مجتمع

خريف الخرطوم: مخاوف الأوبئة تطغى على الفرح بمقدم المطر

5 يوليو 2025
الخريف
الخريف في السودان (أ{شيفية)
علاء الدين مضوي
علاء الدين مضويصحفي من السودان

بمشاعر متباينة بين الفرح والخوف، وقف عبد المنعم عبدالله يراقب المطر الغزير ينهمر بشدة وسط بيته في حي أبو كدوك بمدينة أم درمان. كان فرحه نابعًا من بداية فصل الخريف المبكرة في العاصمة السودانية الخرطوم، حيث يسهم في تغيير المناخ الحار إلى مناخ معتدل، لاسيما في ظل انقطاع التيار الكهربائي لمدة 12 ساعة يوميًا، مما قد يحسن من حالته النفسية المدمرة بسبب آثار الحرب التي قضت على أثاث منزله وحصاد عمره وحرمانه من العمل. ومع ذلك، كان خوفه أكبر وهو يرى أن الأمطار قد بدأت، مما ينذر في انتشار الأمراض والأوبئة بعد أن تحولت شوارع وميادين ولاية الخرطوم إلى مقابر كبيرة يمكن أن تجرفها السيول والأمطار، ويهدد بحدوث كارثة إنسانية وصحية إذا لم يتم التعامل معها بشكل فعّال.

يتخوف الكثيرون من تأثير مخلفات الحرب على الإنسان والبيئة خاصة وأن منازل وشوارع الخرطوم تحولت إلى مقابر جماعية 

وشهدت العاصمة السودانية الخرطوم بداية مبكرة لفصل الخريف، مما يزيد من مخاوف المواطنين، خاصة في ظل انتشار الأمراض الوبائية، وعلى رأسها الكوليرا التي حصدت آلاف الأرواح. ويأتي ذلك في ظل الوضع الصحي والبيئي المتردي بسبب الحرب التي دمرت أكثر من 80% من المرافق الصحية في البلاد.

حصر الجثث

وحذرت لجان مقاومة شمبات الأراضي بالخرطوم بحري، من تحلل قبور وسط المنازل مع موسم الأمطار، وناشدت وزارة الصحة وهيئة الطب العدلي، وعائلات الضحايا الذين دفنوا وسط الأحياء السكنية بالمنطقة خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع، بضرورة نبش القبور ونقلها إلى المقابر العامة مع اقتراب موسم الأمطار.

وأصدرت لجنة الأمن بمحلية بحري بولاية الخرطوم توجيهات بإجراء حصر شامل لجميع الجثث التي دُفنت خارج المقابر.

ودفن مئات الأشخاص وسط الأحياء السكنية بالخرطوم وبحري وأم درمان، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع لانعدام الممرات الآمنة إلى المقابر العامة.

وتشكل الأمراض والأوبئة المصاحبة لفصل الخريف تهديدًا بالغ الخطورة على حياة المواطنين بسبب انتشار الجثث ومخلفات الحرب، فضلًا عن تدمير البنية التحتية وانعدام أنظمة الصرف الصحي في السودان.

هذا الوضع يؤدي إلى ركود مياه الأمطار لفترات طويلة، مما يخلق ظروفًا مثالية لتفشي أمراض تنتقل عبر المياه وأخرى تنتقل بواسطة نواقل، مثل الكوليرا وحمى الضنك والأمراض الجلدية.

اتخاذ التدابير

مدير الطوارئ الصحية بولاية الخرطوم د. محمد التجاني، قلل من تلك المخاطر، وأكد أن وزارة الصحة شرعت في اتخاذ التدابير الصحية اللازمة لمجابهة موسم الخريف لهذا العام 2025.

وقال تجاني لـ"الترا سودان": إن وزير الصحة بالولاية وجه بمضاعفة الجهود لمجابهة موسم الخريف، وبضرورة تفعيل الشراكات المجتمعية خلال هذه المرحلة، وإشراكها في عمليات الإصحاح البيئي للحفاظ على البيئة، ومكافحة نواقل الأمراض خلال موسم الخريف.

ولفت إلى أن أهم التحديات التي تواجه اللجنة في هذا العام المتمثلة في وباء الكوليرا وداء الضنك الذي بات منتشرا في جميع المحليات.

وكشف عن تدريب تنشيطي وأساسي لجميع الكوادر وتوفير المبيدات وصيانة أو شراء الماكينات والطلمبات، وإعادة تأهيل المعامل المرجعية لضبط جودة تشخيص مجهري للملاريا.

وطمأن مدير الطوارئ الصحية بأن الموقف الدوائي لكافة الأمراض والأوبئة، مؤكدًا على وجود وفرة في الأدوية ومادة الكلور الخاصة بتنقية المياه.

تدهور البنية التحتية

وتعاني ولاية الخرطوم من تدهور البنى التحتية وضعف مجاري تصريف الأمطار بسبب الدمار الذي حل بالخرطوم، خاصة في وسط المدينة وأطرافها التي شهدت معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023.

على الرغم من الضرر الذي أصاب البنية التحتية لولاية الخرطوم، تعمل الجهات المختصة، متمثلة في البنى التحتية والدفاع المدني، على تخفيف آثار الكارثة التي حلت بالمدينة، التي كانت تعاني من مشاكل في المصارف حتى قبل نشوب الحرب.

 وبحسب مصدر بشرطة الدفاع المدني، تجري الاستعدادات لفصل الخريف في ولاية الخرطوم بصورة طيبة، بعد إزالة أغلب مخلفات الحرب من الولاية، عقب إعلان خلوها من قوات الدعم السريع.

أشار المصدر إلى أن فرق الدفاع المدني تمكنت من إزالة مواد خطرة في مناطق متفرقة بالعاصمة الخرطوم، ضمن حملتها لإزالة مخلفات الحرب.

وأكد المصدر لـ"الترا سودان" أن البنى التحتية والمحليات تعمل على تنظيف المصارف. وأوضح أن طلمبات الدفاع المدني جاهزة بجميع محليات الولاية لتصريف مياه السيول والأمطار.

من جهته، أوضح مسؤول جهاز الإنذار المبكر العقيد العباس ناجي في تصريح لـ"الترا سودان" أن مركز الإنذار المبكر، المعني بتوقعات الأمطار والفيضانات، لم يتوقف عن العمل.

 وأضاف أن المركز يصدر نشرة يومية بتوقعات الأمطار والفيضانات للثلاثة أيام المقبلة، بالإضافة إلى نشرة أخرى للجفاف تُصدر كل عشرة أيام.

الأمراض المنقولة

ويتخوف الكثيرون من تأثير مخلفات الحرب على الإنسان والبيئة، خاصة وأن منازل وشوارع الخرطوم تحولت إلى مقابر جماعية، مما ينذر بكارثة بيئية تلوح في الأفق مع دخول فصل الخريف، الذي تنتشر فيه الأوبئة والأمراض.

تقول الدكتورة لينه لطفي، المهتمة بالصحة العامة وصحة المجتمع، إن انتشار الجثث ومخلفات الحرب يزيد من خطر الأمراض المنقولة بواسطة النواقل والحشرات، مثل الملاريا وحمى الضنك.

 وأشارت إلى أن التلوث بمخلفات الحرب والجثث يؤدي إلى تلوث المياه وانتشار الأمراض المنقولة عبر المياه، مثل الكوليرا والدوسنتاريا.

 وأكدت أن جميع هذه الأمراض المرتبطة بالنواقل تظهر بكثرة نتيجة تراكم الجثث وتوالد الحشرات، ما لم تعالج الجثث بالطريقة الصحيحة، مثل النقل خارج الأحياء السكنية ودفنها، وتنفيذ حملات إصحاح بيئي من رش وتعقيم.

وشددت على ضرورة الاهتمام بالبنية التحتية، خاصة مع انهيار الصرف الصحي وعدم وجود تصريف جيد، خاصة مع توقعات بحدوث فيضانات وسيول. وحذرت من أن الوضع سيكون صعبًا للغاية وستزداد معدلات الأمراض إذا لم يتم التعامل مع هذه القضايا بفعالية.

وتدعو لطفي إلى ضرورة الإنذار المبكر والتدخل السريع والاستجابة الفعالة بخطط مدروسة ومراعية لجميع الجوانب، حتى لا يتفاقم الوضع إلى كارثة في ظل الانهيار الحاد للوضع الصحي في البلاد.

الوضع الصحي والبيئي

وبدوره، يرى الناشط البيئي عباس بابكر أن خريف هذا العام سيكون له تأثير كبير على الوضع الصحي والبيئي، نظرًا لانتشار مرض الكوليرا والأوبئة الأخرى نتيجة الدمار الكبير الذي خلفته الحرب.

وأشار إلى الانتشار الكثيف لمخلفات المعارك من ركام وجثامين مدفونة في الميادين العامة وأماكن أخرى غير معلومة.

وكانت السلطات الحكومية في السودان رصدت نحو 250 مقبرة في مناطق متفرقة من ولاية الخرطوم، تضم بحسب التقديرات حوالي سبعة آلاف جثة مجهولة الهوية.

 ونبه الناشط البيئي إلى أن تراكم النفايات العادية ومخلفات الذخائر المتفجرة وغير المتفجرة، بالإضافة إلى نفايات الحرائق الضخمة في الأحياء والأسواق والمصانع، يشكل تهديدًا كبيرًا للبيئة عند اختلاطها بمياه الأمطار، خاصة في ظل غياب المصارف التي تضررت بشدة بسبب الحرب، مما قد يؤدي إلى مخاطر صحية جسيمة للإنسان والبيئة.

ولفت الناشط إلى أن هناك بعض المناطق في ولاية الخرطوم لم تصلها فرق النظافة، مما يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة المواطنين، خاصة في ظل عودة آلاف المواطنين إلى منازلهم دون اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة.

وناشد المواطنين بالإسهام في تقليل المخاطر المتوقعة من خلال العمل على مستوى أحيائهم بشكل مبكر، ودفن النفايات العضوية في حال عدم التمكن من التخلص منها.

دُفن مئات الأشخاص وسط الأحياء السكنية بولاية الخرطوم خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع 

يأتي خريف هذا العام مغايرًا لما كان عليه في السابق، خاصة في ظل انتشار الأمراض والأوبئة وانتشار الجثث في شوارع وأحياء المدينة المختلفة. هذا الوضع ينذر بحدوث كارثة صحية في حال لم تتعامل الجهات المختصة والمواطنون بشكل فعال للقضاء على تلك التحديات التي تهدد حياة آلاف المواطنين، خاصة العائدين إلى منازلهم. لذلك، من الضروري أن تتكاتف الجهود لمواجهة هذه التحديات وضمان سلامة وصحة المجتمع.

الكلمات المفتاحية

الطبيب السوداني جمال الطيب

صمد لـ 30 شهرًا.. طبيب سوداني يُضيء الظلام بالحصول على جائزة دولية

بعد 30 شهرًا، توّجت منظمة أورورا الدولية الطبيب السوداني جمال الطيب بطلًا للقطاع الطبي والصحي والإنساني، من بين 900 شخصية حول العالم نافسوا على الجائزة التي أُعلن عنها الخميس 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2025.


النازحون في طويلة

السودان.. النزوح ترفُ الناجين من المذابح في بارا والفاشر

أدّت هجمات قوات الدعم السريع خلال نهاية تشرين الأول/أكتوبر ومطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2025 إلى نزوح قرابة 100 ألف شخص من مدينتَي بارا والفاشر في كردفان ودارفور، إضافةً إلى القرى والبلدات الصغيرة التي تشعر بالتوتر من تهديد هذه القوات في شمال كردفان.


مدينة بارا بولاية شمال كردفان

بارا المنسية.. مجزرة أخرى خارج عدسات الإعلام

بينما انشغل العالم بما يجري في الفاشر، ظلت مدينة بارا، الواقعة في ولاية شمال كردفان، تعيش مأساة إنسانية لا تقل قسوة، من انتهاكات إنسانية مروعة يندى لها الجبين وبعيدة عن الأضواء.


الانتهاكات في الفاشر

انتهاكات جسيمة.. التصفية على أساس إثني في الفاشر

تعيش مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، ظروفًا بالغة التعقيد في أعقاب اقتحامها من قِبل قوات الدعم السريع صباح أمس الأحد 26 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، حيث شملت الانتهاكات تصفيات عنيفة وقتلًا عشوائيًا للمدنيين والأسر، مع سيطرة هذه القوات على مواقع إستراتيجية بالمدينة.

طقس السودان.jpg
أخبار

للأرصاد الجوية: أجواء حارة نسبيًا وأمطار خفيفة إلى متوسطة على ساحل البحر الأحمر

أصدرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية اليوم الأحد نشرتها اليومية الخاصة بتوقعات الطقس للأيام الثلاثة المقبلة من الأحد 9 إلى الثلاثاء 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2025م، متوقعة استمرار الأجواء الحارة نسبياً في عدد من الولايات مع هطول أمطار خفيفة إلى متوسطة على ساحل البحر الأحمر ونشاط للرياح الشمالية المثيرة للغبار.

نازحو الفاشر في الدبة
رأي

نزوح الفاشر إلى الدبة.. حين تضغط الجغرافيا وتنكسر السياسة

الآثار الكارثية لما وقع في الفاشر لن تمحي قريبًا. الآلاف قتلوا وشردوا وانتهكت أعراضهم في واحدة من أسوأ مشاهد الحرب الدائرة في السودان، بل هي مأساة مكتملة،


النقارة السودانية
منوعات

النقارة السودانية.. طبول تروي حكايات الفرح والحزن

تُعد النقارة السودانية نبضًا حيًا للثقافة الموسيقية في البلاد، فهي تحمل في دقاتها إرثًا فنيًا زاخرًا بالإبداع، وبين طياتها رسائل مختلفة، تعبر أحيانًا عن الفرح وأحيانًا عن الفزع والحزن، عبر إيقاعات متنوعة ومتفردة. تُلهب هذه النقارة الروح وتحتفي بالهوية والذاكرة الشعبية، وتستخدم بشكل خاص لدى قبائل كردفان.

مطار نيالا
أخبار

الطيران الحربي للجيش السوداني يشن غارات على مطار نيالا

شنَّ الجيش السوداني، السبت 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، غاراتٍ جوية على مواقع قوات الدعم السريع داخل مطار نيالا في ولاية جنوب دارفور.

الأكثر قراءة

1
أخبار

شبكة أطباء السودان: الدعم السريع أقدمت على حرق الجثث في الفاشر


2
أخبار

رحلة محفوفة بالمخاطر.. والي شمال دارفور يصل إلى بورتسودان 


3
أخبار

عبدالفتاح البرهان يتفقد نازحي الفاشر في الدبة بالولاية الشمالية


4
أخبار

الحكومة السودانية تعلن التزامها بخارطة الطريق لإنهاء الحرب


5
سياسة

مدنيون نزحوا من بارا: نجونا من فرق إعدام متجولة بالمدينة