن السيسي يحمل في جعبته رسالة من حلفائه في محور الإمارات والسعودية تضمنت عرضًا اقتصاديًا ثمنه انضمام الخرطوم لذلك الحلف؟

واعتبر الحسين أن البحر الأحمر غدا بحيرة إستراتيجية يحتدم حولها الصراع الدولي قبل الإقليمي، لافتًا إلى أن اقتراب تركيا من ميناء سواكن السوداني على البحر الأحمر أثار حفيظة محور "مصر والسعودية والإمارات".

وربط ياسر محجوب بين زيارة السيسي للسودان وصفقة القرن التي تمهد للتطبيع مع إسرائيل وعزل القضية الفلسطينية، حيث يلعب النظام المصري دورًا مهمًا في إقناع أنظمة عربية بالصفقة، ما يجعله أشبه بسفير سعودي إماراتي لبعض دول المنطقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صفعة صومالية لمشروع الإمارات لتقسيم البلاد.. موانئ البحر الأحمر ثمن التدخل

أزمة الخبز في السودان.. مقاومة بالحيلة لمناورات السلطة