حوارات

حوار | مع الدكتور فتح الرحمن الفضيل رئيس حزب بُناة المستقبل السوداني

8 يونيو 2025
الدكتور فتح الرحمن الفضيل
الدكتور فتح الرحمن الفضيل رئيس حزب بُناة المستقبل
خباب النعمان
خباب النعمان كاتب وباحث من السودان

تأسيسُ الدعم السريع أكبر سقطات الإنقاذ! وأحد قيادات الصف الأول في المؤتمر الوطني أبدى انزعاجه باكرًا من تشكيل الدعم السريع.

ليس كرتي وحده من فرح بانقلاب 2021.

سبب تعثّر مراجعات الإسلاميين أن الإنقاذيين هم من يقودون التيار.

كتائب الإسلاميين قومية ومنضبطة، ومن الظلم تشبيهها بمليشيا الدعم السريع!

الدعم السريع ليس من الإنقاذ، بل هو نذير شؤمها.

أكذوبة "الطلقة الأولى" تخريج سمِج من "قحت" لتسويق رواية الدعم السريع حول الحرب.

ليس ثمة لجام، والجيش كان يفتقر للمشاة، وقد أفاد من كتائب الإسلاميين، والقوات المشتركة، والمقاومة الشعبية، واستطاع أن يهزم سبع دول بدعم خارجي ضخم.

الإسلاميون مطالبون بتقديم جيل جديد يخاطب الشواغل المستحدثة.

الدعم السريع امتداد لبربرية التعايشي وجهاديته المضادة لمشروع المهدي.

مناوي، وعقار، وجبريل، ضمن تشوهات المشهد السياسي، وليسوا في مقام يسمح بنصح الإسلاميين.

مارست قيادات الإسلاميين مراجعاتها في أضابير سرية مغلقة وضنينة على غير أهلها، وهذا ضد منطق الشرع وهدي النبوة.

أي تفاوض سري لا يعني الشعب، ولا تفاوض سوى ما جرى في جدة.

الحديث عن أن الجيش يأتمر بقرارات الإسلاميين فيه عدم احترام لمؤسسة القوات المسلحة.

أغلب المنابر الدولية هدفها إخضاع الجيش للمليشيا أو إطالة أمد الحرب!

تحالف "تأسيس" هم شركاء المليشيا، والوزن السياسي لحلفاء الجيش أرجح وأثقل وأقوى.

قدوم كامل إدريس خطوة ذكية، وعلى العسكريين أن ينأوا عن الجهاز التنفيذي.

يجب على القوات المسلحة أن تمضي نحو فتح مسارات العملية السياسية داخليًا، والبدء في التحول الديمقراطي الجاد، وعدم عقد أي صفقة مع فصيل محدد مرة أخرى.

الدكتور فتح الرحمن الفضيل من القيادات الفاعلة في المسرح السياسي، عُرف بالنشاط والحركة والتواصل وتغليب المنهج الإصلاحي. خرج مع الدكتور غازي صلاح الدين ليشكّلا حركة "الإصلاح الآن"، بالتوازي مع ظهور الدعم السريع في صدارة المشهد الأمني والعسكري، الذي تبلور على نحو صاعق في أعقاب الشراكة المدنية العسكرية بعد فض اعتصام القيادة في يونيو 2019م.

وبرز تأثير الفضيل على نحو واضح في مرحلة ما بعد الثورة، وما قبل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، وكان ضمن العناصر النشطة التي ذهبت بالأمور، ومن منصة اعتصام القصر، إلى المفاصلة الانقلابية التي تمت في أكتوبر من العام 2021م.

ينشط الدكتور فتح الرحمن الفضيل في فضاءات التواصل الاجتماعي للتبشير بضرورة الانتقال للحكم المدني الديمقراطي في مرحلة ما بعد الحرب

يرأس الدكتور فتح الرحمن الفضيل حزب بناة المستقبل، وينشط في فضاءات التواصل الاجتماعي للتبشير بضرورة الانتقال للحكم المدني الديمقراطي في مرحلة ما بعد الحرب، وممارسة فضيلة النقد على كافة المستويات.

موقع "الترا سودان" وفي سياق حواراته، تواصل معه وانتزع منه وقتًا في غمرة مشاغله، فلم يتوانَ عن الإجابة على أسئلته واستفهاماته التي أتت مماثلة لمنهج النقد والوضوح الذي يعتمده الفضيل. فكانت النتيجة هذا الحوار الصريح حول مراجعات الإسلاميين، ومستقبل العملية السياسية في مرحلة ما بعد الحرب، مع مناقشة إنشاء الدعم السريع، وسردية المعركة حول سؤال: من أطلق الرصاصة الأولى؟ فإلى المحاور والمضابط:

  • هل جال في رؤوس الإسلاميين أن صُنع رأس النظام للدعم السريع يمكن أن ينتهي بالبلاد إلى مصير مشابه لما نعانيه هذه الأيام؟ وهل خطر على نخب الإسلاميين يومها، وهي تجلس في مقاعد الحكم، أن تقنع البشير أو تضغط عليه في سبيل منعه من القيام بخطوة كهذه؟ أم أن سياق صناعة الدعم السريع يتسق مع بنية تفكير العقل الإسلامي الحاكم حينها، وجنوحه إلى تأسيس كيانات خارج الدولة (الأمن الشعبي / الشرطة الشعبية / الدفاع الشعبي / مجلس الصداقة الشعبية / المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي / ...إلخ)، فأتى الدعم السريع نسجًا على ذات المنوال، وتنويعًا على مشهد الازدواج بين الرسمي والشعبي كقوة ساندة؟

رغم حسن النية، يظلّ خطل تأسيس الدعم السريع أكبر سقطات الإنقاذ. أخطأت الإنقاذ خطأً فادحًا في صناعة مليشيا الدعم السريع، رغم أننا نعلم أن الإنقاذ كانت قد صنعت الدعم السريع بالقدر الذي يجعلها قادرة على كبح جماح هذه القوة (في مواعينها)، من حيث عدد القوات، ومن حيث القانون الضابط لها، ومن حيث التبعية وغيرها. إلا أن خطل الفكرة وخطأها لا تخطئه العين، لأن قوات بهذا العدد -وأقصد العدد الذي كان قبل سقوط الإنقاذ- أيضًا خطأ، دع عنك توسّعها لاحقًا؛ لأنها قوات ليست لها عقيدة قتالية غير الانتقام من إثنيات محددة.

وفي نظر الدولة، فإن تلك الإثنيات تمردت عليها وتستحق القتال، وهذا صحيح طبعًا، إلا أن القضية في نظر الدعم السريع ترى القبائل وفق ما بينها من ثأرات، وقد وجدوا في آلة الدولة ودعمها ضالّتهم لقطع شأفتها. هنا اختلط نبل هدف الدولة مع سوء نية هذه القوات البربرية القبلية، التي تأتمر بأمر القبيلة. وكان يجب تنفيذ هدف الدولة عبر القوات المسلحة السودانية القومية، وليست قوات قبلية لا عقيدة لها. لذلك، فإن الإنقاذ تتحمل جزءًا كبيرًا من الوزر بإنشاء هذه القوات، رغم أنها تمددت في الفترة الانتقالية، ووجدت ما لم تجده في فترة الإنقاذ.

بالمناسبة، كثير من قادة الإنقاذ كانوا قلقين من هذه القوات. وشخصيًا سعيت سعيًا حثيثًا مع الدكتور غازي صلاح الدين العتباني إبان اعتقال قوات الدعم السريع لموسى هلال، وتواصلنا مع القيادة كحزب -أقصد "الإصلاح الآن"- تقريبًا في العام 2016. ولكن للأسف فشلنا في إقناع الدولة بخطورة قوات الدعم السريع.

الكيانات العسكرية الأخرى التي تأسست في فترة الإنقاذ، مثل الأمن الشعبي والشرطة الشعبية، تُعد قوات قومية بامتياز.

كذلك، هناك قيادي في الصف الأول للإنقاذ في العام 2017 حدثني أنه قلق من هذه القوات أكثر من قلقه من المعارضة ومن قيام ثورة شعبية. وقال لي بالنص، والحديث للقيادي بالمؤتمر الوطني ومقرب من الرئيس: "لو أن هذه القوات أطلقت النار في الخرطوم وقتلت في يوم واحد مائة ألف، فلن يستطيع أحد أن يخرج من بيته أو أن يعارض هذه القوات، وهي لا ترعوي أن تفعل". هذا الكلام قبل الثورة بأكثر من عام كامل، وهو ما يؤكد أن هناك قلقًا داخل الإنقاذ نفسها، ولكن من الواضح أن هناك جهة تتمسك بالدعم السريع لهدف شخصي ربما.

الكيانات العسكرية الأخرى التي تأسست في فترة الإنقاذ، مثل الأمن الشعبي والشرطة الشعبية، تُعد قوات قومية بامتياز. ومهما يكن، فلا خطر يأتي منها، لأنها لن تستهدف قبيلة ولا تأتمر بأمر زعيم عصابة أو ناظر قبيلة. وهي قوات مساندة، حتى لو نفذت أهداف السلطة، وأقل خطرًا بما لا يُقارن بالدعم السريع القبلي، برهاناته الأسرية والوشائجية المضادة لمنطق الحداثة.

  • هل يُقرأ إنشاء قوات الدعم السريع بما فعلته قديمًا وما تفعله الآن كأثرٍ باقٍ للإنقاذ ومنهجها الأمني في معالجة الأزمات؟ إذ مثّلت أداتها الباطشة التي أوقفت "تمرد" الحركات المسلحة وعزّزت سلطة الرئيس البشير. هل الدعم السريع هو تجلٍّ آخر للإنقاذ؟ أو قل: آخر نسخة من الإنقاذ؟

الدعم السريع ليس نسخة من الإنقاذ، بل هو نذير شؤمها. فنسخة الدعم السريع ليست امتدادًا للإنقاذ، مهما اختلفنا معها. فالإنقاذ سلطة دولة وقومية، حتى لو أتت بانقلاب، وممارساتها، حتى مع تجاوزاتها، تظل محدودة جدًا مقارنة ببربرية وعنصرية وقبلية الدعم السريع، الذي لا يشبهه في التاريخ إلا قوات "الجهادية" التي كان يقودها الخليفة التعايشي لتأديب خصومه ورافضي طرحه، كما جاء في أدبيات الجهادية المسماة بهتانًا بـ"المهدية": "نركب صافنات لا تنوح علينا وليه، ونقطع دابر القوم إن كان أبى المهدية!" - أي لو رفض الجهادية أو التعايشية.

  • ظلت ثورة ديسمبر جرحًا نرجسيًا غائرًا في العقل الإسلامي الجمعي، مما جعلهم يروّجون إلى أن ما حدث في أعقاب حراك الجماهير من انحياز للمؤسسة العسكرية هو انقلاب قامت به اللجنة الأمنية ضد نظام شرعي؛ ألا ينطوي هذا الحكم على استهانة بإرادة الجماهير والظروف الموضوعية التي أخرجتهم في ثورة سلمية ضد النظام؟ متى تعكف تيارات الإسلام السياسي على مراجعة تجربتها ونقدها على محاص الوقائع الموضوعية؟ هل هذا مطلب صعب يستكثره الإسلاميون على السودانيين؟ ألا يكفي أن قوى الحرية والتغيير أجرت نقدًا معلنًا لتجربتها التي لم تتجاوز عامين، بينما تستعصي قوى النظام السابق على مجرد المراجعة والنقد لمصلحة الحقيقة والتاريخ؟

الذي يعيق مراجعات الإسلاميين هو أن الإنقاذيين هم من يقود المراجعة. أعتقد أن الإسلاميين كتيار هم أكثر تيار سوداني قام بمراجعات في تاريخه، والدليل خروج مجموعات وتيارات حديثة من رحم التيار الإسلامي. ولكن كانت دومًا تنتهي بخروج مجموعة "المراجعة" أو "التجديد"، لأن طبيعة التنظيم وقبضته الأمنية تمنع أي "تفلت" كما يسمونه، أو "نشاز". ودومًا ينتصر العقل الأمني، وهذا تحديدًا من بعد الإنقاذ. أما قبلها، فكانت هناك مراجعات وجدت طريقها، وشيخ حسن الترابي نفسه يُعتبر أحد أهم ثمرات المراجعة والتجديد، مما أدى لانفتاح التيار الإسلامي عقب ثورة أكتوبر، ووقتها لم تكن هناك دولة أو تنظيم أمني قابض يمنع نفاذ أي آراء جديدة. أما عقب الإنقاذ، فأي كلام عن مراجعات صعب جدًا ويُعتبر صاحبه متفلتًا.

أما الحديث عن مراجعة "قحت" لتجربتها، فهذا محض افتئات. فقحت ليست كيانًا سياسيًا حقيقيًا، بل هي مجموعة وظيفية لأتباع منظمات ينحدرون من أحزاب، أيًّا كانت اللافتة، وقد جيء بهم كأشخاص لا ككيانات، لتنفيذ مشروع خارجي محدد هزمه الشعب السوداني، بمن فيهم تيارات الإسلاميين.

الإسلاميون عقب الثورة والحرب مطالبون بتقديم جيل جديد يخاطب شواغل الأجيال الحالية، حتى لا يقعوا في خطأ سنوات ما قبل الثورة، عندما خرج عليهم حتى أبناؤهم في النسب، وليس فقط المتمردين من أعضاء التيار الإسلامي.

  • بدا الأستاذ علي كرتي في مقابلته مع الطاهر حسن التوم مستبشرًا بمرحلة ما بعد الخامس والعشرين من أكتوبر، وما أطلق عليه "انتهاء عهود التنمر والظلم"؛ هل يشير هذا الارتياح إلى إسهام فعلي للإسلاميين في انقلاب العسكريين على المدنيين، سيما وأن في تاريخهم ما يؤكد إتقانهم للعمل السري وقدرتهم على الاختراق؟ ثم، أليس من الممكن أن يُنظر إلى التنمر والظلم المُشتكى منهما كجزاء وفاقًا من جنس أعمال النظام السابق، حين أتى أول أمره بخطى مستعجلة وعيون حارة، كما ذكر الطيب صالح في نقده الشهير؟ أم كيف تراه؟

ليس فقط كرتي، بل كل السودانيين فرحوا بانقلاب 25 أكتوبر، والسبب هو أن "قحت" قدمت نموذجًا شائهًا للحكم المدني المرتجى، وكانوا أكثر دكتاتورية من العسكر، إلى جانب عمالة الخارج، والسماح للبعثة الأممية أن تتحول إلى حاكم عام، وتحدد من يشارك في العملية السياسية ومن لا يشارك. لذلك، عندما أزالهم العسكر من المشهد، لم يجدوا من يخرج رافضًا للانقلاب أو مؤيدًا لهم، كما كان في 30 يونيو 2019 مثلًا.

وأي انقلاب إذا وجد تأييدًا شعبيًا، فهذا يُعتبر درجة من درجات التفويض، خصوصًا أننا في فترة انتقالية ليس فيها جهة منتخبة، فجميعهم لا يتمتعون بغير تفويض الشارع. وإذا اعتبرنا 25 أكتوبر انقلابًا لأن العسكر انحازوا للتيار الوطني ضد قحت، فإن 17 أغسطس 2019 يُعتبر أيضًا انقلابًا، لأن العسكر انحازوا لتيار "قحت" السياسي دون بقية القوى السياسية.

  • قامت حرب الخامس عشر من أبريل على سردية مفخخة، مفادها أن من أطلق الرصاصة الأولى في المدينة الرياضية أراد أن يشعل الحرب ويقطع الطريق أمام إنفاذ الاتفاق الإطاري، بفتنة مكونات المنظومة العسكرية. كيف رأيتها أنت؟ هل هي حرب عادلة؟ وكيف تقيّم أداء الجيش الذي استعاد كثيرًا من المواقع؟ هل كان ثمة "لجام" مشدود على مقدرات الجيش في الحسم، أم أن للمعركة ظروفها وسياقاتها وملابساتها الكامنة في نقص المشاة والتسليح؟

أكذوبة الطلقة الأولى تخريج سمج من "القحاطة" لصالح الجنجويد. هبْ أن طلقة ما أطلقها أي مكون، أو أن نيزكًا سقط من السماء، هل هذا يبرر أن يترك الجنجويد مطلق الطلقة الأولى ويهرعوا إلى مئات الآلاف من المنازل ليقتلوهم وينهبوهم ويغتصبوهم؟ وهل كل ما حدث من تدمير وتقتيل وأسر، كان ردًا على الطلقة الأولى؟ المسألة واضحة جدًا؛ قبل الحرب بشهور عديدة، كان الجنجويد يحشدون، وكان المواطنون أنفسهم يصورون عشرات الجرارات الطويلة وشاحنات البهائم تنقل أعدادًا كبيرة من غرب السودان إلى الخرطوم وأم درمان والجيلي في بحري، وأيضًا قبل الحرب بيومين، كانت حادثة دخول المليشيا إلى مروي.

 الجيش كان يعاني من نقص في المشاة، ولكن مع دخول المقاومة الشعبية وكتائب المجاهدين، اكتمل عقد الجيش وعوّض النقص

أما بخصوص "اللجام"، فلا أعتقد أن هناك لجامًا، لكن الجيش كان يعاني من نقص في المشاة، ولكن مع دخول المقاومة الشعبية وكتائب المجاهدين، اكتمل عقد الجيش وعوّض النقص في المشاة. هذا الأمر، للأسف، تأخر قرابة العام، إلى جانب تلكّؤ القوات المشتركة التي أتت بعد ستة شهور، وكل ذلك عطّل العمليات في الفترة الأولى. الجيش أبلى بلاءً حسنًا، وهو يقاتل سبع دول ودعمًا خارجيًا ضخمًا.

  • للإسلاميين دائمًا حساسية بالغة من الآراء المطالِبة لهم بالمراجعة، والتي صدرت من جهات وازنة في الدولة، مثل مالك عقار ومناوي، والإشارات الواردة في خطابات قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان. كيف تقيّم هذه الحساسية؟

مالك عقار ومناوي ليسوا في مقام نصح الإسلاميين، فهم لا يزالون ضمن أهم تشوهات المشهد السياسي. مالك عقار ومناوي وجبريل يُعتبرون أجسامًا متخلّفة سياسيًا، فلا هم حركات تمرد كما كانوا، ولا تحوّلوا لأحزاب سياسية راشدة، تحت دعاوى انتظار الدمج والتسريح، الذي لا أحد منهم يتمناه أن يحدث. رغم أن مالك عقار يُعتبر أفضل حالًا من بقية الحركات في استجابته الوطنية، إلا أنه لا يزال جسمًا غير سياسي وغير متسق مع العملية الديمقراطية.

أما حساسية الإسلاميين من المراجعة، فلا تحتاج إلى بيان من الحركات، بل إن القيادة الحالية، ومنذ أيام الإنقاذ، ترفض المراجعة من قبل الأعضاء أنفسهم، والسبب أن لهم مخاوف من الانفتاح، تجعل المراجعات تحدث بصورة سرّية داخل أضابير القيادة "المأمونة" نفسها؛ أي إنها تراجع نفسها ولا تقبل أن يراجعها غيرها، وهذا لا يتماشى مع الهدي النبوي: "كل يُؤخذ من رأيه ويُرد، إلا صاحب هذا القبر، أي النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه معصوم".

  • وردت فيما مضى تسريبات عن عقد ثلاث جولات تفاوضية بين الفريق كباشي، نائب القائد العام للجيش، والفريق عبد الرحيم دقلو، قائد ثاني الدعم السريع، في المنامة. ألا يشي ذلك بأن لقيادة الجيش دائمًا مسعى للسلام وإقرار مشروع التسوية، عوض الذهاب في معركة صفرية كما تدعو تيارات الإسلاميين؟ وهل يُعتبر هذا المسعى نقطة خلاف مع مؤسسة الجيش المرتهنة لقرار قيادتها وسلسلة أوامرها المضبوطة؟

أي نقاش أو تفاوض سري لا يعني الشعب السوداني، وأي تفاوض سري أو تواصل في مراحله الأولية، ولو بلغتني تسريباته، لا أعمل له اعتبارًا. فالتفاوض الذي أعرفه هو الذي كان في جدة، وكان معلنًا.

الحديث عن "تمليش" الإسلاميين ظالم ومجانب للصواب، فكتائب الإسلاميين لم تُقم إلا عندما دخل الجنجويد بيوت السودانيين بشهور عديدة،

أما الحديث عن أن الإسلاميين يحضّون العسكر على عدم التفاوض، فهو حديث غير مقبول، وفيه عدم احترام للقوات المسلحة وقيادتها، ولا يخرج إلا من المليشيا وأعوانها. شخصيًا، لست ضد التفاوض، ولكن مع أهمية تحديد كيفية التفاوض وسقفه ابتداءً. والحديث عمومًا عن سيطرة الإسلاميين على الجيش، يُعتبر في نظري تخوينًا غير مبرر.

  • كيف ترى ما يدور في الأفق الإسلامي من انقسامات، وربما في مستوى آخر من تفاهمات وتوافقات؟ وما هو مستقبل المنظومة الإسلامية في أعقاب ثورة وحرب؟

انقسامات الإسلاميين السابقة مفهومة، ولكن أي اختلاف عقب الحرب يُعد خيانة في نظري، فتيار الإسلاميين الآن مهم، ليس فقط لمن ينحدرون من البيت الإسلامي الكبير، ولكن تماسكه مهم حتى للوطن نفسه؛ فهو أكبر تيار وطني متماسك، ودوره في "حرب الكرامة" لا تخطئه العين أبدًا.

من الضروري العمل على توحيد منصة الإسلاميين، وتلافي فرضية قيام انقسام جديد، وخصوصًا في أعقاب الحرب. ومن الضروري جدًا تغليب وحدة الإسلاميين مع المراجعة والإصلاح السياسي.

  • مع علو نبرة النفرة الشعبية، وانتظام الولايات الشمالية والشرقية في فصائل المقاومة، ولاحقًا انضمام كَيَكَل وإسهامه في المعركة، ظهرت آراء تحذّر من انحدار البلاد إلى احتراب أهلي كلي، يستدعي ذاكرة الحروب التاريخية بين أهل البحر وأهل الغرب، ويتهم الإسلاميين بترجيح مصالحهم التنظيمية على المصالح الوطنية المرتبطة بالسلام والعودة إلى مسار الانتقال الديمقراطي. إلى أي مدى يُعدّ هذا الحكم دقيقًا وصائبًا؟ وكيف تقيّم مواقف الإسلاميين المنحدرين من المكونات الاجتماعية المتحالفة مع الدعم السريع؟

الحديث عن "تمليش" الإسلاميين ظالم ومجانب للصواب، فكتائب الإسلاميين لم تُقم إلا عندما دخل الجنجويد بيوت السودانيين بشهور عديدة، ولم تُقم كتائب الإسلاميين على أساس عرقي، بل دخل فيها الجميع. أنا لست خائفًا منها كعامة أهل السودان، لأنها مجموعات منضبطة جدًا، وكانت رد فعل لما قامت به المليشيا التي جيّشت الناس في دارفور وكردفان على أساس قبلي، واستثمرت في أكذوبة "الجلابة" و"دولة 56". ولولا حكمة القوات المسلحة، وحكمة الإسلاميين أنفسهم، لوقعنا في أتون الحرب الأهلية. لقد ساهمت كتائب الإسلاميين وعناصر المقاومة الشعبية، تحت لواء القوات المسلحة، في منع الحرب الأهلية.

  • كيف تقيّم مسارات التسوية ومشروعاتها، على تعدد المنابر الإقليمية والدولية؟ وهل يمكن أن تؤسس لسلام عادل ينهي حالة الحرب الدائرة؟

أغلب المنابر الدولية هدفها إخضاع الجيش للمليشيا أو إطالة أمد الحرب. للأسف، أغلب المنابر الدولية السابقة كان هدفها إما إخضاع الجيش السوداني للمليشيا بحكم تقدمها أول أيام الحرب، أو إطالة أمد الحرب في البلاد. وقد رفض الجيش الأولى بشموخ، ولكنهم حققوا الثانية، وهي إطالة أمد الحرب. أما الآن، وبعد أن تقدم الجيش على الأرض، انقسم المجتمع الدولي ومنابره بين مجموعة تدعم المليشيا وتعمل على حصار الجيش لتحقيق مشروعهم بالمساومة بدلًا من الحرب، وأخرى عادت تدعم الجيش بشكل خجول لتحقيق استقرار المنطقة.

  • كيف تقيّم المشروعات السياسية المؤسسة على هامش الحرب، ما بين تحالف "تأسيس" الذي جمع ما يسمى بقوى الهامش العريض، في مقابل حلفاء الجيش من حركات وأحزاب؟ وكيف تنظر للأوزان هنا وهناك؟

تحالف "تأسيس" هو تحالف شركاء المليشيا، وأغلبهم انحاز للمليشيا، إما بسبب قبلي أو بسبب المال السياسي من الكفيل. وهو تحالف ليس له أي تأثير إلا في مناطق دارفور، لأن أغلب القيادات الأهلية هناك دخلت في هذا الحلف طمعًا أو كرهًا. أما حلفاء الجيش فهم التيار الوطني العريض، وليس فقط الإسلاميين أو الشماليين، بدليل وجود كل حركات دارفور الرئيسية، والحركة الشعبية – مالك عقار، وغيرها. فقطعًا، الأوزان السياسية لمن يدعمون القوات المسلحة السودانية لا تُقارن بداعمي المليشيا.

  • ما هو مستقبل الدولة السودانية في ظل الأوضاع القائمة؟ هل تمضي الأمور إلى التجزئة والتفكيك، أم إلى الفوضى والفشل، أم إلى العسكرة؟ أم هل سينتج عن الحرب تأسيس مدني ديمقراطي؟

الدولة السودانية الآن انتصرت بفضل ثبات القوات المسلحة والتفاف الشعب، وما تبقى فقط تلخيص بملاحقة جيوب المليشيا في غرب السودان، وتأسيس ديمقراطي جاد من خلال ابتعاد القوات المسلحة عن السلطة التنفيذية. لذلك، أعتقد أن خطوة قدوم كامل إدريس خطوة ذكية، يجب إنجاحها، مع ضرورة أن ينأى العسكريون قليلًا عن الجهاز التنفيذي، وكذلك إبعاد الحركات المسلحة التي لم تزل تتمسك باتفاق جوبا رغم انتهاء أمده بدخول الحرب كل أقاليم السودان.

الخطوة القادمة التي يجب على القوات المسلحة أن تمضي نحوها، هي فتح مسارات العملية السياسية داخليًا، والبدء في التحول الديمقراطي الجاد

وأعتقد أن تمسك الحركات المسلحة بأنصبة "جوبا" يشكك في صدقيتها، ولو كنت ناصحًا للحركات لنصحتها بالتحول إلى أحزاب سياسية والابتعاد عن الابتزاز باتفاق حميدتي معهم في جوبا.

الخطوة القادمة التي يجب على القوات المسلحة أن تمضي نحوها، هي فتح مسارات العملية السياسية داخليًا، والبدء في التحول الديمقراطي الجاد، وعدم عقد أي صفقة مع فصيل محدد مرة أخرى.

الكلمات المفتاحية

وزير الصحة المكلف.jpg

حوار خاص| وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم: معدل إصابات الكوليرا في الخرطوم ألف حالة يوميًا

 كشف وزير الصحة السوداني، الدكتور هيثم محمد إبراهيم، أن حالات تفشي وباء الكوليرا في ولاية الخرطوم وصلت إلى 1000 حالة يومًيا، بمعدل وفيات يتراوح بين 2% - 3 %.


الخرطوم (10).jpg

حوارية عن الدولة والمجتمع.. كيف أثّرت حرب أبريل على الاجتماع السوداني؟

كعادة "الترا سودان" في إيراد الآراء المتعارضة، استنطقنا ذواتًا تقف على النقيض؛ بين من يُرجّح فرضية الصراع الاجتماعي ضمن مقاربة الهامش والمركز، وبين من ينتقد الأساس النظري لذات الجدلية، ومن يقارب الصراع على مستوى منهج سوق الأعمال السياسية. فكانت هذه الحوارية سانحة للاستئناس بآراء الباحث والإعلامي ممادو التجاني (محمد التجاني سليمان)، والأكاديمي د. كمال أحمد يوسف المختص في التاريخ السياسي…


Ultra -Sudan-01.png

حوار| الترا سودان يستنطق المستشار السابق بالدعم السريع منتصر إبراهيم

منتصر إبراهيم، فاعل سياسي وثقافي تقلّب في كثير من المؤسسات والمنظمات قبل أن يتصل بالدعم السريع على رهان محدد -كما يقول- هو تقديم مشروع سياسي لقائد الدعم السريع قوامه المكاشفة والمصالحة


د. عبدالرحمن الغالي.png

حوار| مع القيادي بحزب الأمة القومي دكتور عبد الرحمن الغالي

جمع دكتور عبد الرحمن إلى استقامته ونزاهته وحسن انتمائه للحزب روحًا نقدية وعقلًا مفتوحًا، وتجاوز مؤخرًا ممارسة السياسة من باب التفكير لها إلى التفكير فيها، فنشط في تقديم مقاربات مستبصرة في ثنايا الحرب

موكب الخميس.jpg
أخبار

مدافعون حقوقيون: استهداف وحدة السودانيين بدأ بفض اعتصام القيادة العامة

حذر مدافعون حقوقيون من تنامي خطاب الكراهية والانقسام الاجتماعي بعد مرور 26 شهرًا على اندلاع الحرب في السودان، وشدّدوا على ضرورة التصدي لما وصفوه بـ"الحملات الممنهجة".

Screenshot 2022-08-20 at 11-27-54 Heavy rains in El Fasher.png
أخبار

طقس السودان.. أسبوع مطير في معظم أنحاء البلاد

توقعت الهيئة العامة للأرصاد الجوية، في نشرتها الأسبوعية، تفاوتًا في درجات الحرارة وتوزيع الأمطار خلال الفترة من 15 إلى 21 تموز/يوليو 2025


نازحون سودانيون
أخبار

الأمم المتحدة تحذر: تصاعد القتال والأمطار الغزيرة يُفاقمان الأزمة الإنسانية في السودان

حذّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) من تفاقم الأوضاع الإنسانية في السودان نتيجة تصاعد العنف والنزوح المستمر، بالتزامن مع هطول أمطار غزيرة

مركز أبحاث المايستوما
أخبار

منظمة: الحرب دمّرت مركز المايستوما في السودان

قالت منظمة صحية إن الحرب دمّرت البنية التحتية لمركز علاج الأورام الفطرية "المايستوما" في السودان، والذي كان يقدّم خدمات حيوية لآلاف الأشخاص في البلاد والعالم بأسره.

الأكثر قراءة

1
سياسة

اجتماعات واشنطن.. هل تتفق على وقف حرب السودان؟


2
أخبار

استئناف العمل بمحطة كهرباء قومية في بورتسودان بعد توقف دام 5 أعوام


3
أخبار

1.3 مليون نازح يعودون إلى منازلهم في السودان


4
أخبار

توقف محطة مياه شمال بحري بسبب انخفاض حاد في منسوب النيل


5
ثقافة وفنون

صدور كتاب "سبع ليالٍ" لخورخي لويس بورخيس بترجمة سودانية