20-يوليو-2020

الانتقال الديمقراطي وإشكالياته (عرب 48)

صدر بالأمس عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومقره الدوحة، آخر كتب الباحث والمفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، وعنوانه "التحول الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة"، حيث يتناول فيه عبر جهدٍ بحثيٍ رصين، أغلب الجوانب التجريدية لنظريات التحول الديمقراطي والتحديث، ويقارن بين الحقب الزمانية واحتياجاتها والفروقات بين البلدان التي انتجت تلك النظريات من خلال النظر في تجاربها، ويرفدها بخلاصة تأملاته حول التجارب العربية المتأخرة لانتفاضات وثورات الوطن العربي.

يذخر الكتاب بالخلاصات المعرفية الرصينة والمتأنية الناتجة من بحث مضنٍ ومثابر غايته إقالة عثرة تجارب شعوب البلدان العربية في سعيها للديمقراطية والحرية

تكمن أهمية الكتاب في أنه يعد مساهمة عربية أصيلة في التنظير للتحول الديمقراطي من واقع تجربة البلدان العربية، إلا أن الفصل الأخير فيه يكاد يكون الأهم على الإطلاق. حيث يتناول فيه عزمي بشارة تجارب تشيلي ومصر وتونس في محاولة للتعلم من الفروقات بين التجربتين.

اقرأ/ي أيضًا: التثوير الاجتماعي للثورة

ويذخر الكتاب بالخلاصات المعرفية الرصينة والمتأنية الناتجة من بحث مضنٍ ومثابر غايته إقالة عثرة تجارب شعوب البلدان العربية في سعيها للديمقراطية والحرية.

وغني عن القول أن الدراسات السياسية المقارنة كانت قد اكتشفت أن التعلم من الفروقات بين تجربتين تحت الفحص والبحث، هو أنسب الطرق لاستخلاص المعارف العلمية.

يكاد الفصل السادس عشر والأخير في الكتاب أن يكون موجهًا للسودانيين وهم في خضم مكابدتهم لتصحيح مسار الثورة وصولًا إلى غاياتها، وهو الفصل المعنون "التعلم من الفَرْق: تجربتا مصر وتونس"، وهنا اقتبس من عرض المركز العربي المنشور على موقعه الإلكتروني للكتاب: "يفسر بشارة الفرق بين مصر وتونس في نتائج عملية الانتقال، قائلًا إن مقاربات التحديث تفشل في تفسير الفرق، وإن الفرق في النتائج على الرغم من تشابه الحالتين قد يصلح في التأسيس النظري لبعض قواعد الانتقال عربيًا".

هذا الفصل والذي يمكن للسودانيين الاستفادة منه في تجربتهم الراهنة أكثر من غيرهم، يركز فيه عزمي بشارة على الفروقات بين مصر وتونس ودور الجيش وغاياته فيهما، إلى جانب تشريح ثقافة النخب السياسية وتوجهاتها، ومخاطر الخطاب الشعبوي لدى قادة المعارضة، وهي حالة تكاد تكون متسيدة للمشهد السياسي السوداني، ويولي بشارة أهمية قصوى لقضية وحدة قوى التغيير في مرحلة الشرعية الثورية، مشيرًا إلى مخاطر الحكم بأغلبية ضئيلة في مرحلة الانتقال قبل ترسيخ النظام الديمقراطي، ومنوهًا إلى ضرورة أن تحسم الحركة الإسلامية التي ترغب في المشاركة في النظام الديمقراطي مسألة أولوية إنجاح الديمقراطية على البرنامج السياسي.

يسلط مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في هذا الفصل من الكتاب، الضوء على الفرق في الوزن الجيوسياسي لكل من مصر وتونس والدور السلبي للعوامل الخارجية في مصر. وينتهي الكتاب إلى خلاصات غاية في الأهمية تفسر فشل الانتقال الديمقراطي:

  • لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي، إذا كان الجيش موحدًا ضده، أو إذا كان لدى الجيش طموح للحكم.
  • لا يمكن تحقيق انتقال ديمقراطي، إذا لم تتفق قوى التغيير على ضرورة إنجاحه، وإذا لم تلتزم إجراءات الديمقراطية وترفعها فوق خلافاتها.
  • لا يمكن الحكم بأغلبية ضئيلة في مرحلة الانتقال، إذا كان جهاز الدولة البيروقراطي والقوى السياسية للنظام القديم متحالفين لإفشاله.
  • كلما زاد الوزن الجيوستراتيجي للدولة، زاد تأثير العوامل الخارجية السلبية.

هذا أو الطريق إلى السجون ولبس أزياء الإعدام سيكون هو نهاية المطاف لقادة الثورة السودانية

تتوافر في التجربة السودانية جميع شروط فشل تجارب الانتقال الديمقراطي مما يتطلب من القوى السياسية والحاكمة في السودان تغيير سلوكها بشكل سريع وعاجل، والالتفاف حول مطالب الثورة، وترك الخلافات والمكاسب الذاتية والتركيز على مكسب إنجاح الانتقال الديمقراطي لبناء نظام ديمقراطي مستدام تطال مكتسباته كل القوى السياسية، وإلا فالطريق إلى السجون ولبس أزياء الإعدام سيكون هو نهاية المطاف، لا الفشل فقط.

اقرأ/ي أيضًا

30 يونيو: تصحيح مسار أم تجذير قاعدي للفعل الثوري؟

خفايا وأسرار "حميدتي" مكانها النيابة العامة